د. سيد حسين موسويان: عضو سابق في الفريق النووي الإيراني المفاوض، وأستاذ في جامعة برينستون الأمريكية.

عملت إيران مع الصين على اتفاقية سياسية واقتصادية وأمنية طويلة الأجل على مدى الأشهر القليلة الماضية، من شأنها توفير مئات المليارات من الدولارات عبر الاستثمار في الاقتصاد الإيراني، وتسعى إيران أيضاً إلى تعاون طويل الأمد مع روسيا. ويرى السياسيون في طهران أن هذه الاتفاقيات عامل ضروري لمحاربة الهيمنة والعداء الأمريكي.

وتشمل سياسة “الانعطاف نحو الشرق” الإيرانية الجديدة إقامة علاقات اقتصادية، وسياسية، وعسكرية، وأمنية قوية مع عمالقة القارة الآسيوية، وبالتحديد الصين، وروسيا. واكتسبت هذه السياسة مصداقية أكبر بين المسؤولين الإيرانيين بعد انسحاب الولايات المتحدة المتهور من خطة العمل المشتركة الشاملة “الاتفاق النووي” واتباعها استراتيجية “ممارسة الضغط الأقصى” ضد إيران. لقد أدت نتيجة الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي والتقاعس الأوروبي إلى استئناف العقوبات الأمريكية بسرعة وكثافة غير مسبوقين على مدى السنوات الأربعين الماضية؛ وقد أدى ذلك إلى استراتيجية إيران طويلة المدى لاتباع سياسة “التوجه نحو الشرق” الخارجية؛ لأن تجربة “الاتفاق النووي” أقنعت إيران أنه بغض النظر عن مدى حسن النية، فإن الغرب غير موثوق به، وغير جدير بالثقة.

وفي الوقت نفسه، لقد وجدت إيران شركاءها الذين يتطلعون إلى التوجه نحو الشرق، إذ تعارض طهران وموسكو وبكين السياسات العسكرية، والتدخلية الأمريكية في الشرق الأوسط، وتسعى إلى تحدي هيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي. ويعد ضمان مصادر الطاقة المستدامة مثل النفط والغاز أمراً حيوياً للنمو الاقتصادي في الصين، ويمكن أن تكون إيران مصدراً مستقراً لتوفير الطاقة، وإن إيران والصين لديهما مصالح مماثلة في دبلوماسية الطاقة، ونتيجة لذلك، فإن صادرات النفط الى الصين تخدم المصالح الإيرانية.

من ناحية أخرى، لطالما كانت روسيا المصدر الرئيس لأوروبا من أجل توفير الغاز الطبيعي المسال (LNG)، لكن موقعها التصديري تعرض للطعن والتحدي من قبل الولايات المتحدة؛ وبالتالي، فإن الاعتماد المتبادل بين العواصم الثلاث -طهران وموسكو وبكين- على الطاقة، التي كلها في الوقت نفسه تواجه تحديات واشنطن، حقيقة لا يمكن إنكارها. وتشترك موسكو وطهران وبكين في مصالح استراتيجية مشتركة وطويلة الأجل في كبح السياسة الأحادية الأمريكية، وهذا أحد العوامل المهمة في تحديد مستقبل الشرق الأوسط. وما تزال هناك فرصة؛ لأن سياسة الأحادية التي تنتهجها إدارة ترامب وانسحابها من المعاهدات الدولية (بما في ذلك الانسحاب من الاتفاق النووي) جعلت شرعية الولايات المتحدة ومصداقيتها كقوة عالمية، محل استفهام بعد ما حدث.

إن إيران تمثل قوة إقليمية في الشرق الأوسط وترتكز سياستها الخارجية إلى “مقاومة” الهيمنة الأمريكية، لكنها في سياق عملية المقاومة، فقدت العديد من الفرص الاقتصادية؛ بسبب الضغوط الأمريكية. وفي الوقت الحاضر، بعد هزيمة الولايات المتحدة في حربي أفغانستان والعراق وتورطها مع السعودية في الحرب على اليمن، من الواضح الآن أنها لم تعد “القوة العظمى” المهيمنة في الشرق الأوسط.

يمر الحلفاء التقليديون للولايات المتحدة بأزمة عميقة؛ أدت إلى تضعيف مكانتهم بشكل خاص. هناك فراغ في السلطة في الشرق الأوسط، ويجب ملؤه. وباختصار، ستبقى سياسات الولايات المتحدة القسرية تجاه إيران وروسيا والصين عقبة رئيسة أمام التحالف الثلاثي الاستراتيجي؛ ومع ذلك، سيكون مصير مثل هذه الاتفاقات الاستراتيجية في العلاقات الدولية محل اهتمام في المستقبل.

تمتلك إيران ثاني أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم ورابع أكبر احتياطي نفطي؛ مما يجعلها كدولة لها وزن وثقل دولي كبيرين في الحسابات الإستراتيجية للقوى الأورآسية في سياستها الخارجية تجاه الشرق الأوسط. ومن طريق التفاعل الاستراتيجي البناء مع إيران، ستتاح لبكين وموسكو فرصة فريدة لتغيير اتجاه إيران ومنافسيها الإقليميين نحو الهندسة السياسية الأورآسية، والصين، وروسيا.


المصدر:

موقع خبر أونلاين نقلاً عن مجلة الدبلوماسية الشهرية