هنري باركي : مدير برنامج الشرق الاوسط في مركز ويلسون.

قبل بضع سنوات ، كان من المتوقع ان تصبح تركيا احدى القوى الصاعدة في المنطقة، فما الذي حدث؟

لم يمض وقت طويل منذ ان كانت السياسة الخارجية التركية حديث الشارع، هذا الحديث كان معرّفاً بعبارة ملفتة وهي “عدم وجود مشاكل مع دول الجوار” .اذ عملت تركيا الى تحسين علاقاتها مع الدول المجاورة مما يجعلها تبدو وبشكل بطيء كقوة اقليمية مهيمنة. كانت حالة تقليدية لزيادة قوة الاقناع من خلال احلال الديمقراطية والاصلاحات الاقتصادية داخل البلاد، والمقرونة بالدبلوماسية الذكية التي تهدف الى جعل انقرة وسيطاً في حل صراعات المنطقة.

في يومنا هذا تؤول تلك السياسة الى الفشل، انها ضحية للانقلابات غير المتوقعة لثورات الربيع العربي وخصوصا في سوريا٬ وعجرفة وسوء التقدير للسياسات الداخلية والخارجية. وباستثناء حكومة اقليم كردستان في شمال العراق، فقد تدهورت العلاقات التركية مع جميع دول الجوار تقريباً. وفي الوقت نفسه، ازدادت حدة التوترات مع الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي وروسيا. وإن كانت هناك اي قوة لأنقرة اليوم، فهي على الاغلب بسبب جغرافيتها – التي تجعلها قريبة من سوريا وكارثة اللاجئين- واستعدادها لاستخدام اساليب عنيفة في المعاملات الدبلوماسية.

اذاً كيف انهارت الطموحات التركية الدولية ؟ انه تساؤل له اجابات عديدة. هناك عدة اسباب ساهمت في التسبب بالضرر لسياسة أنقرة الخارجية التي كانت واعدة في يوم من الايام ، ومن تلك الاسباب ؛ افكار الرئيس رجب طيب اردوغان العظيمة لدوره في العالم، ورغبته في تحويل تركيا الى اتباع نظام رئاسي قوي، وانهيار عملية السلام الكردية التي كانت نفسها ضحية للأزمة السورية.

تركيا وأحداث الربيع العربي

كانت هناك اشارات إلى تداعي السياسة الخارجية التركية حتى قبل ثورات الربيع العربي٬ ففي عام 2009 بعد ما يقارب السبعة أعوام من حكم حزب المحافظين كانت هناك انجازات تركية تستحق الذكر منها: النمو الاقتصادي السريع ، وتحويل اسطنبول الى مركز عالمي، واحلال الديمقراطية في داخل البلاد، وتأهيل المؤسسة العسكرية القوية. ان حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي اليه اردوغان انتقل من فوز انتخابي لآخر، اذ تم جذب المواطنين البسطاء لانتخاب حزب اردوغان بسبب انجازاته مما ادى الى ابعادهم من المعارضة غير الكفوءة.

بعد ان عزز اردوغان موقفه داخل البلاد، خصوصاً بعد انتخابات عام 2007 ، اصبح اردوغان شخصاً مجازفاً. ففي المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2009 افتعل مواجهة علنية مع الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز، اذ انتقد اردوغان وبغضب سياسة اسرائيل في غزة، الامر الذي ادى الى انهيار العلاقات بين البلدين٬ غير ان ذلك قد اثمر بحصول تركيا على ارباح هائلة قادمة من العالم العربي، حينما زادت شعبية اردوغان وتركيا، مما ادى الى توافد العرب الى تركيا للسياحة والبحث عن فرص الاستثمار هناك. وجاء عقب ذلك، قرار المنظمات غير الحكومية الموالية لحزب العدالة والتنمية الذين استأجروا مركباً وابحروا الى اسرائيل متحدين الحصار الاسرائيلي لقطاع غزة، وكان ردة فعل اسرائيل كارثياً اذ ادى الى مقتل (9) أتراك، الامر الذي ادى الى انهيار العلاقات بين البلدين بشكل اكبر.

ان بدء ثورات الربيع العربي دفع كل من الولايات المتحدة الامريكية وتركيا الى العمل معاً بصورة وثيقة. اذ يبدو ان تصريحات كلا البلدين جاءت بشكل متزامن للمحاولة باخراج حسني مبارك، وقد عملا معاً بتزويد الجيش السوري الحر بالاسلحة والامدادات. ومرة أخرى برزت تركيا كدولة اقليمية نموذجية التي زاوجت بين الاسلام والديمقراطية بنجاح بصورة الرئيس التركي اردوغان وحزبه.

