محمد الربيعي / باحث في الشأن السياسي
المقدمة:
بعد تعالي أصوات الشارع العراقي المطالبة بإلغاء اتفاقية خور عبد الله باعتبارها اتفاقية تسلب حقوق العراق في الملاحة البحرية، فهل يمكن لاتفاقية حدودية ان تعيد إشعال فتيل الخلافات بين البلدين الجارين؟
يعتبر خور عبد الله ذو أهمية عالية جدا للعراق لكونه الممر المائي الوحيد الذي يربط العراق بدول العالم بحريا، لكن موقع هذا الممر دائما ما كان مصدر خلاف بين دولتي العراق والكويت، تعد اتفاقية خور عبد الله الموقعة بين الجارين في عام 2013 محاولة لتنظيم الملاحة في هذا الممر الحيوي، الا ان هذه الاتفاقية اثارت جدلاً واسعا في أوساط الشعب العراقي، حيث اعتبرها البعض تفريطا في السيادة، بينما يعدها البعض الاخر طريق لتطوير العلاقات الثنائية.
تاريخ الازمة:
يقع هذا الخور في شمال الخليج العربي وهو متداخل مع خور الزبير في الأراضي العراقية، حيث يعتبر هو الممر الملاحي الوحيد المؤدي إلى معظم المواني العراقية، تعود جذور الخلافات الحدودية بين البلدين إلى عام 1993 بعد حرب الخليج الثانية حيث تم ترسيم الحدود البرية من قبل الأمم المتحدة بعد امتثال العراق لقرار مجلس الأمن رقم (833)، الذي اعترف بموجبه العراق بالحدود البرية بين الدولتين، أما في ما يخص الحدود البحرية فإن الترسيم لم يغط المنطقة البحرية بالكامل إلا أنه قد وصل الترسيم البحري إلى النقطة 162 في خور عبد الله.
في 25 تشرين الثاني عام 2013 نشرت جريدة الوقائع العراقية في العدد (4299)، اتفاقية خور عبد الله بعد تصويت مجلس النواب عليها، نصت الاتفاقية المبرمة في زمن الرئيس السابق نوري كامل المالكي على عدد من المواد التي تنظم الملاحة بين البلدين في هذه المياه، واهما المادة (6) التي تنص على “عدم تأثير هذه الاتفاقية على الحدود بين الطرفين في خور عبد الله المقررة بموجب قرار مجلس الأمن رقم (833) لسنة 1993” وبعد مراجعة المواد
الواردة في هذه الاتفاقية لم يذكر أن هذه الاتفاقية تنص على ترسيم الحدود البحرية بين البلدين وهذا ما أكدته المادة (6) من الاتفاقية، لأنه سبق أن تم ترسيم الحدود وفق لقرار لجنة الأمن التابعة للأمم المتحدة رقم (833) لسنة 1993، ووفق هذا القرار تم تقسيم خور عبد الله بين الدولتين، وقد ذكرت صحيفة العالم في مقال لها عن هذا الموضوع (أن الحدود تبدأ مناصفتا من العلامة 107 إلى 110 وتكون فيه المياه للعراق واليابسة للكويت، وأيضا من النقطة 111 إلى 134 التي تمثل خط الهالوك حيث أصبح المجال البحري للعراق حسب هذه النقاط أكبر من المجال الكويتي وبعد ذلك من نقطة 134 إلى النقطة 162 وهو خور عبد الله حيث يكون مناصفة بين العراق والكويت، وبذلك يصبح الجزء الشمالي من الخور للعراق والجنوبي للكويت)، تمتاز هذه المنطقة بأنها ضيقة جدا بالنسبة للملاحة الأمر الذي دفع الجانب العراقي من التوقع على هذه الاتفاقية، كذلك وجود جزيرتي وربة وبوبيان على مقربة من السواحل العراقية سوف يحرمه من حقه في امتلاك موان عميقة ينافس فيها الدول الآخر، الأمر الذي دفع العراق من بناء ميناء أم قصر على خور الزبير.
قرار المحكمة الاتحادية:
قامت المحكمة الاتحادية في 4/9/2023 بالحكم على اتفاقية خور عبد الله لسنة 2013 بعدم دستورية هذه الاتفاقية، بناءً على الطعن المقدّم من قبل المدّعي في الدعوى، عضو اللجنة القانونية الدكتور رائد المالكي، وكذلك النائب سعود علي الساعدي، على المادة رقم (2) من اتفاقية خور عبد الله، مدّعيًا في ذلك مخالفة هذه الاتفاقية للمادة رقم (1) من الدستور العراقي، التي تؤكد على السيادة الكاملة لجمهورية العراق، وهذا ما يتنافى مع المادة (2) من الاتفاقية رقم (42) لسنة 2013. وكذلك لمخالفتها لأحكام المادة (8) من الدستور، التي توجب سعي العراق لحل النزاعات بالوسائل السلمية، وأن يقيم علاقاته على أساس المصالح المشتركة.
