back to top
المزيد

    الطعم الشهي للنزاعات الذي يستسيغه كلا الزعيمين ماكرون وأردوغان

    أرسطو فدايي: خبير في العلاقات الدولية بجامعة العلامة الطباطبائي.

    الرئيسان اللذان يروق لهما العداء مع بعضهما البعض

    إن الخلافات بين الزعيمين الحاليين لتركيا وفرنسا لطالما اشتدت خلال العام الماضي. وفي آخر مشهد للمشادات الكلامية بين الزعيمين، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الأيام الأخيرة -بسبب ما قاله نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون عن الإسلام المتطرف وضرورة مواجهته والدفاع عن مجلة شارلي إيبدو في رسم صورة كاريكاتورية لنبي الإسلام باسم حرية التعبير- عدّه شخصاً يعاني من مشكلات عقلية. وخلال العام الماضي، اتخذ هذان الزعيمان السياسيان موقفاً ضد بعضهما البعض في مختلف القضايا، ولكن أحداث الأسابيع الأخيرة في فرنسا، -ولاسيما خطة ماكرون للسيطرة على المهاجرين والمسلمين لمنع تشكيل مجتمع إسلامي موازٍ للمجتمع الفرنسي- زادت من حدة هذه الاختلافات.

    في هذه الخطة، يسعى ماكرون إلى توفير ميزانية وتكاليف تعليم العلماء ورجال الدين المسلمين وميزانية الأماكن الدينية الإسلامية في فرنسا من أيدي دول أجنبية مثل تركيا، ويقوم أيضاً بحظر التعليم الخاص للطلبة في المنزل ولاسيما المسلمين منهم. ثم بعد القتل الوحشي لمعلم التأريخ على يد إسلامي متطرف وتصريحات ماكرون القاسية التي تهدف للضغط على المسلمين والمهاجرين، فإن الزعيم التركي أردوغان -الذي يحرص على إظهار دعمه للمسلمين في الخارج- فتح جبهة جديدة لمهاجمة ماكرون، كما فعل قبل عام، إذ في أثناء الفترة الماضية، من الحرب في سوريا ووجود القوات التركية فيها إلى الخلافات البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط والحرب بين أرمينيا وأذربيجان بشأن قضية ناغورنو كاراباخ، لطالما كانت هناك قضايا متعددة للخلاف بين قادة تركيا وفرنسا.

    ولكن وراء هذه الاختلافات بين البلدين، ما يجذب الانتباه هو رضا كلا الزعيمين من هذه الخلافات العديدة بين بعضهما البعض. قد يبدو أن هذه الاختلافات تعدُّ حلماً لكليهما، وأن أردوغان وماكرون وجدا عدوهما المثالي في بعضهما. لقد بدأت المشكلات في العلاقات بين البلدين عندما دخلت القوات التركية سوريا العام الماضي للضغط على وحدات حماية الشعب الكردي YPG وحزب العمال الكردستانيPKK  في شمال شرق سوريا. واعترض ماكرون بشدة على الهجمات، قائلاً في مقابلة إن الناتو لم يتخذ موقفاً ضد أحد أعضائه، وهو ما كان يمكن أن يكون مشكلة تعسفية، ووصف هذا الحلف العسكري بأنه ميت دماغياً، وتحدث عن عدم كفاءته. واتهم أردوغان فرنسا بدعم الأكراد، وانتقد بشدة تصريحات ماكرون بشأن الناتو. بعد ذلك، أدى العمل العسكري التركي في ليبيا لدعم حكومة الوحدة الوطنية بقيادة فايز السراج ضد قوات خليفة حفتر إلى تأجيج التوترات بين تركيا وفرنسا. وأثارت تحركات تركيا لتوسيع نفوذها الإقليمي في شمال أفريقيا عبر ليبيا قلق فرنسا بنحو كبير. إلى جانب دعم ماكرون غير المباشر لقوات حفتر، اتهم الرئيس الفرنسي تركيا بإرسال أسلحة إلى ليبيا في تحد لعقوبات الأمم المتحدة ، فضلاً عن إرسال آلاف المقاتلين الموالين لأنقرة إلى ليبيا. وقد اتهمت تركيا أيضاً فرنسا بوضع العراقيل ومواجهة الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.