في اوائل عام 2010 أعلن اوباما ان تركيا قد اصبحت “الدولة الاسلامية الديمقراطية العظمى”

في اوائل عام 2010 أعلن اوباما ان تركيا قد اصبحت “الدولة الاسلامية الديمقراطية العظمى” و قد ” اصبحت نموذجاً مهماً للبلدان الاسلامية الاخرى في المنطقة”. وفي عام 2012 اعلن اوباما ان اردوغان هو من ضمن اهم خمسة قادة كان على علاقة وثيقة معهم.

ولكن تركيا أرادت ان تكون اكثر من مجرد نموذجاً لبقية الدول الاسلامية٬ فعند ظهور جماعة الاخوان المسلمين في مصر وتونس وسوريا ، والتي كان لتركيا علاقة قوية مع تلك الدول، تم فتح الباب لامكانية ان تلعب انقرة دوراً فعالاً كحليفاً قوياً لحركة الاخوان المسلمين. وفي الواقع فان الربيع العربي سمح للقيادة التركية بتصور نفسها كقوة قيادية في المنطقة؛ كما قال وزير الخارجية، أحمد داود أوغلو، ان تركيا ” ستقود رياح التغيير في الشرق الاوسط .. ليس فقط كصديق ولكن باعتبارها البلد الذي سيعرض افكار التغيير وسيفرض النظام الجديد”.

كانت لحظة الحكم التركي قد حانت ، و لكن لم تدم طويلاً: و فكرة داود اوغلو المأمولة “للنظام الجديد” قد انتكست عندما تمت الاطاحة بالحكومة المصرية بقيادة الاخوان المسلمين وذلك بسبب الاحتجاجات الشعبية ومساعدة الجيش المصري، حينها تفككت العلاقات مع نظام قادة الجيش المصري الجديد. وأمّا في سوريا ، ساندت تركيا حركة التمرد ضد نظام بشار الاسد الذي واجهها بشدة، الامر الذي ادى في نهاية المطاف الى فشل اهداف السياسة التركية الخارجية.

كيف غيرت سوريا كل شيء

قبل انتفاضة عام 2011 ، كانت سوريا المثال الناجح لسياسة تركيا الخارجية وهي “عدم وجود اي مشاكل مع دول الجوار”  فبعد ان تم انتخاب حزب التنمية والعدالة ـ سرعان ما نشأت علاقة عمل بل وحتى علاقة شخصية وثيقة بين الرئيس السوري بشار الاسد واردوغان. كان هذا تحولاً ملفتاً للنظر، كون في عام 1998 قامت تركيا بتهديد سوريا عسكرياً بسبب دعمها لحزب العمال الكردستاني الذي كان آنذاك يشن حملة عسكرية ضد الدولة التركية. ساعد اردوغان باطلاق مفاوضات غير مباشرة بين سوريا واسرائيل، وقام بدعم النظام البعثي ضد جهود الامم المتحدة، بقيادة الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا، المتمثل بالضغط على القوات السورية للخروج من لبنان. عندما بدأت الاحتجاجات السلمية في سوريا، حاول اردوغان بأن لا يكون مصير الاسد مشابهاً لمصير الرئيس المصري او التونسي٬ وقام بتقديم النصيحة للأسد باجراء اصلاحات – التي ليست بالضرورة ان تكون شاملة – ولكن دون جدوى.

حينما وافق الاسد على اطلاق العنان لجيشه في القضاء على الاحتجاجات ، انقلب اردوغان عندئذ على حليفه و صديقه السابق

كان هناك عدد من الاسباب التي ساعدت اردوغان باتخاذ قراره: الغضب من الاسد لعدم استجابته لنصيحته، والاعتقاد الشائع بان الاسد لن يستمر بالسلطة على اي حال، واعتقاده بأنه سيستطيع تشكيل سوريا جديدة، واخيراً التصعيد العنيف خلال شهر رمضان المبارك عام 2011 الذي رآه اردوغان على انهم محتجون سنة. عندها أعلن اردوغان على الملأ ان امام الاسد أشهر فقط على ازاحته من السلطة . كما صرح عام 2012 : ” عمّا قريب، سوف نذهب الى دمشق ونصلي بحرية مع اخواننا في المسجد الأموي”. ولكن الاسد لم يسقط بسهولة٬ ان الاختلاف بين رغبة اردوغان بأن يتم استبدال الاسد بتحالف سني ودود، وواقع ان الدكتاتور السوري المتمسك بالسلطة  قد تسبب باحباط الرئيس التركي ودفعه الى اتباع سياسة العمل بمفرده.

