د. احمد المياحي
تعود جذور التقارب بين البلدين إلى تنسيق الجهود العسكرية في سوريا عام 2015 لمساعدة الرئيس السوري السابق بشار الأسد وتشكيل بعض الاتفاقيات الداعمة التي عززت التعاون بين البلدين عام 2022. كما توسع التعاون بين إيران وروسيا في ظل الحرب الأوكرانية.
دعمت طهران موسكو في التفاعلات العسكرية من خلال بيع آلاف الطائرات بدون طيار من طراز مهاجر وشاهد والصواريخ الباليستية في وقت لاحق، مما ساعد روسيا على سد الفجوة في احتياطياتها من الذخيرة. وتعاونت روسيا أيضًا مع إيران في مجال الأمن السيبراني، بما في ذلك شراء المعدات التقنية وغيرها من المعدات المتقدمة في عام 2023. وكان التركيز الأساسي لكلا الجانبين على تبادل المعلومات وزيادة القدرات الدفاعية.
لا يقتصر التعاون بين إيران وروسيا على الجوانب الاقتصادية والعسكرية المشتركة، بل يمتد إلى مناطق واسعة من العالم، بما في ذلك القوقاز، وغرب آسيا، وآسيا الوسطى، وغيرها. وتتمتع إيران وروسيا بمصالح سياسية وأمنية وعسكرية واقتصادية مشتركة في هذه المناطق، وهو ما يحفز التعاون والمشاورات المستمرة والجهود الدبلوماسية وتبادل المعلومات الأمنية لتعزيز المصالح الوطنية. لكن البلدين يتنافسان على أسواق مماثلة لمبيعات النفط، خاصة وأن روسيا خسرت السوق الأوروبية.
لقد أقامت إيران وروسيا تعاوناً اقتصادياً واسع النطاق من خلال العضوية في المنظمات الاقتصادية الإقليمية والدولية مثل مجموعة البريكس، فضلاً عن تحديد هدف تنفيذ مشروع تجاري دولي يسمى الممر الشمالي الجنوبي، والذي من المفترض أن يربط الهند بروسيا وأوروبا عبر إيران.
الوساطة الروسية
تعزز موسكو علاقاتها مع واشنطن في حين تشعر إيران بالقلق بشأن مستقبل علاقاتها مع روسيا في حال تطور علاقات موسكو مع واشنطن. وعلى أية حال، فمن المؤكد أن روسيا لن تعرّض مستقبل علاقاتها مع إيران للخطر من أجل حل مؤقت للمشاكل مع واشنطن. وواجهت موسكو، التي كانت تربطها علاقات ممتازة مع ترامب خلال ولايته الأولى، العديد من التحديات مع إدارة جو بايدن. ورغم أن موسكو تسعى الآن إلى إقامة علاقة مع واشنطن، إلا أنها تخشى التغيرات في الولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب الثانية، وتعرف أن الولايات المتحدة تريد استخدام هذه العلاقات لصالح فصل محور موسكو وبكين وطهران.
ففي ظل المفاوضات الجارية مع إيران، يحتاج ترامب إلى الوساطة الروسية كجزء من أداة الضغط التي يستخدمها على البلاد في الملف النووي والقضايا الأخرى المطروحة على طاولة المفاوضات. خلال زيارته إلى إيران أواخر فبراير/شباط الماضي، والتي حققت نتائج مرضية، ناقش وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع المسؤولين الإيرانيين مستقبل المفاوضات النووية مع الغرب، ونقل رسالة المسؤولين الأميركيين في هذا الصدد إلى طهران.
يزعم ترامب أنه لن يلجأ إلى الخيار العسكري بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية كما يريد الكيان الصهيوني، لكن مراقبين يعتقدون أن بعض القادة والمسؤولين في إدارة ترامب يتعرضون لضغوط من بعض مستشاريه واللوبي الصهيوني، وهو ما أدى إلى ارتباك وعدم وضوح في المواقف وحتى تصريحات متناقضة لستيف ويتكوف المبعوث الخاص لترامب في غرب آسيا.
في هذا السياق، وقع مجلس الدوما الروسي اتفاقية شراكة استراتيجية مدتها 20 عاما مع إيران، وهو ما أقر التعاون العسكري والنووي بين البلدين في وقت تتزايد فيه المخاوف بشأن الصراع بين إيران والولايات المتحدة. تم توقيع الاتفاق الاستراتيجي في يناير/كانون الثاني الماضي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والإيراني مسعود بزشكيان، ويتضمن توسيع التنسيق الدفاعي لموسكو ودعمها لطهران وسط تصاعد التوترات مع الولايات المتحدة.
تم التوصل إلى هذه الاتفاقية في الوقت الذي كانت تجري فيه المفاوضات النووية بوساطة سلطنة عمان. في حين حذر ترامب إيران من بناء القنبلة الذرية، وتفكيك عملية التخصيب، واللجوء إلى الخيارات العسكرية.
(يؤكد ترامب أنه لن يلجأ إلى الخيار العسكري بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية كما يريد الكيان الصهيوني)
تشمل مجالات التعاون بين إيران وروسيا ضبط الأسلحة، ومكافحة الإرهاب، وتعزيز الطاقة النووية السلمية، وتنسيق الأمن في المنطقة والعالم. وبتوقيع هذه الاتفاقية، عززت روسيا وساطتها وتقدمها كضمانة ضد أي تطوير نووي عسكري. في هذه الأثناء، نقل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى بوتين رسالة قائد الثورة الاسلامية علي خامنئي، بشأن تطوير العلاقات الثنائية. وجاء ذلك بعد أن أجرى المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف تحولا واضحا في سياسته، حيث صرح بأن أي اتفاق مع إيران يجب أن يتضمن القضاء الكامل على برنامج تخصيب اليورانيوم والأسلحة في البلاد.
وفي ذروة هذه التطورات، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن روسيا مستعدة لبذل كل ما في وسعها للمساعدة في حل الوضع بالوسائل السياسية والدبلوماسية. وتتعرض إيران لضغوط اقتصادية شديدة بسبب العقوبات الغربية، وتجد نفسها معرضة لتهديدات عسكرية خطيرة من الكيان الصهيوني وربما الولايات المتحدة. ولذلك، بحسب عراقجي، فإنهم “أصبحوا أكثر اعتماداً على القوى الشرقية، الصين وروسيا، مما كانوا عليه في الماضي”.
ومع انطلاق الجولة الثانية من محادثات عُمان في العاصمة الإيطالية روما، علينا ان ننتظر ما إذا كان الاتفاق الاستراتيجي بين إيران وروسيا قادراً على تغيير الحسابات الجيوسياسية ومنع التهديدات.