back to top
المزيد

    جو بايدن ومستقبل العلاقات العراقية-الأمريكية

    أروى إبراهيم: صحفية متخصصة في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

    تطرق المرشحون للرئاسة الأمريكية إلى قضايا السياسة الخارجية المهمة في الشرق الأوسط المتعلقة بإيران والسعودية وإسرائيل وفلسطين، بيد أن قضية العراق المهمة كانت غائبة في نقاشاتهم. يعتقد العديد من المراقبين أن غياب العراق عن المناقشات يرجع إلى أن العراق يُعدّ قضية سياسة خارجية ثانوية بالنسبة للولايات المتحدة، وأن شؤون الشرق الأوسط الأخرى -بما في ذلك الاتفاق النووي الإيراني والصراع الإسرائيلي الفلسطيني- تعدّ مخاوف أكثر إلحاحاً.

    ما زال من غير الواضح نوع النهج الذي ستتبناه الإدارة الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط، وفي العراق تحديداً. إلا أن الرئيس المنتخب جو بايدن لديه تأريخ طويل من التدخل في الدولة الغنية بالنفط، وسجل مثير للجدل منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وبينما هنأ القادة العراقيون، بمن فيهم الرئيس العراقي برهم صالح ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، جو بايدن لانتخابه رئيساً للولايات المتحدة، ستظل بغداد حذرة ولكنها تأمل علاقات مزدهرة في المستقبل.

    قال مايكل نايتس، الزميل في معهد واشنطن والمتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية في العراق وإيران: “إن بايدن معروف جيداً لجميع القادة العراقيين الذين التقوا به عدة مرات”. وأضاف: “معرفتهم به يبعث لهم بالطمأنينة بأن العراق سيحظى باهتمام جيد لدى بايدن في البيت الأبيض.” في حين أن الولايات المتحدة قد لا ترى العراق كأولوية في سياستها الخارجية، فمن المرجح أن يكون نهج الإدارة الجديدة مرتبطاً بسياستها تجاه إيران.

    سياسة إيران

    لم يَعد نهج واشنطن تجاه بغداد واضحاً بعد انتهاء حرب العراق خلال رئاسة باراك أوباما. وعلى الرغم من أهمية السياسة العراقية لدى الولايات المتحدة، إلا أن التركيز على إيران ومحاربة تنظيم داعش الإرهابي كان على رأس أولويات الولايات المتحدة. بينما يستمر العراق في صراع عنيف بين طهران وواشنطن، تميل السياسات الأمريكية تجاه إيران إلى الامتداد إلى جارتها العربية.

    حينما أمرت واشنطن بشن غارة جوية بطائرة دون طيار لقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في كانون الثاني 2020، فقد أدى الهجوم أيضاً إلى مقتل أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي. دفع الحادث العلاقات الإيرانية الأمريكية إلى مسار تصادمي حدث على الأراضي العراقية. استهدفت واشنطن الفصائل المسلحة بينما كثفت إيران هجماتها على المصالح الأمريكية في العراق.

    وبالمثل، حينما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على إيران، تم استهداف العديد من شخصيات الفصائل المسلحة في العراق. وقال مسؤول حكومي كبير “للجزيرة” إنه يأمل ألا تكون إدارة بايدن “أكثر انخراطًا مع العراق” فحسب، بل أن يكون لديها أيضا سياسة تخص العراق بدلاً من “اعتبار العراق ملحقاً لسياستها تجاه إيران”. ومع ذلك، قال المسؤول -الذي طلب عدم الكشف عن هويته- إنه إذا كانت إدارة بايدن تعتزم العودة إلى المفاوضات والدبلوماسية مع إيران، “فسيكون هذا مفيداً للعراق؛ لأن العراق عالق بين الاثنين”.

    حتى إذا بقيت سياسة واشنطن تجاه العراق مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بإيران، فإن بعض المحللين يقولون إن التراجع المحتمل في النهج المتشدد الذي تبناه دونالد ترامب تجاه طهران -الذي شهد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني، المعروف أيضاً باسم خطة العمل الشاملة المشتركة JCPOA وفرض عقوبات اقتصادية لا ترحم كجزء من حملة “الضغط الأقصى”- من شأنه أن يفيد بغداد أيضاً.

    وقال عباس كاظم، مدير معهد مبادرة العراق في المجلس الأطلسي: “إذا توجهت كل من إيران والولايات المتحدة نحو المفاوضات، فسيكون ذلك مهماً للعراق، ولاسيما أن المشكلات في العلاقات الأمريكية العراقية تتعلق بالبعد الإيراني”، مضيفاً: “قد يؤدي التصعيد بين طهران وواشنطن إلى مزيد من اللاستقرار في البلاد.” يرى نايتس بأنه سيتعين على بايدن “إجراء مراجعة مفصلة بشأن كيفية عدم الانخراط مرة أخرى في تشجيع السلوك الإيراني السيئ”؛ وبالتالي فمن غير المرجح أن تثير طهران وحلفاؤها في العراق عداءً للولايات المتحدة في المدة المقبلة. واضاف: “ستكون إيران مترددة في اتخاذ أي إجراء قد يعطل رغبة الولايات المتحدة في العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة؛ لذا فإن الفصائل المسلحة بحاجة إلى توخي الحذر في العراق حتى لا تؤذي الأمريكيين أو شركاء واشنطن الدوليين”.