    الجزء الآخر من الخلافات بين البلدين كان حول تحويل آيا صوفيا في إسطنبول من متحف إلى مسجد، حيث أدانت فرنسا الخطوة منذ البداية، وأعرب وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان عن أسفه لقرار المحكمة العليا التركية بتغيير الوضع في آيا صوفيا وقرار الرئيس أردوغان بإعادة المتحف إلى مسجد آيا صوفيا.

    ثم جاءت قضية تحركات تركيا نحو شرق البحر الأبيض المتوسط للتنقيب عن الغاز في المياه القريبة من قبرص. إذ دعا ماكرون إلى فرض عقوبات على تركيا، متهماً أنقرة بانتهاك المياه الإقليمية للاتحاد الأوروبي بشأن أنشطة التنقيب عن الهيدروكربونات في شرق البحر المتوسط. وأردوغان برر بدوره سيادته على مياه شرق البحر الأبيض المتوسط بالقول إن بلاده تمتلك معظم السواحل مع هذا البحر، وإن تركيا لم تعد محصورة بالسواحل. ثم وسع البلدان من توتراتهما الحالية بإرسال سفن حربية وإجراء تدريبات عسكرية في منطقة شرق البحر المتوسط، ودعم ماكرون علناً حكومتي أثينا ونيقوسيا في الصراع

    لكن في الخلاف الأخير بين البلدين قبل الأحداث الأخيرة في باريس، صعّدت تركيا التوترات، عبر تقديم الدعم للحكومة الأذربيجانية في نزاع ناغورنو كاراباخ، واشتعلت نيران الحرب في هذه المنطقة بين باكو والعاصمة الأرمينية يريفان. هنا أيضاً، اتخذت فرنسا موقفاً ضد تركيا وانتقدت بشدة تصرفات تركيا في المنطقة. ووصف ماكرون موقف أنقرة من أزمة ناغورنو كاراباخ بأنه عدائي، وبالمقابل اتهمت السلطات التركية فرنسا بدعم أرمينيا.

    بالنظر إلى ما حدث في العام الماضي بين البلدين، يمكن ملاحظة أن قادة البلدين، إيمانويل ماكرون ورجب طيب أردوغان، مهتمون بتصعيد الصراع والعداوة بينهما، وهما يريا هذه الاختلافات كفرصة لتحقيق أهدافهم. يحتاج أردوغان إلى عدو أبعد من حدوده في القارة الخضراء للهروب من مشاكل بلاده الاقتصادية، حيث تتجلى هذه المشاكل في انخفاض قيمة الليرة والتحديات الناتجة عن مغامراته في سياسته الخارجية، كما يسعى إلى زيادة مصداقيته بين القوميين والإسلاميين في تركيا من خلال إثارة هذه الاختلافات وتصوير نفسه على أنه داعم للكرامة الوطنية. ويواجه ماكرون، الذي يقترب من الانتخابات الرئاسية في بلاده، انتقادات كثيرة في مختلف المجالات الداخلية والخارجية. وبصرف النظر عن الميول اليمينية المتزايدة في الشعارات والأفعال ضد المسلمين، فقد سعى ماكرون إلى كسب أصوات المحافظين داخل فرنسا، ومن طريق الظهور كمعارض رئيس لسياسات أردوغان، يريد أن يقدم نفسه كمدافع عن المصالح الأوروبية على الساحة العالمية، ويفكر أيضاً في إعلاء مكانته الشخصية وتعزيز موقع بلاده في قيادة سياسات الاتحاد الأوروبي بهذه الطريقة.

    المصدر:

    http://irdiplomacy.ir