back to top
المزيد

    واحة البيان

    الدروز بين اسرائيل وسوريا: الولاء، الهوية، المصالح السياسية

    نور عبد السلام / باحثة في الشأن الاسرائيلي

    المقدمة:

    تعتبر الطائفة الدرزية واحدة من أكثر الأقليات الدينية المنتشرة في عدة دول في منطقة الشرق الأوسط واكثرها تعقيدًا ، حيث تتمتع بخصوصية دينية واجتماعية تجعلها تتعامل بحذر مع التغيرات السياسية والصراعات الإقليمية، وقد تميزت هذه الطائفة عبر التاريخ بسعيها للحفاظ على هويتها واستقلاليتها في ظل ظروف سياسية معقدة ، في سوريا، يعيش الدروز في منطقة جبل الدروز (محافظة السويداء)، وهي منطقة شهدت توترات كبيرة منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011، اما في إسرائيل، يتمتع الدروز بوضع خاص كأقلية معترف بها، حيث يخدمون في الجيش الإسرائيلي ويتمتعون بعلاقة معقدة مع الدولة العبرية، وفي سياق الصراع السوري المستمر برزت العلاقة بين دروز إسرائيل ودروز سوريا كموضوع يستحق الدراسة والتحليل، خصوصًا في ظل التداخل بين العوامل الإنسانية والسياسية والدينية، لذا تهدف هذه المقالة إلى تحليل طبيعة التواصل بين الدروز في سوريا وإسرائيل، مع التركيز على العوامل التي تشكل هذه العلاقة، مثل الولاءات المتضاربة، والهوية الدرزية، والمصالح السياسية، كما ستتناول المقالة موقف الدروز في إسرائيل من إخوانهم في سوريا، ورغبة بعض الدروز السوريين في التطبيع مع إسرائيل، وتختتم باستشراف مستقبل هذه العلاقة في ظل التطورات الإقليمية.

    أولًا: دروز إسرائيل ودورهم في دعم دروز سوريا.

    تمثل الطائفة الدرزية في إسرائيل جزءًا صغيرًا من السكان، حيث يبلغ عددهم حوالي 150,000 نسمة تقريبًا، يتركزون في مناطق مثل الجليل والكرمل، اذ منذ تأسيس إسرائيل عام 1948، تم إدماج الدروز كمواطنين مع فرض الخدمة العسكرية عليهم، وعلى الرغم من أن الدروز في إسرائيل يعتبرون أنفسهم جزءًا من المجتمع الإسرائيلي، إلا أنهم يحتفظون بهويتهم الدرزية المميزة، التي تربطهم بإخوانهم في سوريا ولبنان والأردن، ومع اندلاع الصراع السوري، أبدى دروز إسرائيل اهتمامًا متزايدًا بمصير أبناء طائفتهم في سوريا، خاصة في مناطق مثل السويداء حيث يتركز الوجود الدرزي، و تعددت أشكال الدعم المقدم من دروز إسرائيل لدروز سوريا، فسعى العديد من دروز إسرائيل إلى تقديم دعم مالي لجماعات درزية في سوريا تواجه ظروفًا اقتصادية صعبة بسبب الصراع، تمثل هذا الدعم في تبرعات مالية ومساعدات غذائية وطبية، خصوصًا عندما واجهت السويداء حصارًا اقتصاديًا خانقًا.

     كذلك قام بعض القادة الدروز داخل إسرائيل بالتعبير عن تضامنهم مع دروز سوريا عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، مع التركيز على حماية حقوقهم ورفع معاناتهم إلى المجتمع الدولي، كما ضغط بعضهم على الحكومة الإسرائيلية للتدخل دبلوماسيًا في دعم دروز سوريا، ورغم أن الحكومة الإسرائيلية لم تتدخل عسكريًا لحماية دروز سوريا بشكل مباشر، إلا أن هناك تقارير تشير إلى أن بعض الشخصيات الدرزية في إسرائيل حاولت تقديم دعم غير مباشر لأبناء طائفتهم في سوريا عبر توفير معلومات استخباراتية أو التنسيق مع جهات دولية لضمان عدم استهدافهم، ومع ذلك، فإن موقف الدروز في إسرائيل من إخوانهم في سوريا يظل محكومًا بالسياسة الإسرائيلية الرسمية، فإسرائيل، تتعامل بحذر مع أي اتصالات بين الدروز في إسرائيل وسوريا، خشية من تعقيد العلاقات مع النظام السوري أو القوى الإقليمية الأخرى، لذا دروز اسرائيل يدركون أن أي دعم علني للدروز في سوريا قد يعرضهم لانتقادات أو حتى عقوبات من قبل الدولة الإسرائيلية.