بدأت الانقسامات مع الولايات المتحدة الامريكية بالظهور حينما اعرب اردوغان عن خيبة امله لعدم تدخل الرئيس الامريكي اوباما في المعركة على الرغم من الخسائر الكبيرة في ارواح المدنيين على يد قوات نظام بشار الاسد٬ كما ان انتهاء التحالف بين بشار الاسد و اردوغان قد بشر لبداية سياسية طائفية سنية التي اصبحت علنية بشكل اكبر كلما صمد النظام السوري. ان السياسة التركية في تشجيع المقاتلين الاجانب على التدفق عبر حدودها الى شمال سوريا قد ساعد على تجذّر المعارضة واثار توترات بين أنقرة وشركائها “الولايات المتحدة الامريكية واوروبا “. كانت الحكومة التركية على دراية من ان هؤلاء المقاتلين الاجانب سينضمون الى الميليشيات الجهادية، كجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، ولكن تركيا سمحت لهم بالعبور عبر اراضيها بسبب عدم نجاح المتمردين المحليين (المعتدلين) بازاحة نظام الاسد. كان من المفترض ان يقوم المقاتلين الجهاديين ، وكان بعضهم ذو مهارة قتالية عالية ومستعدين بشكل اكبر للموت في سبيل القضية، باتمام المهمة التي لم يستطع المتمردون السوريون اتمامها.

ان عواقب تجمع عشرات الالاف من المقاتلين الاجانب في سوريا سرعان ما اصبحت واضحة، اذ انجذب العديد من المقاتلين نحو تنظيم الدولة الاسلامية الارهابي (داعش) مما ساعده على ان يصبح القوة التي هو عليها اليوم٬ ففي ايار من عام 2013 ، خلال زيارة قام بها اردوغان الى واشنطن، حثه اوباما على التوقف عن دعم العناصر الجهادية وخصوصاً جبهة النصرة ومنع وصولهم الى الحدود التركية٬ ولكن في حلول ذلك الوقت، فان البنية التحتية الجهادية قد تجسدت داخل تركيا الامر الذي ادى الى ارباك مسؤولوا الامن التركي الى يومنا هذا.

كان المستفيد الاول من انفلات السيطرة على الحدود التركية هو تنظيم الدولة الاسلامية الارهابي. فان البنية التحتية التي نشأت لدعم الجهاديين قد تصبح في نهاية الامر مكاناً تستخدم لمهاجمة المدن التركية، بدءاً من دياربكر وسروج وانقرة وانتهاءاً باسطنبول٬ استهدفت التفجيرات الثلاثة الاولى الاكراد واليساريين، مخلفتاً اكثر من 135 قتيلاً، واسفر الهجوم الاخير على المنطقة السياحية في اسطنبول عن مقتل (11) سائحاً المانياً٬ كما اعدم تنظيم الدولة الاسلامية الارهابي المعارضين السوريين ذوي الحصانة داخل تركيا، واجرى تبادلاً لسوريين وغيرهم مقابل فدية من ذوي المحتجزين من قبل تنظيم الدولة الاسلامية الارهابي داخل الاراضي التركية.

القضية الكردية

ان احدى تبعات الدوامة السورية التي تتجه نحو الفوضى هو منح القوة للاكراد ، الذين تعرضوا للقمع والحرمان من حقوقهم من قبل الانظمة السورية المتعاقبة. استفاد الاكراد من انقسام البلاد لاعادة السيطرة على المناطق التي يشكلون فيها اغلبية كردية. وسرعان ما وجد الاكراد حليفاً قوياً في الولايات المتحدة الامريكية، فعندما تقدم تنظيم الدولة الاسلامية الارهابي عام 2014 من منطقة كوباني التي يسيطر عليها الاكراد، قصفت الولايات المتحدة الامريكية الجماعات الجهادية ، الامر الذي الى علاقة ناجحة وغير عادية التي اثبتت انها ستشكل محاولة ناجحة لطرد تنظيم الدولة الاسلامية من الاراضي التي سيطر عليها. ولكن هذا التحالف القوي جاء على حساب الحكومة التركية .

