د.مصطفى الدراجي / باحث
على مدار السنوات السابقة، كان دونالد ترامب محط اهتمام كبير لدى كل من يتابع السياسة الأمريكية، وتشعّبت التصنيفات لأفكاره وأفعاله، حتى صارت ما يمكن تسميته بالظاهرة الفريدة (الظاهرة الترامبية) في السياسة الأمريكية، لخروجه عن المألوف في سياق السياسة الأمريكية، وسياق الأحزاب الأمريكية المعتاد عليها، بل وحتى في سياق الحزب الجمهوري. لكن هذا لم يكن بمعزل عن السياق التاريخي والاجتماعي الذي أفرز مثل هذه الشخصية على الساحة السياسية الأمريكية، فتصاعد المدّ العنصري القومي الأمريكي تزامن مع تصاعد المدّ القومي في أنحاء أوروبا وصعود الأحزاب اليمينية، مع تزايد موجات الهجرة، وتضاؤل فرص العمل، وتراجع الولايات المتحدة اقتصادياً، وزيادة قوة منافسيها المتمثلة بالصين وروسيا، ما حتّم ظهور شخصية مثل ترامب، شخصية قومية شعبوية يمينية محافظة، تلامس في تصريحاتها وأفكارها وسياساتها مشاعر ومطالب الغالبية العظمى من المجتمع الأمريكي بعودة أمريكا عظيمة مرة أخرى.
السياسات التي يتبناها ترامب داخلياً وخارجياً هي نتاج حاجات مجتمعية، ولهذه السياسات تيار فكري كبير، ينضوي تحته الكثير من مراكز الأبحاث والكتّاب والمفكرين الأمريكيين الذين يتبنون أفكاراً شعبوية يمينية قومية، ويدافعون عن سياسات ترامب. بمعنى أن ترامب وأفكاره وسياساته الداخلية والخارجية أصبحت الآن تمثّل تياراً فكرياً كبيراً في الولايات المتحدة، له مؤسسات وكتّاب يتبنون سياسات ترامب، ويدافعون عنها، وينظّرون لها .وسيكون هذا التيار أشبه بتيار المحافظين الجدد، لكنه سيستمر لفترة أطول، وسيفرز الواقع والمجتمع الأمريكي أشخاصاً مشابهين لترامب، ذوي توجه شعبوي يميني قومي، لمواجهة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية الداخلية والخارجية، مع تغيّر القوى المدافعة والحاملة للقيم الليبرالية الأمريكية من النخب الاقتصادية التقليدية، مثل أصحاب المصانع والشركات، إلى النخب والكيانات التكنولوجية من مالكي مواقع التواصل الاجتماعي وأصحاب المشاريع التكنولوجية، في سياق استيعاب التنافس ومواجهة القوى الصاعدة دولياً مثل الصين وروسيا والهند.
إذن، سنقدّم في هذه الدراسة تحليلاً لدور كل من مراكز الأبحاث، ومجموعة الأشخاص والشركات التكنولوجية، وبعض السياسيين والمفكرين في صناعة السياسة الأمريكية في ولاية ترامب الثانية، وكيف أصبحوا يشكّلون تياراً فكرياً داخل الحزب الجمهوري.