تتحدث صحيفة واشنطن بوست عن قبول روسيا سراً برحيل الاسد وعن حل في ثلاث فيدراليات بسوريا فيما قال خبراء بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ان لا حل مع بقاء الاسد.

قالت واشنطن بوست ان ما جاء من اجتماع وزير الخارجية الامريكي جون كيري مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو الاتفاق على نهاية الاسد. فقد نقلت وكالة أنباء رويترز عن دبلوماسي غربي قوله ’’ما حصلنا عليه هو نهاية لبقاء الأسد، وأن الروس وصلوا لنقطة قبلوا فيها سراً برحيل الأسد بعد نهاية عملية الانتقال السياسي مع أنهم لم يعبروا عن استعدادهم للتعبير عن موقفهم علنا‘‘. وأكدت الوكالة أن عدداً من المسؤولين الغربيين أكدوا تصريحات الدبلوماسي في وقت تم فيه الاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا والسعودية وإيران والدول الأوروبية على مدى زمني للعملية الانتقالية تبدأ في الأول من كانون الثاني وتمتد على مدار 18 شهرا تنتهي برحيل الأسد. ورغم التقارب في المواقف إلا أن الخلافات العميقة لا تزال موجودة خصوصا مع اصرار دول ترى أن الاسد هو الحل لمواجهة تنظيم داعش في سوريا.

ويرى دبلوماسيون أنه يجب دفع روسيا وايران للتخلي عن الاسد ونقلت رويترز عن الدبلوماسي الغربي قوله إن ’’إيران لم تصل بعد إلى هذه النقطة‘‘. وقال مسؤول آخر إن المفتاح للحل هو كيفية دفع كل من روسيا وإيران للتخلي عن الأسد. وقال ’’يجب أن يتخليا عنه ولكن دفعهما للتنسيق معا لن يكون سهلا‘‘. ويقول مسؤول غربي بارز أن روسيا لديها قائمة بأسماء من سيحلون محل الرئيس السوري ولكنه لم يقدم تفاصيل حول هذا الموضوع. ولا يعرف إن كان لدى إيران نفس القائمة أم لا.

ولعل التغير في الموقف الأمريكي أو الغموض كان وراء اتهام صحيفة واشنطن بوست إدارة باراك أوباما بالإذعان للموقف الروسي المتعلق بمصير بشار الأسد. وتعلق الصحيفة إن ’’هذا هو وللأسف الوضع على ما يبدو، ليس لأن بوتين غير من موقفه‘‘ بل الإدارة. وكان هذا واضحا في الخطوة للوراء التي خطاها كيري يوم الثلاثاء عندما قال ’’لا تبغي الولايات المتحدة وشركاؤها ما يطلق عليه تغيير النظام‘‘. وعلق قائلاً إن مطالب المعارضة رحيل الأسد ’’ليس نقطة البداية‘‘ للحل خاصة أن الولايات المتحدة وافقت على بقائه في السلطة في فترة التفاوض على نقل السلطة.

وترى الصحيفة أن تراجع الإدارة عن تغيير النظام يبعث رسالة إلى بوتين وحلفائه الإيرانيين حول بقاء بنية السلطة في دمشق والتي حصل من خلالها الروس على قاعدة عسكرية في طرطوس فيما استخدم الإيرانيون سوريا كممر لأسلحتهم التي يرسلونها إلى حزب الله في لبنان. ان اجتماع نيويورك هو جزء من خطة كيري لوقف إطلاق نار يقود في النهاية لتسوية سياسية. ووقف إطلاق النار سيشمل ايضا الغارات الجوية السورية والروسية ليكون إنجازا كبيرا حتى لو فشلت المفاوضات السياسية. وهذا يعني حسب الصحيفة نوعا من التعايش بين المناطق الخاضعة لسيطرة النظام وتلك التي تديرها المعارضة وستقود بالتالي للتركيزعلى مواجهة تنظيم داعش.

الحل في ثلاث فيدراليات بسوريا

رأى ثلاثة مفكرين أمريكيين أن الحل في سوريا سيكون عبر وقف لإطلاق النار وإقامة محاور ’’الأمر الواقع‘‘ حتى يتم حل الأزمة السورية. ففي مقال مشترك لكل من فيليب غوردون، الزميل البارز في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي والمسؤول السابق في البيت الأبيض (2013- 2015) وجيمس دوبنز الزميل الباحث في مؤسسة راند والمسؤول السابق في الخارجية الامريكية وجيف مارتي محلل شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة راند، كتبوا مقالا في واشنطن بوست فيما قالوا انها ’’خطة واقعية للسلام في سوريا‘‘ تبدأ بوقف إطلاق النار.