 ان الحركة الكردية السورية المهيمنة، التي تتمثل بحزب الاتحاد الديمقراطي، هو حليف مقرب “ان لم يكن منظمة تابعة” لحزب العمال الكردستاني الذي قام بتدريبها والاعتناء بها مما جعلها قوة قتالية هائلة. حرصت واشنطن على ان تميز بين حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني على الرغم من العلاقة السرية بين هذين الحزبين. ومن وجهة النظر القانونية، بينما يقع حزب العمال الكردستاني على لائحة الارهاب الامريكية – الا ان حزب الاتحاد الديمقراطي ليس في تلك اللائحة وكان المستفيد من الدعم العسكري الامريكي في حربه ضد تنظيم الدولة الاسلامية الارهابي. وبينما تعمّقت الولايات المتحدة الامريكية في علاقتها مع حزب الاتحاد الديمقراطي فأن تنازل واشنطن الوحيد لانقرة هو عدم دعوة حزب الاتحاد الديمقراطي للمشاركة في محادثات السلام السورية التي اقيمت مؤخراً في جنيف.

وفي وقت لاحق، فان انتصار الاكراد السوريين في كوباني كان بمثابة ضربة قاضية لعملية السلام المحلية في تركيا مع سكانها الاكراد. في ذلك الوقت، كان اردوغان من اشد المنتقدين للتدخل الامريكي في كوباني٬ اذ يرى اردوغان وحزبه ان حزب الاتحاد الديمقراطي بلاء أكبر من تنظيم الدولة الاسلامية. وفي شباط عام 2015، انكر اردوغان الاتفاق الذي عقده مساعديه مع الشعب الكردي الموالي للحزب الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني. وتشير الوثائق الجديدة ان نقطة الانهيار كانت خوفه من ان الاكراد السوريين سيقومون بتكرار التجربة الكردية العراقية بتشكيل اقليم ذو حكم ذاتي على الحدود الجنوبية من تركيا.

وفي الصيف الماضي، استأنفت الحرب ضد حزب العمال الكردستاني بطريقة انتقامية، ومنذ انتخابات 7 حزيران، قتل (256) من افراد الامن، وكانت خسائر الارواح من جانب حزب العمال الكردستاني عالية جداً. ان الدمار الذي حل في المدن الكردية في تركيا كسيلوبي وسيزر ومنطقة سور في ديار بكر ، اذ اطلقت الدبابات التركية النار على المنازل ، مما ادى الى دفع فئة الشباب في حزب العمال الكردستاني الى ان يقاوموا وبشدة التي قامت الحكومة التركية بالقضاء عليهم ايضاً. ادرك اردوغان ان الحصار في كوباني يعد نقطة تحول محتملة لحظوظ الاكراد في المنطقة. كان لديه خياران : امّا احتوائهم او قمعهم ، لكنه فضل اختار الثاني.

قوّض الاكراد موقف اردوغان المحلي والدولي، ولكن الرئيس التركي وجد نفسه مقيّداً بشكل اكبر في سوريا من قبل التدخل الروسي نيابة عن الاسد. وفي خطوة غير متوقعة، اسقط مقاتلون اتراك قاذفة روسية دخلت المجال التركي لفترة وجيزة في التشرين الثاني من عام 2015 ادى هذا العمل الى اتخاذ موجة من الاجراءات الاقتصادية والسياسية والعسكرية المكلفة كرد انتقامي من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين٬ وقد اخطأ اردوغان بالحكم على بوتين : لكن عملية اسقاط الطائرة كانت ناجمة عن شعوره بالاحباط حيال فشله في سوريا ومراقبته للروس والايرانيين الذين ينجحون بدعم الجيش السوري المنهار ضد حلفاء تركيا في سوريا.

ان الاثار المتداعية في سوريا قد سببت خلافاً بين الاتراك والايرانيين، ومنذ بداية الصراع السوري حتى نهاية عام 2015، وعندما تدخل الروس بشكل مباشر واصبح دور فيلق القدس الإيراني أكثر وضوحاً، اتفقت كل من تركيا وايران على ان لا يتفقوا بشأن هذه القضية. ان العلاقات التجارية الواسعة بين حكومة اردوغان والتي تتضمن مبيعات الذهب على نطاق واسع واعتماد الاتراك على الغاز الايراني، وحاجة ايران الى ايرادات النقد الاجنبي المتحقق من صادراتها، هو الامر الذي ساعد البلدين على ان يتجنبا الصراع العلني. وما تحقق لغاية الان بين البلدين يمكن ان يتغير بسبب انقلاب موازين القوى على الارض لصالح نظام بشار الأسد.