كما استند في بطلان هذه الاتفاقية إلى العديد من المواد الدستورية، منها ما جاء في المادة (61) من الدستور، حيث لم تُتبع الإجراءات الدستورية اللازمة للتصويت؛ إذ صوّت في الجلسة المنعقدة في 22 آب 2013، (122) نائبًا لصالح هذه الاتفاقية، بينما لم يصوّت لها (80) نائبًا من أصل المجموع الكلي لعدد الأعضاء البالغ (329) نائبًا، مما يعني عدم تحقق الأغلبية في مجلس النواب.
وبناءً على كل ما تم طرحه من المخالفات الدستورية في هذه الاتفاقية، قرّر القاضي السيد جاسم محمد عبود الحكم بعدم دستورية القانون رقم (42) لسنة 2013 (قانون تصديق الاتفاقية بين حكومة جمهورية العراق وحكومة دولة الكويت بشأن تنظيم الملاحة في خور عبد الله).
تضارب الآراء:
بعد قيام المحكمة الاتحادية العليا بالحكم بعدم دستورية القانون رقم (42) لسنة 2013 لاتفاقية خور عبد الله بين العراق والكويت قدم الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد, رئيس الحكومة السيد محمد شياع السوداني طعنين منفصلين في المحكمة الاتحادية للعدول عن قرارها في بطلان اتفاقية خور عبد الله , وشرح رئيس الجمهورية في مطالعة الطعن جملة من الدفوعات القانونية المتعلقة بسن المعاهدات الدولية فضلا عن الاستناد للمادة الثامنة من الدستور العراقي التي تنص على أن العراق “يرعى مبدأ حسن الجوار ويلتزم عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى, كما برر رئيس الحكومة مطالبته بدوافع قانونية تتعلق بتنظيم المعاهدات الدولية مشيرا بذلك الى اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1966 التي رسمت إطاراً يضمن استقرار العلاقات بين الدول ونصت في مادتها الـ 27 بألا يجوز لطرف في معاهدة أن يحتج بنصوص قانونه الداخلي كمبرر لإخفاقه في تنفيذ المعاهدة”, طبقاً للكويتية.
ويذكر السيد السوداني في مطالعته ان الغاء اتفاقية خور عبد الله يتعارض مع المادة الثامنة من الدستور العراقي التي توجب على العراق احترام التزاماته الدولية وكذلك مبدأ حسن الجوار.
هذا الموقف اثار سخط الشارع العراقي مما أدى الى قيام تظاهرات في بغداد احتجاجا على هذه الاتفاقية التي تمثل اعتداء سافرا على السيادة البحرية للعراق من وجهة نظر المواطنين.
_ “وبعد الاطلاع على ما جاء في اتفاقية خور عبد الله بين العراق و الكويت رقم (42) لسنة 2013 تبين ان هذه الاتفاقية بما تحمله من مواد قانونية لا تنص بأي شكل من الاشكال على ترسيم الحدود و بل تسعى الى التعاون في تنظيم الملاحة البحرية و المحافظة على البيئة البحرية في الممر الملاحي وزيادة على ذلك فأن المادة رقم (6) من هذه الاتفاقية تنص على عدم تأثيرها على الحدود بين الطرفين , ولو عدنا الى قرار مجلس الأمم المتحدة رقم (833) لسنة 1993 سوف نجد ان المجلس قد ارتكب مخالفة دستورية واضحة كون ان العراق مازال في ذلك الوقت تحت الفصل السابع وان المواد في هذا الفصل لا تجيز للمجلس تشكيل لجان لترسيم الحدود “
وهذا ما أكده الناطق باسم الحكومة العراقية باسم العوادي في يوم الأربعاء المصادف 2/8/2023, حيث بين لوكالة الانباء العراقية (واع)” إن ملف الحدود العراقية الكويتية تحول منذ عام 2003 الى ملف ابتزاز سياسي , من خلال بث إشاعات واتهامات من كتل وأحزاب سياسية مختلفة للتشهير و الإساءة لكل الحكومات السابقة , بحجة ان هذه الحكومات فرطت بالحدود العراقية الكويتية وهذا طبعا مجرد كذبة ” , مبينا, “ان الحدود رسمت في ال 10 من تشرين الثاني عام 1994 , حيث عقد اجتماعان لمؤسسات النظام السابق أنذاك , الأول هو اجتماع المجلس الوطني السابق يوم 10 تشرين الثاني سنة 1994 والذي اصدر قرار بالامتثال لقرار مجلس الأمم المتحدة رقم (833) لسنة 1993 و اعتراف جمهورية العراق بالحدود الدولية بين العراق و الكويت
الخاتمة:
تمثل اتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله بين العراق والكويت إحدى المحطات المهمة في تاريخ العلاقات بين البلدين، حيث جاءت في سياق محاولات تنظيم الملاحة والمحافظة على هذا الممر المهم. وعلى الرغم من توقيع هذه الاتفاقية الا انها مازالت مثار جدل داخلي في العراق، ولما لها من ارتباطات مباشرة بالسيادة الوطنية والمصالح الاقتصادية. كما ان الطعن بدستورية التصديق على الاتفاقية يعكس عمق الحساسية تجاه أي التزامات تمس حدود البلد والمياه الإقليمية، ويؤكد أهمية التعامل الحذر والشفاف مع مثل هذه الملفات لما تحمله من تأثيرات سياسية وقانونية.