وقال المفكرون الثلاثة ان اجتماع نيويورك ’’معجزة‘‘ في حد ذاته لأنه جلب إلى طاولة المفاوضات دولا بأهداف ومواقف متناقضة: السعودية وإيران، روسيا وتركيا والولايات المتحدة. ومجرد اجتماعها هو تعبير عن استعداد لوقف الحرب ومواجهة أزمة اللاجئين والعمليات الارهابية. ويعتقد المفكرون أن المجموعة الدولية لسوريا هي بداية جيدة لأن الحرب لن تنتهي إلا عندما تجتمع القوى الخارجية التي تغذي الحرب وتتفق على حل.

لكن لا بد من الاتفاق على الأهداف وتعريفها. والأهداف الحالية التي تم الاتفاق عليها هي (إصلاح مؤسسات الدولة السورية، وتشكيل حكومة جديدة، وتحديد الجماعات الإرهابية، وخطة لعقد الانتخابات) وما لم يتم الاتفاق عليه هي تأسيس قيادة جديدة. وفي ظل الخلافات القائمة بين اللاعبين حول مصير الأسد فالبحث عن إطار شامل سيعني استمرار الحرب والتشرد وعدم الاستقرار وهي عوامل تسهم في زيادة معدلات التشدد وصعود تنظيم داعش.

وعليه تقدم المفكرون بخطة مختلفة تركز على (تأمين وقف إطلاق النار، وتأمين طرق تطبيقه، والتفاوض حول إعادة تشكيل سوريا). ويقول المفكرون الثلاثة ’’تؤكد خطتنا على أهمية الحفاظ على سيادة ووحدة الأراضي السورية، ولكنها تقوم على الواقع وتأخذ بعين الاعتبار أن أجزاء من سوريا تسيطر عليها جماعات إثنية مختلفة تلقى دعما من قوى خارجية. ويمكن أن تتفق هذه القوى ووكلاؤها السوريون وبشكل مبدئي على تحديد ثلاثة محاور آمنة: واحد يسيطر عليه النظام في الغرب وثان يسيطر عليه الأكراد في شمال- شرق البلاد وثالث غير متجاور في الشمال والجنوب وتديره الجماعات المعتدلة من المعارضة السورية. وسيتم إنشاء محور رابع في وسط وشرق سوريا والذي يسيطر عليه تنظيم الدولة وهو هدف الجميع. وستلعب القوى الخارجية وهي روسيا وإيران والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا والأردن دور الضامن للقوى المحلية وتعمل على التزامها بشروط وقف إطلاق النار‘‘.

ولتحقيق الهدنة بين المحاور الثلاثة فقد تحتاج القوى المشاركة فيها لتبادل أراض فيما بينها. وسيجد النظام السوري صعوبة في التخلي عن مناطق في حماة وحلب وتركها بيد المعارضة. ولكنه سيعوض من خلال انسحاب المقاتلين من المناطق المحيطة بالعاصمة دمشق. ويتبع الاتفاق على المحاور ووقف إطلاق النار اجتماع ترعاه الأمم المتحدة للقوى السورية المعارضة والتي تم قبول دور لها في العملية السياسية وذلك من أجل التفاوض على مستقبل سوريا. ويعترف الثلاثة بصعوبة إعادة توحيد سوريا من جديد وربما أفضت المفاوضات لشكل من الفدرالية أو الكونفدرالية.

ويحتاج التوصل لاتفاق بين الأطراف المتنازعة إلى منح حكم ذاتي موسع بما في ذلك السيطرة على الشؤون الأمنية وإدارة الشؤون اليومية للسكان في المناطق الجديدة. وربما احتاج المفاوضون للاتفاق على شكل من أشكال مشاركة السلطة تقوم على الانتماء الطائفي. وقد يحتاج المشاركون للاتفاق على تعديل الدستور يتم من خلاله توزيع السلطات والإنتخابات يحرم الأسد من الترشح فيها مرة ثانية. وستكون هذه القضايا أمام السوريين لمناقشتها برعاية أممية وبمشاركة من القوى الخارجية. وفي الوقت الذي سيقول فيه النقاد أن الأسد لن يقبل بحكم المعارضة على أجزاء من سوريا ولن تقبل المعارضة التوقف عن القتال طالما بقي الأسد في السلطة، وعليه فوقف إطلاق النار لن يحل الأزمة.