لم يتخلى اردوغان عن حلمه بامتداد النفوذ التركي في المنطقة. واعلنت أنقرة مؤخراً أن تركيا ستفتتح قاعدة بحرية في قطر وستنشأ كذلك مرافق تدريب في الصومال٬ وعندما يكون الوقت مناسباً، فان اردوغان قادر على تغيير سياساته في اي لحظة – وكمثال على ذلك ، التحسن الكبير الذي شهدتهُ العلاقات التركية مع اسرائيل مؤخراً٬ وان التقارب مع القدس سيؤدي الى امكانية بناء انابيب غاز مربحة من حقول الغاز في شرق البحر الابيض المتوسط عبر قبرص وصولاً الى تركيا.

ما هي الخطوة التالية لأردوغان؟

يواجه أردوغان ثلاثة تحديات مترابطة٬ فهو يسعى وبشدة نحو تغيير دستوري من شأنه ان يسمح له بتركيز السلطات التنفيذية في الرئاسة، مما يسمح له بإدارة البلاد دون قيود مفروضة من مؤسسات الدولة. وان تصاعد الصراع مع الاكراد من شأنه ان يهدد بالانقطاع التام لعلاقة الاكراد مع الدولة التركية. وبسبب تدهور الوضع في سوريا الذي لا يهدد فقط بتزايد الصراع الكردي في تركيا بل سيضعف ايضاً العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية، التي تقوم واشنطن بتعزيزعلاقاتها مع الاكراد السوريين .

قد يتمكن اردوغان من النجاح بايجاد حلول لبعض هذه التحديات – ومنها النجاح بانشاء نظام رئاسي – والثمن سيكون غاليا اذ سيؤدي هذا الامر الى انقسامات حادة في المجتمع التركي بالاضافة الى الانقسامات بين تركيا وحلفاؤها التقليديون. ويثق اردوغان بان طريقته في معالجة المشكلة الكردية تلاقي نجاحاً ويعول هذا النجاح على خيبة امل بعض الاشخاص من المجتمع الكردي وخصوصاً الفئة المؤمنة للابتعاد عن دعم حزب العمال الكردستاني. وفي هذه الاثناء، فان المعاناة في المدن ذات الاغلبية الكردية من المرجح ان تترك اثراً لا يُمحى من ذاكرة المجتمع الكردي. ان تغير الظروف الدولية، لاسيما في العراق وسوريا، اظهر ان الانتصار العسكري سيكون باهظ الثمن.

أما بالنسبة لسوريا، فمن الواضح أن هناك اختلافاً كبيراً في أولويات كل من تركيا والولايات المتحدة وأوروبا. ان الاولوية الاولى بالنسبة لشركاء تركيا الغربيين تتمثل بالحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الاسلامية الارهابي٬ بينما في انقرة فان اهتمامها الكبير يتمثل باسقاط نظام الاسد ومنع الاكراد من اقامة اقليم فيه حكم ذاتي في سوريا. وان استمرار الصراع الكردي داخل الاراضي التركية ستبعد انقرة من حلفائها حول سوريا.

يتلخص جوهر الموضوع كما يلي: ان السياسة الخارجية التركية لم تعد  تتمحور حول تركيا بل حول اردوغان٬ فإن الرئيس التركي قد اتبع نهجا متعصباً في بلاده ومتخبطاً في الداخل والخارج الامر الذي ادى الى تقويض المؤسسات التي اقر بفسادها واعاد هيكلتها في ذهنه٬ بسبب تدخله في جميع مفاصل الدولة التركية وعدم وجود معارضة فعلية له فإن السياسة الخارجية التركية هي نتاج نظرته الشاملة ، واهوائه الشخصية ورغباته٬ فلا يوجد احد يستطيع ان يتحدى رغبته. وان اتباعه للاسلوب المنهجي في سنواته الاولى مما فتح باباً للتساهل، وهو الامر الذي يفسر تقلبات السياسة الخارجية التركية.


ملاحظة :
هذه الترجمة طبقاً للمقال الأصلي الموجود في المصدر ادناه ، والمركز غير مسؤول عن المحتوى ، بما فيها المسميات والمصطلحات المذكوره في المتن .

المصدر :

http://foreignpolicy.com/2016/02/04/erdogans-foreign-policy-is-in-ruins/