لم تكن العلاقات العراقية–السورية مستقرة على طول الفترة التاريخية؛ مع وجود مشتركات جغرافية، وروابط مجتمعية، وعلاقات اقتصادية متبادلة، إلا أنَّ التوتر الأمني والتذبذب السياسي كان العامل الأوضح، وأثَّر بمجرى العلاقات، وكثير ما دخلت العلاقات بين الطرفين بتوترات أمنية تارةً وسياسية تارةً أخرى قبل عام 2003، مع وجود مشترك مهم ألَا وهو الحزب الحاكم نفسه في كلا البلدين، وحتى بعد 2003، وبعد تغيُّر النظام، إلا أنَّ الأمر أصبح مختلفاً بعد اندلاع أحداث الأزمة السورية، وخصوصاً بعد سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على الأراضي العراقية في عام 2014، ممَّا جعل العراق يغيِّر المواقف السياسية والأمنية تغيراً كبيراً جداً تجاه سوريا، وحاول العراق أن ينهض بدور المحايد في الأزمة.
العلاقات المتوترة بين الطرفين
تميَّزت العلاقات العراقية–السورية بالخلاف والتوتر المستمرين على مدار الوقت، إلا أنَّ هذا التوتر الكبير أصبح واضحاً بعد تغيُّر النظام السياسي في العراق عام 2003، إذ أبدت سوريا مخاوفها الكبيرة والواضحة من عملية تغير النظام العراقي لما سيؤثر عليها، وما يؤكد هذه المخاوف هو إصدار الكونغرس الأمريكي قانون معاقبة سوريا في ديسمبر 2003، وما كان يوحي لن تكون سوريا الدولة المقبلة في تغيُّر النظام السياسي بعد العراق، وبدأت نقطة التحول الكبيرة في تاريخ العلاقات بين الطرفين، إذ انتهجت سوريا طرائق مختلفة لعرقلة الوجود الأمريكي في العراق، وتهديد الاستقرار العراقي؛ لدفع الضرر عنها بمساعدة دول إقليمية، بسبب شعور الخطر التي عاشته سوريا ليس من الجانب السياسي والأمني فقط، وإنَّما حتى من الجانب الاقتصادي، إذ توقفت عمليات تصدير النفط عبر أراضيها بعد استئنافه قبل الاحتلال، وانخفاض مستوى العلاقات الاقتصادية الذي ارتفع كثيراً في السنوات من (2000 – 2002)، كل هذه العوامل ساعدت أن يكون الحضور السوري في العراق سلبياً، وعاش فترة من التوتر والتقاطعات الأمنية، ولا سيَّما إبَّان حكومة السيد (نوري المالكيّ) الدورة الأولى الذي يتبنَّى رؤية حزب الدعوة الإسلامي الرافض لحزب البعث (الحزب الحاكم في سوريا) الذي قامت سوريا بإيواء كبار عناصر حزب البعث الهاربين من العراق الذي تتراوح أعدادهم من (30.000) إلى (40,000)، وتوفير الملاذ الآمن لهم، وسمحت لهم بالدخول مع عوائلهم، وممارسة نشاطهم السياسي والأمني المسلح المعارض والاقتصادي والاجتماعي، ممَّا عدَّه العراق تهديداً لأمنه القومي في النظام الجديد، ليس هذا فقط، ففي عام 13 أيار 2005، اتهم وزير الخارجية العراقي الأسبق (هوشيار زيباري) سوريا بتوريد العناصر الإرهابية إلى العراق، وتحتوي سوريا على معسكرات تدريب للإرهابين التفكيرين الذي يتسللون عبر الأراضي السورية إلى العراق، ممَّا دفع الحكومة العراقية حينها إلى اتهام سوريا بزعزعة الأمن العراقي، وسير العملية الديمقراطية، ووصل الحال بالحكومة العراقية بمحاولة رفع شكوى إلى مجلس الأمن الدولي حول سوريا، لو لا تدخُّل الجامعة العربية وتركيا بترطيب الأجواء حينها.
واشتد توتر العلاقة بين العراق وسوريا قبيل انتخابات مجلس النواب في عام 2010 بالعراق، التي دعمت سوريا عن طريقها القائمة العراقية برئاسة (إياد علَّاوي)، مقابل منافسها الأقوى قائمة ائتلاف دولة القانون الذي رأسه (نوري المالكيّ)، إذ عدَّ ذلك أشبه بالدعم الطائفي، وحتى بعد إعلان نتائج الانتخابات وصعود القائمة العراقية دعمت سوريا بصورة كبيرة جداً القائمة بتشكيل الحكومة عن طريق تفاهمات مع زعيم التيار السيد مقتدى الصدر، إلا أنَّ التدخل الإيراني حال دون ذلك، إذ استخدمت إيران العلاقات مع سوريا؛ لحل الخلاف ما بين نظام الأسد وحكومة المالكي، واستمرت العلاقات بتذبذب لحين اندلاع أحداث 2011 في سوريا، وما رافقها من أزمة.
في الوقت نفسه لم يمنع ذلك التوتر من استقبال سوريا ملايين المهاجرين العراقيين الذي نزحوا؛ بسبب الأعمال الإرهابية والطائفية في العراق، وسهَّلت عملية دخولهم واستقرارهم، ممَّا عاد بمردود اقتصادي واجتماعي كبير لسوريا، استخدم كورقة ضغط على الحكومة العراقية من جهة، والقوات الأجنبية الموجودة في العراق من جهة أخرى.

لقراءة المزيد اضغط هنا