    ثانيًا: موقف دروز سوريا من الدعم الإسرائيلي.

    يمثل الدروز في سوريا أقلية مهمة تتمركز بشكل أساسي في محافظة السويداء، ويقدر عددهم بحوالي 700,000 نسمة، تعيش الطائفة الدرزية في سوريا في ظل ظروف صعبة نتيجة الحرب الأهلية التي دمرت البنية التحتية للبلاد وأدت إلى انهيار الأمن والاقتصاد، اذ يعيش معظم الدروز في محافظة السويداء، التي كانت تعتبر لفترة طويلة منطقة آمنة نسبيًا مقارنة ببقية المناطق السورية، ومع ذلك، فإن التدهور الأمني وانتشار الجماعات المسلحة جعل الدروز يشعرون بالتهديد، خاصة مع تعرضهم لاعتداءات من قبل تنظيمات مثل داعش وجبهة النصرة، مما جعلهم يتخذون موقفًا محايدًا نسبيًا في الصراع السوري خلال مراحله الأولى، إلا أن تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية دفعهم لاحقًا إلى تنظيم احتجاجات ومطالبات بتحسين الأوضاع المعيشية.

    ورغم الدعم الذي قدمه دروز إسرائيل، إلا أن موقف دروز سوريا منه كان متباينًا، اذ تنظر شريحة واسعة من دروز سوريا إلى أي تدخل إسرائيلي بحذر شديد، نظرًا لموقف النظام السوري الرسمي الذي يعتبر إسرائيل عدوًا، كما يخشى بعض الدروز من أن يتم اتهامهم بالتواطؤ مع إسرائيل، مما قد يعرضهم لعقوبات أو مضايقات أمنية من قبل النظام، ويقبل البعض من دروز السويداء المساعدات المالية والإنسانية من دروز إسرائيل باعتبارها جزءًا من التضامن الطائفي، لكنهم يرفضون أي دعم عسكري أو سياسي يمكن أن يؤدي إلى مواجهة مع النظام السوري أو يعرضهم للخطر، كذلك أدى الدعم الإسرائيلي لدروز سوريا إلى ظهور انقسامات داخلية في السويداء، حيث يرى البعض أن التعاون مع دروز إسرائيل ضروري للحفاظ على أمن الطائفة، بينما يرفض آخرون ذلك تمامًا خوفًا من العواقب السياسية.

    ثالثًا: رغبة دروز سوريا في التطبيع مع إسرائيل.

    تتباين الآراء حول رغبة دروز سوريا في التطبيع مع إسرائيل، اذ في السنوات الأخيرة، بدأت تظهر بعض المؤشرات على أن الدروز في سوريا قد يكونون مستعدين للتفكير في التطبيع مع إسرائيل كخيار استراتيجي، هذه الفكرة تعكس إحباطًا متزايدًا من النظام السوري، الذي فشل في توفير الحماية الكافية للدروز، وكذلك من القوى الإقليمية الأخرى التي تدعم النظام أو المعارضة، وبالرغم من وجود أصوات داخل السويداء تدعو إلى تحسين العلاقات مع إسرائيل على أساس التضامن الطائفي، إلا أن الأغلبية ما زالت متحفظة إزاء هذه الفكرة بسبب ولائهم للدولة السورية، اذ يُعد دروز سوريا جزءًا من النسيج الاجتماعي السوري، ورغم خلافاتهم مع النظام السوري، فإن معظمهم لا يرغبون في خيانة ولائهم للدولة السورية، خاصة في ظل السياق التاريخي الذي يربطهم بالمجتمع السوري ككل، كذلك يُدرك دروز سوريا أن أي خطوة نحو التطبيع مع إسرائيل قد تُستغل سياسيًا من قبل النظام السوري أو الفصائل المعارضة لتبرير اضطهادهم أو مهاجمتهم، وعلى الرغم من محاولات دروز إسرائيل تقديم الدعم، إلا أن تأثيرهم على القرار الداخلي لدروز سوريا يظل محدودًا، بسبب حساسية الموقف وخوف دروز السويداء من خسارة امتيازاتهم أو استهدافهم، وعلى الرغم من ان بعض الدروز في سوريا يرون في إسرائيل قوة قادرة على توفير الأمن والاستقرار، خاصة في ظل العلاقات التاريخية بين الدروز وإسرائيل، ولكن هذه الفكرة تظل مثيرة للجدل، حيث أن التطبيع مع إسرائيل يعد موضوعًا حساسًا في العالم العربي، وقد يعرض الدروز في سوريا لانتقادات أو حتى اعتداءات من قبل الجماعات المسلحة.

