من بين أهم الأسئلة التي تنتظر الحكومة العراقية المقبلة، هي: كيفية خفض الإنفاق في القطاع العام، وكيفية معالجة احتياجات 2.5 مليون عراقي إلى العمل عاجلاً؟ فمع وصول معدل البطالة الوطني إلى عتبة 16٪([1])يوجد إجماع داخل دوائر صُنّاع السياسة على أن يتركز خلق فرص العمل على القطاع الخاص بدلاً من الاستمرار في زيادة التوظيف بالقطاع العام. ومن دون تأمين الاستثمارات الأجنبية في البلاد وزيادة الأجور في القطاع العام، ستكون معالجة مستويات بطالة الشباب -التي تقدر بنحو 36٪ من معدل البطالة الوطني- صعبة جداً على المدى القريب.

ويتمثل أحد الحلول في النظر إلى ما يمكن تقليصه من شركات الدولة غير المنتجة؛ لتقليل تكاليف التشغيل المتضخمة الناجمة عن الإفراط في التوظيف، ولخلق فرص عمل في القطاعات الإنتاجية.

وتُعَدُّ الشركات المملوكة للدولة الثغرة السوداء في الإنفاق بالقطاع العام؛ كونها كيانات ذاتية التمويل؛ مما يعني أنها غير داخلة في الموازنة العامة. ولا تُعَدُّ هذه الكيانات مربحةً إلى حدٍ كبيرٍ؛ لاعتمادها على القروض المقدمة من البنوك المملوكة للدولة والمنح الخاصة من ميزانية الحكومة؛ لتغطية النفقات الأساسية بما في ذلك الرواتب.

وتشير البيانات الرسمية لعام 2015 إلى أن هناك 176 شركة مملوكة للدولة، على الرغم من أن العديد من الشركات اندمجت مع بعضها في السنوات الأخيرة. وتوضح بيانات عام 2013 إلى أن 44 شركة فقط من الشركات المملوكة للدولة حققت أرباحاً، ومن المحتمل أن​​هذا العدد انخفض بعد انهيار أسعار النفط في عام 2014([2]). ويعدّ الافتقار إلى الشفافية أحد المشكلات الرئيسة في الحصول على بيانات دقيقة، إذ إن أعداد العمالة في الشركات المملوكة للدولة غير واضح، على النقيض مما هو حاصل في الوزارات والهيئات الحكومية الأخرى التي تنشر أرقام التوظيف الخاصة بها على أساس سنوي ضمن الموازنة الاتحادية([3]). وتشير بيانات عام 2010 إلى وجود 633 ألف موظف في الشركات المملوكة للدولة (بما في ذلك المتعاقدون وأصحاب الأجور اليومية)، ومن المحتمل أن هذه الأعداد ازدادت منذ ذلك الحين.

تخضع الأسس القانونية للشركات المملوكة للدولة -إلى حد كبير- لقانون الشركات العامة رقم 22 لعام 1997، الذي عُدل خمس مرات، آخرها في عام 2015. وتعود ملكية هذه الشركات إلى 14 وزارة من بينها: وزارة الصناعة والمعادن، ووزارة الكهرباء، ووزارة النفط، ووزارة المالية.

وتُفصح بيانات 136 شركة مملوكة للدولة تعود لعام 2015عن أن إجمالي نفقات هذه الشركات قد بلغ ذروته في عام 2013، إذ وصل إلى 31.3 مليار دولار، وبحلول عام 2015 خُفض الإنفاق بمقدار 6 مليارات دولار، لكن أقل من ربع هذه الشركات كانت تحقق أرباحاً. وبالمقارنة، بلغ الإنفاق على المرتبات والأجور 4.5 مليار دولار في عام 2013، ولم ينخفض إلا إلى 4.4 مليار دولار في عام 2015، إذ بلغ متوسط الأجور ما يزيد قليلاً على 900 دولار في الشهر. وهناك انخفاض بنسبة 8.4٪ في عدد الموظفين الدائمين بين عامي 2013 و2015، بينما انخفض عدد العاملين بأجر يومي بنسبة 43.4٪ خلال المدة نفسها.

2012 2013 2014 2015
مجموع المرتبات والأجور (مليون دولار) 4.1 4.5 4.6 4.4
العدد الإجمالي للموظفين الدائمين 354,713 366,944 348,122 336,041
العدد الإجمالي للموظفين المتعاقد معهم 33,066 41,463 41,269 43,836
العدد الإجمالي للعاملين بأجر يومي 31,733 34,187 26,814 19,333
إجمالي الإيرادات (مليار دولار) 24.9 27.5 26.9 22.0
مجموع النفقات (مليار دولار) 27.7 31.3 29.2 25.0

بيانات 136 شركة مملوكة للدولة. المصدر: الحكومة العراقية – البنك الدولي.