وهذا كلام صحيح لكن تقديم ضمانات للأسد باستمراره في السيطرة على دمشق والمدن الساحلية قد يكون كافيا له ولداعميه لوقف الحرب بدلا من استمرار القتل بدون نهاية في الأفق. وفي السياق نفسه فلم يقدم للمعارضة من قبل خطة تضمن وقف البراميل المتفجرة وهجمات النظام وحكما ذاتيا مدعوما من القوى الدولية ومقبولا من النظام، ويتضمن وصول المواد الغذائية التي يحتاجها السكان وتبادل السجناء وعملية سياسية لحل أزمة سوريا السياسية والقيادية. ويعترف الثلاثة بالتحديات التي تواجه تطبيق خطتهم ولكنها تظل أحسن من الحفاظ على الوضع القائم وأكثر عملية من البدائل المتوفرة حاليا.

لا حل مع بقاء الاسد

كتب كل من أندرو تابلر وأوليفيه ديكوتجينه من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى بحثا يرى أن عملية فيينا تمثل تحولا على طريقة الإنتقال السياسي. وناقشا في بداية المقال الخطوات التي تم تحقيقها من فيينا إلى الرياض ونيويورك ولكن العقبة تظل مرتبطة بعقدة الأسد والتي تتعلق بالدور الذي يمكن للرئيس السوري لعبه وصلاحيته للترشح في الإنتخابات الرئاسية مستقبلا. ففي الوقت الذي أكدت فيه المعارضة انها لن تقبل ببقاء الأسد في مؤتمرها الأسبوع الماضي الذي عقد برعاية سعودية في الرياض أكد الأسد من جانبه أنه لن يتحاور مع جماعات إرهابية.

ورأى المفكران أن نتائج محادثات نيويورك ستكون محددة للعملية السياسية التي بدأت في فيينا. وناقش الباحثان ما اتفق عليه من أهداف عامة إلا أن ما لم يتم تحديده هو كيفية تحقيق الإنتقال السياسي. ولا يعرف طبيعة ما اتفق عليه بين بوتين وكيري، فهل تعني العملية الإنتقالية التي تم التوافق عليها في فيينا استبعادا للأسد من الهيئة الإنتقالية التي تم الحديث عنها في بيان جنيف عام 2012 أم أن هذا يعني ضم عدد من رموز المعارضة في إدارة تحت قيادته؟ ويضيف المفكران أن العلاقة بين وقف إطلاق النار والعملية السياسة ليست واضحة. فلم يتم الحديث عن الخطوات الأولى لعملية الإنتقال السياسي وبداية وقف إطلاق النار. فالمعارضة لن تسكت مدافعها بدون رحيل الأسد في مرحلة ما.

والسؤال الآخر، هل ستكون الأمم المتحدة قادرة وبصورة واقعية على مراقبة وقف إطلاق النار في كل أنحاء البلاد. ويرى المفكران أنه ’’تم تحقيق أرضية مشتركة في فيينا حول عدد من القضايا الرئيسية لكن هناك حاجة لتوضيحات أكثر‘‘. ويعلقان أن أهم التطورات التي حدثت في فيينا حدثت على هامش المؤتمر، فقد حضر وزيرا خارجية السعودية وإيران اللقاءات وعبرت الدولتان في الأسبوعين الماضيين عن استعداد مشوب بالحذر للتعاون معا. وعينت الرياض سفيرا جديدا لها في طهران والذي ملأ فراغ المنصب الذي شغر لأشهر. وبحسب دبلوماسي إيراني ’’تم التوصل لمستوى من المفاوضات‘‘ بين العاصمتين.

أن موعد الأول من كانون الثاني لبدء المفاوضات حول العملية الانتقالية كانت حافزا جيدا لدفع المعارضة كي تعيد ترتيب نفسها. ومحادثات الرياض كانت جزءا من هذا رغم انها استبعدت الأكراد منها. وما نتج عن مؤتمر الرياض رغم اعتراضات بعض الجماعات السلفية مثل أحرار الشام تظل إيجابية وخطوة على الطريق الصحيح. وفي النهاية يرى المفكران أن عملية هادئة لحل عقدة الأسد ضرورية لحل الأزمة السورية وفسح المجال أمام عملية الإنتقال السياسي. وطالما ظل الأسد أو جزء من نظامه يسيطر على الحكومة الإنتقالية فالتوصل إلى حل سيظل قاتما.

المصدر: الصحافة الغربية