د. علي بشار بكر اغوان – تدريسي في كلية العلوم السياسية / جامعة الموصل
في ظل عودة الصراع على الجغرافية السورية إلى الواجهة الإقليمية والدولية من جديد، ومع تصاعد التحركات الروسية الإيرانية على مسرح العمليات، عززت الولايات المتحدة الأمريكية وجودها العسكري على مستوى القوات القتالية والتدريبية المباشرة في سوريا وتحديداً في مناطق شرق الفرات لاسيما في المناطق النفطية وبعض مقاطع الشريط الحدودي مع العراق، تأتي هذه التعزيزات ضمن استراتيجية انتشار جديدة رسمتها الإدارة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط في وثيقة الأمن القومي الأخيرة التي صدرت إبان ولاية الرئيس جو بايدن. ولعل الوقوف على أهم أسباب وتفسيرات هذه التعزيزات يشكل حالة من حالات الضبابية والتحدي البحثي بسبب عدم وجود تنسيق واضح مع الجهات الرسمية العراقية عما يحدث في الحدود، مما أدى إلى عدم تفسير هذه التحركات لاسيما في العراق بسياقها الإستراتيجي الصحيح، نحاول في هذه الورقة تبديد شيء من هذه الضبابية وفق المحاور التالية:
اولاً: الدوافع الجيوسياسية للتحركات الأمريكية في سوريا والعراق.
استعادة التوازن الاستراتيجي: تشير التقديرات الإستراتيجية الأمريكية وحتى غير الامريكية إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية فقدت الكثير من مساحات الحركة والتأثير الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط لصالح قوى أخرى مثل الصين وروسيا على المستوى الدولي وتركيا وإيران على المستوى الإقليمي، على هذا الأساس تطمح الادارة الأمريكية إلى استعادة وجودها العسكري والاستراتيجي في سوريا ضمن تشكيل خارطة حلفاء جديدة متعددة الرهانات لا تعتمد فيها على قوات سوريا الديمقراطية فقط على أرض الواقع، تنطلق هذه الاستراتيجية الجديدة من مرتكزات عديدة أهمها أنه بات من الضروري عدم ترك الشرق الأوسط مفتوح على مصراعيه بهذا الشكل بالنسبة للروس والإيرانيين وحتى الصينيين، بالتالي تشعر الولايات المتحدة الأمريكية بتنامي مخاطر جديدة من هذه المنطقة، لذا قررت أن تعيد صياغة وجودها العسكري والاستراتيجي بهذا الشكل.
السيطرة على جزء من المقطع الحدودي العراقي السوري لتحجيم جزء من الدور الإيراني: علينا أن نميز بين عمليات التحجيم التكتيكية وعمليات قطع الإمدادات الإستراتيجية، حيث أن الإدارة الأمريكية وعبر هذه التحركات تطمح لضبط جزء من المقطع الحدودي بين العراق وسوريا عبر حلفائها الجُدد من العشائر العربية، بمعنى أنها تسعى إلى تطوير سلوك تكتيكي مرحلي لتنظيم جزء من الحدود وليس قطع الإمدادات الإستراتيجية الشاملة الإيرانية منها والتي تعبر هذه الحدود باتجاه دمشق وبيروت والبحر المتوسط، حيث ومن الناحية الواقعية لا تستطيع الإدارة الأمريكية قطع هذه الإمدادات الإستراتيجية بشكل كامل على الرغم من تواجدها الكثيف في الجانب السوري على مستوى الانتشار البري كما أن الجيش الأمريكي لا يتواجد على طول الشريط الحدودي السوري والعراقي، كون قطع الإمدادات الإستراتيجية بشكل كامل سيقود لمواجهة شرسة بين إيران وحلفائها في العراق وسوريا مع القوات الأمريكية والعشائر الحليفة لها مما سيقود لاحتكاكات عسكرية جسيمة.

لقراءة المزيد اضغط هنا