نجمة بزرجمهر: مراسلة الفاينانشيل تايمز في طهران.

قبل ساعات من وفاة أكبر هاشمي رفسنجاني بنوبة قلبية كان الرئيس الإيراني الأسبق يناقش السياسة على الغداء مع وزير الصحة الإيراني، كان الموضوع متمحوراً حول شغف رفسنجاني منذ درس العلوم الدينية في مدينة قم المقدسة في سن المراهقة، ولكن يوم الأحد كانت المحادثة مشوبة بالقلق، على وفق وزير الصحة حسن غازيزاده الهاشمي.

تركزت مخاوف رفسنجاني على استقطاب المشهد السياسي الإيراني؛ في إشارة إلى الصراع على السلطة بين القوى المؤيدة للإصلاح والمتشددين في النظام، ومن المتوقع أن تتصاعد هذه الخلافات في الوقت الذي تستعد في إيران للانتخابات الرئاسية في مايو آيار من هذا العام التي يسعى فيها حسن روحاني -رئيس تيار الوسط- إلى الحصول على ولاية ثانية، وقبل الوفاة المفاجئة لرفسنجاني في سن 82 يوم الاحد الثامن من يناير 2017، كان السيد روحاني يعوّل على رفسنجاني -رجل الدولة المخضرم وأحد حلفائه الرئيسين والناشطين في معركته السياسية ضد المتشددين- أما الآن، فسيشعر روحاني أكثر من أي سياسي آخر بفقدان رجل كان عملاقاً في السياسة الإيرانية منذ مساهمته في تأسيس الجمهورية الإسلامية منذ أربعة عقود، ويقول محللون إن تداعيات وفاة رفسنجاني يمكن أن ترى ما بعد الانتخابات.

إذ صرح السياسي الإصلاحي محمد صادق جوادي قائلاً: “ليس الناس وحدهم هم الذين يخشون على مستقبل إيران في غياب رفسنجاني، إذ يمكنك أن ترى هذا الخوف في أعلى مستويات الهرم السياسي، فقد فقدنا رجلاً ضخماً لا يوجد بديل له”.

لقد تحالف روحاني ورفسنجاني في عام 2013 بعد أن تم منع الأخير من المنافسة في تلك الانتخابات بل وقوعه في مشكلات مع المتشددين في النظام، وتمكن روحاني المدعوم أيضاً من محمد خاتمي -الرئيس السابق لإيران- من تحقيق فوز مفاجئ في الانتخابات، وقد عُدَّ دعم رفسنجاني -الذي كان رئيسا في الفترة 1989-1997- بالغ الأهمية، إذ كان رجل الدين البارز والسياسي البراغماتي الذي أدى دوراً بارزاً في ثورة 1979 بإمكانه تحصيل دعم من مختلف شرائح المجتمع الإيراني، وكان الفضل له أيضاً في مساعدة روحاني في المضي قدماً في الاتفاق النووي التأريخي مع القوى العالمية في عام 2015، الذي أدى إلى رفع معظم الدول الغربية لعقوباتها على الجمهورية الإسلامية.

لقد أمل كلا الرجلين بأن الاتفاق سيساعد إيران على إعادة الانخراط مع الغرب بعد سنوات من العزلة، وإنعاش الاقتصاد الذي تضرر بسبب الحظر التجاري. أما المتشددون الذين قالوا إن الاتفاق فشل في تحقيق الفوائد لإيران وهاجموا الملف الاقتصادي لروحاني قد يتشجعون الآن في جهودهم لهزيمة الرئيس. ومع ذلك، تعتقد الجماعات المؤيدة للإصلاح أن الدعم العاطفي لرفسنجاني، إلى جانب دعمه العام لروحاني في الأشهر الأخيرة، لا يزال من الممكن أن يعزز فرص الرئيس، وقد حضر مئات الآلاف من الناس جنازة رفسنجاني في طهران يوم الثلاثاء.

وخلال إحدى آخر مقابلاته في تشرين الثاني من العام الماضي، أعرب رفسنجاني عن مخاوفه بشأن الهيئات الحكومية التي تحاول تخريب الخطط السياسية والاقتصادية لروحاني، وفي الوقت نفسه أشاد بروحاني لقيامه بعمل جيد في وقت صعب، في حين قال إن حملته لإعادة انتخابه ستكون ناجحة. حتى لو أثبتت توقعاته صحتها، فمن غير المرجح أن تنتهي المعارك السياسية؛ إذ يقول محللون إن الصراع الأكثر أهمية -حتى وإن كان خفياً- سيكون على خلافة آية الله علي خامنئي المرشد الأعلى البالغ من العمر 77 عاماً.

ويقول بعض المحللين في هذا المجال إن غياب رفسنجاني في هذا الواقع السياسي الذي لا يخلو من المشكلات سيكون له تأثير كبير؛ بسبب صلاته القوية مع الثورة، والمؤسسة السياسية، ومجتمع الأعمال، وكبار رجال الدين، إذ عُدَّ رفسنجاني شخصاً فريداً لكونه يمثل جسراً بين الفصائل المختلفة داخل النظام.

وبينما يدعو الإصلاحيون لتغيير جذري، بما في ذلك التحرك نحو جمهورية علمانية، يعتقد المتشددون أن أي انفتاح للسياسات الداخلية والخارجية سيؤدي إلى نهاية المثل العليا للثورة في إنشاء الجمهورية الإسلامية الفاضلة.

وعُدَّ رفسنجاني أيضاً بأنه شخص يمكن أن يساعد في التأثير على قرار مجلس الخبراء -الهيئة الدينية المكلفة باختيار المرشد الأعلى القادم- للحفاظ على إيران في مسار أكثر اعتدالاً.

يخشى مؤيدو الإصلاحيين الآن أن المتشددين قد يحاولون استغلال غياب نفوذ رفسنجاني لسحب إيران إلى فترة أخرى من السياسات الخارجية المتطرفة والقمع السياسي في الداخل، إذ يضيف جوادي: “أن هذا الموت قد خلق كارثة تسونامي، فالعديد من المعادلات السياسية والاجتماعية ستتغير”.

لقد ركزت وفاة رفسنجاني العقول على ما يمكن أن يحدث إذا ما تعرض السيد خامنئي أيضاً إلى نهاية مفاجئة مماثلة، إذ يقول أحد الإصلاحيين: “إن هذا خوف يعتري الكثير من القلوب، ولكن لا يجرؤ أحد على الحديث عنه، ومن الآن فصاعداً نحن بحاجة للتفكير في المستقبل وكيف يمكننا تعزيز المؤسسات وتنفيذ الدستور.”


المصدر:

https://www.ft.com/content/c3def514-d68f-11e6-944b-e7eb37a6aa8e