         وبإلقاء نظرة فاحصة على الشركات المملوكة لوزارة الدفاع يمكننا الاطلاع على المشكلة بنحو أوسع. فمن بين الشركات الست، هناك شركة واحدة فقط تعرف باسم حمورابي تمتلك بعضاً من القدرة الإنتاجية -تصنيع الأسلحة الصغيرة كالمسدسات اليدوية-. إن جميع هذه الشركات الست غير مربحة، وتفتقر إلى البنى التحتية الأساسية، وهي غير قادرة كلياً على المنافسة في السوق الحديثة. وعلى الرغم من إنفاق أكثر من 800 مليون دولار على رواتب وأجور أكثر من 20 ألف موظف منذ عام 2003، بيد أن الأسس المنطقية للإبقاء على هذه الشركات المملوكة للدولة على الرغم من أن فشلها هيّن جداً وهو يتمثل بخدمة المنفعة العامة من خلال توليد العمالة، وإن أي محاولات سابقة لتقليص أو هذه الشركات إيقافها انطوى على مخاطر سياسية.

لكن استراتيجية الحكومة التي صاغتها هيئة المستشارين لعام 2015 تكرر الحاجة إلى إجراء إصلاح شامل يخفض من أعداد الشركات المملوكة للدولة، وينقل الموظفين إلى الوزارات المعنية، ويؤسس مراكز تدريب لبناء القدرات، وإيقاف عمل الشركات المملوكة للدولة غير القابلة للتكيّف. وتشير الاستراتيجية إلى وجود حوالي 181 ألف موظف فوق سن الخمسين سنة، مع خدمة 15 عاماً على الأقل ممن يمكن إحالتهم على التقاعد المبكر؛ وبالتالي تقليص عدد العاملين بمقدار الربع.

ويمكن التذرع بالبنود الواردة في القانون رقم 22 لحلّ الشركات المملوكة للدولة التي لا تمتلك القدرة على النمو فوراً، وسيشمل هذا ما لا يقل عن 20 شركة بما في ذلك 5 شركات مملوكة لوزارة الدفاع. ومن الممكن إعادة تصنيف الشركات غير التجارية بحيث يمكن دمجها في الموازنة؛ مما سيضمن شفافية أكبر في إنفاق الموازنة.

وتُعَدُّ معالجة قضايا الشفافية مكاناً جيداً للبدء في أي مبادرة للإصلاح، إذ يمكن تبني عدد من ممارسات الحوكمة الرشيدة بما يتماشى مع ميثاق الحكم الرشيد في العراق الذي اعتمدته الحكومة في عام 2017، ويشمل ذلك نشر تقارير إجمالية عن الأداء المالي، وإجراء عمليات تدقيق سنوية تقوم بها أطراف ثالثة، وتعزيز المساءلة المالية من خلال الإعلان عن المساعدات المالية التي تقدم من قبل الدولة. وينبغي أيضاً الإبلاغ عن أرقام التوظيف داخل كل مؤسسات الدولة كجزء من نظام معلومات شامل يراقب ويسجل التمويلات غير الداخلة في الموازنة للبنوك المملوكة للدولة.

إن لإعطاء الأولوية لإصلاح الشركات المملوكة للدولة فائدةً إضافيةً تتجاوز خفض إنفاق القطاع العام. ولهذه الشركات سمعة سيئة؛ لأنها تخلق الاحتكارات وتزاحم المشاريع الخاصة، ومن خلال معالجة قضايا زيادة العمالة، يمكن تحويل العديد من هذه الشركات إلى فرص استثمارية جذابة بواسطة الشراكات بين القطاعين العام والخاص؛ وبالتالي تحفيز نمو الأخير. وبطبيعة الحال، ستواجه أي محاولة لاعتماد تدابير الإصلاح هذه معارضة شديدة من أصحاب المصالح في هذه الشركات؛ لذلك فإن الحكومة المقبلة ستحتاج إلى التأكُّد من قدرتها على التواصل مع الجمهور العام وتوضيح كيف ستؤدي هذه الإجراءات في نهاية المطاف إلى تعزيز فرص العمل على المدى الطويل.


المصادر :

  1. http://documents.worldbank.org/curated/en/255111529495871846/Jobs-in-Iraq-A-Primer-on-Job-Creation-in-the-Short-Term
  2. http://www.iraqdatabank.org/storage/app/uploads/public/5bb/2c8/0d9/5bb2c80d92548465
  3. http://blogs.lse.ac.uk/mec/2018/07/31/analysing-growth-trends-in-public-sector-employment-in-iraq