    رابعاً: مستقبل العلاقة بين الدروز في سوريا وإسرائيل.

    تشير المعطيات السابقة إلى أن العلاقة بين دروز إسرائيل ودروز سوريا لا تزال محكومة بتعقيدات سياسية واجتماعية تجعل من الصعب بناء جسر حقيقي بين الطرفين، ورغم محاولات بعض دروز إسرائيل تقديم الدعم لدروز سوريا، فإن هذا الدعم لا يرقى إلى مستوى التأثير السياسي الفعلي، أما مستقبل هذه العلاقة، فيعتمد بشكل كبير على تطورات الصراع السوري وموقف النظام السوري من الطائفة الدرزية، فضلا عن موقف دروز إسرائيل أنفسهم من مسألة التدخل في الشأن السوري، ومن المحتمل أن تظل العلاقة بين الطرفين محدودة ومحصورة في النطاق الإنساني، دون أن تصل إلى مرحلة التطبيع الكامل أو التعاون السياسي الفعّال.

    و من المرجح أن تستمر العلاقة بين الدروز في سوريا وإسرائيل في التطور، خاصة في ظل التغيرات السياسية والأمنية في المنطقة، إذا استمر انهيار الدولة السورية، فقد يزداد عدد الدروز الذين يفكرون في التطبيع مع إسرائيل كخيار استراتيجي، ومع ذلك، فإن هذا التوجه سيواجه تحديات كبيرة، سواء من داخل المجتمع الدرزي أو من القوى الإقليمية، بالنسبة للدروز في إسرائيل، فإنهم سيظلون في موقف صعب، حيث سيكون عليهم الموازنة بين ولائهم للدولة الإسرائيلية وعلاقتهم بإخوانهم في سوريا، و في النهاية، فإن مستقبل العلاقة بين الدروز في سوريا وإسرائيل سيعتمد إلى حد كبير على التطورات السياسية في المنطقة، وكذلك على قدرة الدروز على الحفاظ على هويتهم ووحدتهم في ظل هذه التحديات.

    الخاتمة:

    تعكس العلاقة بين دروز إسرائيل ودروز سوريا نموذجًا معقدًا للتواصل العابر للحدود بين الأقليات، حيث تتداخل فيها العوامل الدينية، السياسية، والهوياتية، فمن جهة، يسعى دروز إسرائيل إلى تقديم الدعم لأبناء طائفتهم في سوريا، سواء عبر المساعدات الإنسانية أو الضغط السياسي، مستندين إلى شعورهم بالمسؤولية الطائفية، ومن جهة أخرى، يواجه دروز سوريا واقعًا أكثر تعقيدًا، إذ يظلون جزءًا من النسيج الاجتماعي والسياسي السوري، ما يجعلهم يتعاملون بحذر مع أي دعم قادم من إسرائيل خشية العواقب السياسية والأمنية، اذ إن استمرار الصراع السوري وتفاقم الأزمات الاقتصادية في السويداء قد يدفع بعض دروز سوريا إلى إعادة النظر في خياراتهم، لكن هذا لا يعني بالضرورة التوجه نحو التطبيع مع إسرائيل، إذ يبقى العامل الحاسم في تحديد مستقبل هذه العلاقة هو توازن القوى داخل سوريا ومستوى الانفتاح السياسي الذي قد يشهده المشهد السوري في المستقبل.

    وعلى المدى القريب، من المرجح أن تبقى العلاقة بين الطرفين مقتصرة على التضامن الإنساني المحدود، دون أن تتطور إلى تعاون سياسي أو أمني، بسبب القيود التي تفرضها الظروف الإقليمية والدولية، ومع ذلك، فإن أي تحولات جذرية في المشهد السياسي السوري، سواء عبر تسوية سياسية شاملة أو تغيرات في ميزان القوى الداخلي، قد تفتح المجال أمام إعادة صياغة العلاقة بين دروز سوريا ودروز إسرائيل في سياق جديد أكثر مرونة وأقل قيودًا.

    اقرأ ايضاً