    من المتوقع أن تسحب الولايات المتحدة أكثر من ثلث قواتها البالغ عددها 5200 جندي في العراق بحلول نهاية العام

    إرث بايدن في العراق

    كرئيس لمجلس الشيوخ الأمريكي في عام 2002، صوت بايدن لصالح قرار أدى إلى الغزو الأمريكي للعراق بعد عام. وحينما شغل منصب نائب الرئيس لأوباما، أدى دوراً رئيساً في سحب 150 ألف جندي أمريكي من البلاد في عام 2011.

    على الرغم من أن الكثيرين أيدوا الخطوة في ذلك الوقت، إلا أنها خلقت فراغاً أمنياً وسط أزمة طائفية في العراق مهدت الطريق لظهور تنظيم داعش الإرهابي. وبحلول عام 2014، احتل التنظيم الإرهابي مساحات شاسعة من الأراضي العراقية؛ وهو تطور أعاد القوات الأمريكية إلى البلاد كجزء من تحالف دولي لمحاربة داعش.

    اشتُهِر بايدن أيضاً بمشاركته في تأليف مقال مثير للجدل في عام 2006 الذي دعا إلى إضفاء اللامركزية في العراق على أسس عرقية ودينية، ومنح الأكراد والسنة والشيعة “المساحة” لإدارة شؤونهم الخاصة، ترك الحكومة المركزية مسؤولة عن المصالح المشتركة”. ونظراً إلى أن هذا المقال عمّق من الانقسامات الطائفية في العراق، فقد قوبِل باستقبال سيئ في بغداد. ويرى المحللون أن من المرجح أن إدارة بايدن ستصوغ نهجاً جديداً للعراق.

    لم يكن بايدن في الجانب الصحيح فيما مضى. قال ريناد منصور، رئيس مبادرة العراق في تشاثام هاوس في لندن، “لدى بايدن بعض الأخطاء الجسيمة في الحكم في المسائل”. إلا أن الأشخاص المقربين من فريق بايدن يدركون أخطاء الماضي ويتطلعون للمضي قدماً بنهج جديد.” ويوافق إحسان الشمري، رئيس المركز العراقي للفكر السياسي ومقره بغداد، على أن تكون هناك بعض البقايا من نهجه السابق، لكن هذا لا يعني أنه سيكون لدى بايدن النهج نفسه للعراق”.

    بصفته سيناتوراً أمريكياً، أيّد جو بايدن بقوة قراراً أدى إلى الغزو الأمريكي للعراق عام 2003

    القوات الأمريكية

    من المتوقع أن يستمر تأثير سياسات ترامب في الشرق الأوسط لـعشرة أسابيع قادمة لحين تنصيب الرئيس الجديد. قال منصور: “قد يكون هناك المزيد من التصعيد في الأشهر الأخيرة من هذه الإدارة في واشنطن … ولاسيما من قبل أولئك الموجودين في إدارة ترامب الذين هم مناهضون لإيران أيديولوجياً ومعادون للوجود الإيراني في العراق”. تشير التقارير الأخيرة إلى أن إدارة ترامب تخطط لفرض قائمة عقوبات جديدة على إيران، وهي خطوة قد تؤدي إلى تفاقم التوترات في العراق.

    ومع ذلك فإن المحللين يتوقعون أن تبقى العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق ضمن البروتوكول القياسي، على الأقل في الأمد القريب، مع استمرار الحوار الاستراتيجي الذي بدأ في حزيران في معالجة المشاركة الاقتصادية والتعاون الأمني، بين مواضيع أخرى. وقال نايتس إن الأمن هو “قلب الحوار الاستراتيجي”.

    تعهد بايدن بإعادة القوات القتالية الأمريكية إلى الوطن من العراق وأفغانستان، ولم يتبق سوى عدد قليل من قوات مكافحة الإرهاب؛ لذلك من المتوقع أن تظل الولايات المتحدة في طريقها لسحب أكثر من ثلث قواتها البالغ عددها 5200 جندي في العراق لخفض المستوى إلى 3000 بحلول نهاية العام.

    ولقد تم احتواء نفوذ تنظيم داعش الإرهابي إلى حد كبير مقارنة بالفترة بين عامي 2014، و2017؛ الأمر الذي سمح للقوات الأجنبية بالانسحاب التدريجي من مجموعة من القواعد على مدى الأشهر الأخيرة. وهو التحرك الذي تسارعه الجماعات المسلحة التي تدعمها إيران والتي تستهدف المواقع الأميركية. ومع ذلك، فمن غير المرجح انسحاب القوات الأمريكية من العراق بنحوٍ كامل.

    قال نايتس: “من المقرر أن تبقى القوات الأمريكية المشاركة في التحالف في العراق تحت إدارة بايدن، التي تُعَد من أشد المؤيدين لدعم الولايات المتحدة للمؤسسة العسكرية في العراق ضد داعش”.

    على الرغم من أن داعش لم يعلن مسؤوليته عن هجوم مميت شنه مسلحون غرب بغداد ليلة الأحد، إلا أن الحادث كان بمنزلة تذكير قوي بأن الجماعات المسلحة ما تزال تشكل تهديداً للعراق، ووجود بعض القوات الأمريكية -حتى لو لأغراض استشارية- قد يكون ضرورياً.

    بصفته نائب الرئيس لأوباما، أدى بايدن دوراً رئيساً في سحب 150 ألف جندي أمريكي من العراق في عام 2011

    المصدر:

    https://www.aljazeera.com/news/2020/11/9/biden_and_the-_future_of_us_iraq_relations