المقدمة
شكَّل ظهور تنظيم داعش وصعوده في عام 2013 بداية حقبة جهادية جديدة، إذ أعلن التنظيم عن هدف بعيد المدى المتمثل في إقامة دولة إسلامية، أو خلافة، بناءً على تفسيرات متطرفة للغاية للشريعة الإسلامية، ممَّا جعله أكثر من مجرد تنظيم إرهابي. اعتمدت إستراتيجية داعش للبقاء والنمو على عوامل عديدة: (السيطرة على الأراضي وتوسيعها كوسيلة للاستنزاف، وجذب المقاتلين الأجانب، واستخدام الأيديولوجيا والإعلام كأداة للسيطرة على الناس، وتجنيد المقاتلين، وجمع الأموال، وتطوير إستراتيجية عسكرية مركزية).
وفي غضون ذلك، فإنَّ إحدى الإستراتيجيات المهمة لداعش هي السيطرة على منطقة جغرافية واسعة. ولهذا السبب كان أحد العوامل الرئيسة في شهرة داعش العالمية هو سيطرته على مناطق شاسعة من العراق وسوريا. تمكَّن تنظيم داعش في عامي 2014 و2015 من احتلال مناطق عديدة في العراق وسوريا. لكن أصبح تنظيم داعش ضعيفاً منذ عام 2016، لا سيَّما أنَّه فقد أراضيه المحتلة في العراق عام 2017 وأراضيه المحتلة في سوريا عام 2019. وقد أعلن العراق في كانون الأول/ديسمبر 2017، النصر النهائي على تنظيم داعش واسترجاع جميع المدن التي فرض سيطرته عليها إبَّان أحداث حزيران/يونيو 2014. کما أكَّدت قوات سوريا الديموقراطية في آذار/مارس 2019 القضاء التام على تنظيم داعش الإرهابي، بعد ستة أشهر من إطلاقها هجوماً واسعاً بدعم من التحالف الدولي بقيادة أمريكية على آخر جيب للتنظيم في شرق سوريا.
ومع أنَّ جميع الحكومات العراقية بذلت كثيراً من الجهود لمنع انبعاث داعش في السنوات الأخيرة، إلا أنَّ الحكومة السورية غير قادرة على التعامل بصورة شاملة مع الخلايا النائمة لداعش في المناطق الصحراوية من هذا البلد؛ بسبب الأزمات الشاملة. فلهذا السبب تمكَّن تنظيم داعش من القيام باستدارة كبيرة عبر عمليات التكيُّف وإعادة الهيكلة. فعلى صعيد التكتيكات الميدانية، والعسكرية، والأمنية، وعلى صعيد الخطاب الإعلامي والسياسي، بدأ تنظيم داعش بإعادة ترتيب أولوياته وَفْق المناطق. فوَفْقاً لكتاب (إدارة التوحش) لأبي بكر ناجي، تُعدُّ المرحلة الحالية التي يعيش فيها التنظيم هي مرحلة (شوكة النكاية والإنهاك) والتي تتمثل بالعمل على إنهاك العدو عن طريق العمليات المتواصلة. وفي المرحلة الثانية، يعتمد التنظيم على مسارات جديدة، لمراوغة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، إذ اتبع تنظيم داعش نهجاً جديداً في تنفيذ عملياته الإرهابية، والتركيز علی إستراتيجية هدم الأسوار.
بذل تنظيم داعش الإرهابي -منذ نهاية عام 2022 وبداية عام 2023- جهوداً مكثفة للانبعاث الثالث في سوريا، والذي يُعدُّ تهديداً خطيراً وأساسياً للعراق؛ لأنَّ تنظيم داعش أظهر دائماً أنَّه يستخدم إستراتيجية (الأذرع المزدوجة). فبناءً على هذه النظرية، يجب متابعة التحرك في منطقتين متوازيتين. والهدف من هذه الإجراءات الموازية هو منع تركيز أي جهد عسكري على جبهة واحدة، لذا ستعمل كل جبهة بصورة مستقلة لممارسة الضغط لصالح الجبهة الأخرى.
تسعى هذه الورقة التحليلية للإجابة على هذا السؤال الرئيس، كيف يمكن أن يشكِّل انبعاث داعش في سورية تهديداً كبيراً للعراق؟ للإجابة على هذا السؤال، قُسِّمَ هيكل البحث على ثلاثة أجزاء، فبعد تحليل جهود تنظيم داعش للانبعاث الثالث في سوريا، يُتَطرَّق إلى أوضاع قوات داعش في العراق، وفي النهاية ستُدْرَس التداعيات الأمنية لعودة داعش في سوريا على العراق.

لقراءة المزيد اضغط هنا