آمنة علي العسكري / طالبة علوم سياسية_ جامعة النهرين
تُعد الثقة حجر الأساس في أي علاقة بين المواطن ومؤسسات الحكم وتعتبر المعيار الأهم في تقييم مدى صحة العملية السياسية وديمقراطية النظام. لكن في الفترة الأخيرة تعاني معظم المجتمعات سواء في الدول النامية أو حتى المتقدمة من تراجع واضح في هذه الثقة مما يطرح تساؤلات حقيقية حول أسباب هذا التآكل وتداعياته على استقرار النظام السياسي وفعالية المشاركة الشعبية.
تتجلى أزمة الثقة في عدة مظاهر، أبرزها ضعف نسب المشاركة في الانتخابات، انتشار خطاب العزوف واللامبالاة، وتنامي السخط الشعبي تجاه الطبقة السياسية. المواطن اليوم يشعر بأن صوته لا يُحدث فرقًا، وأن الوعود الانتخابية غالبًا ما تُستبدل بمصالح ضيقة بعد الوصول إلى السلطة. كما أن تكرار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية دون حلول ملموسة يعمق من الشعور بالغدر والخذلان.
في المقابل تتحمّل القوى السياسية جزءًا كبيرًا من المسؤولية نتيجة غياب الشفافية واستمرار منطق الزبائنية والمحسوبية وافتقار البرامج السياسية إلى الواقعية أو الاستجابة الفعلية لاحتياجات الناس. كما أن انعدام المحاسبة أو تداول السلطة الحقيقي يجعل من الثقة مجرد شعار لا يجد له المواطن ترجمة عملية.
كما أن التحول التدريجي للسياسة إلى ما يشبه “المهنة” التي يحتكرها نخبة محدودة من الأشخاص خلق فجوة نفسية واجتماعية بين المواطن العادي والنخب السياسية خاصة في ظل تغلغل المصالح الخاصة وضعف الشفافية وغياب المحاسبة.
صحيح أن المواطن جزء من العملية السياسية لكن العبء الأكبر يقع على القوى السياسية لأنها تمتلك أدوات التشريع والتنفيذ والتأثير.
فحين تتحوّل السياسة إلى ساحة صراع على السلطة بدل أن تكون وسيلة لتحقيق الصالح العام تُفقد الثقة بشكل تلقائي.
الثقة ليست أمرًا يُفرض بالقوة أو يُطلب بالكلام بل تُكتسب بالأفعال. وهي لا تُبنى بين ليلة وضحاها لكنها قد تُفقد في لحظة واحدة من الخذلان. وإذا لم تستشعر القوى السياسية خطورة هذا المأزق فإن المسار قد يقود إلى تآكل شرعية الأنظمة وفتح الأبواب أمام البدائل غير الديمقراطية أو الانفجارات الاجتماعية .