علي صادق / باحث في الشان السياسي
غالباً ما يُطرح سؤال حول اسباب لجوء غالبية افراد المجتمع العراقي الى ممارسة العنف واستخدام السلاح كوسيلة لحل خلافاتهم بدلاً من اللجوء الى وسائل الحوار والقانون؟ وطبعاً لا شك انّ سبب ذلك يعود الى مجموعة عوامل داخلية وخارجية ساهمت بشكل كبير وتركت اثراً كبيراً على سلوكيات الفرد او المجتمع العراقي.
طبعاً لا شك انّ العنف في المجتمعات الحديثة هو عنف دولة لأنه الأساس الذي تقوم عليه، والعنف الذي تمارسه الدولة هو عنف مشروع يهدف إلى إدارة التجمع السياسي والحفاظ على الأمن والاستقرار، فهيّ الجهة التي تحتكر ادوات العنف المشروع والقوة الصلبة والقوة الناعمة وكافة وسائل القوة “power”، فقدّ نشأت الدولة أو وجدت كجهاز للإكراه لغرض ادارة الافراد والجماعات ضمن تنظيم او تجمع سياسي و تسعى لحماية الامن والاستقرار وحماية الممتلكات العامة فهيّ معنية في تنظيم حياة المواطنين الجماعية في اطار احترام حقوق كل فرد وتوطيد السلم الاهلي، ومنع اي شخص من الاعتداء على الاخر، فالدولة عبر ممارسة سلطة الإكراه ترغم الافراد على احترام القانون والممتلكات العامة، ولأنها جهاز يحتكر وسائل العنف المشروع وتحتكر السيادة على منطقة جغرافية معينة بحسب عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر”Max Weber” فعندّما تفشل الدولة في تمثيل السكان ينهار الرضا ويسيطر القمع على علاقتها بالمجتمع وتصبح العلاقة بين الدولة والمجتمع علاقة قمع وعنف، ومنذُ تأسيس الدولة العراقية عام ١٩٢١ كدولة قانونية ودستورية.
تعرض المجتمع العراقي الى جرعات مستديمة من عنف الدولة او الانظمة السياسية تجاه المجتمع، وهذا العنف يتشربه المجتمع ويستنبطة ثم يطلقه فهو لا يتسرب بل يمكن في المجتمع ويحاول انّ يجد له منافذ أو قنوات للخروج بحسب وصف عالم الاجتماع العراقي فالح عبد الجبار”Faleh Abdul Jabbar” ، اضافة الى ذلك فقدّ خاضت الحكومات العراقية عددًا من الحروب الداخلية والخارجية بدءً بمرحلة السبعينيات في كردستان مروراً بالحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات، وحرب احتلال الكويت في التسعينيات، أضافة الى العقوبات الاقتصادية التي فرضت على العراق من قبل مجلس الأمن الدولي والتي تركت بدورها تداعيات خطيرة على المجتمع وانتهت بغزو العراق من قبل الولايات المتحدة الامريكية في عام ٢٠٠٣، وحروب الطوائف في عام ٢٠٠٦، والحرب على تنظيم القاعدة وتنظيم داعش، والنتائج كانت مئات الالاف من الضحايا والمعاقين، وتلك الحروب واعمال العنف المستخدمة لا تؤثر على اطراف الصراع او المقاتلين فحسب وانمّا تؤثر على المجتمع ايضاً، إذ يذكر الدكتور فالح عبد الجبار “أننا ازاء ثلاثة او اربعة اجيال اعتادت على العنف والسلاح والحروب” واستوعبت العنف في عقولها ونفوسها لدرجة ان اللغة الوحيدة التي تعرفها الاجيال الحالية هي لغة السلاح، والمناخ النفسي هو مناخ العنف، كما أننا ازاء مجتمع لم يعرف الوسائل الصحيحة للحوار والجلوس مع بعضه البعض لحل مشكلاته ضمن الأطر الدستورية والقانونية، يضاف الى ذلك الكميات الهائلة من السلاح والتي انتشرت في الشارع نتيجة الفوضى التي اعقبت الاحتلال الامريكي وتفكيك المؤسسات الامنية والعسكرية، جميع تلك العوامل ساهمت في أرساء عوامل عدم الاستقرار في المجتمع العراقي أضافة الى عوامل أخرى سياسية واجتماعية واقتصادية واخرى تتعلق بالفساد والفقر والبطالة والتنمية المستدامة، ويخطأ البعض عندما يقول او يعتبرون العنف خصيصة أو سمة عراقية فهيّ مغالطة لا تمت للواقع بصلة، فقدّ شاهدنا ما حصل في لبنان وسوريا وليبيا والان الحرب الاهلية في السودان عندما أخذت تمر بظروف مشابهة لمّا حدث في العراق.
العنف هو انهيار المنظومة السياسية والأخلاقية لدى الدولة ممّا يؤدي إلى إنهيار منظومة الرقابة والإدارة فيعود المجتمع إلى حالة بدائية.