محسن باك آيين، سفير إیران السابق في أذربيجان، وأوزبكستان، وتايلاند، وزامبيا ومحلل بارز في القضايا الدولية.

من المستفيد من مصالحة السعودية مع قطر؟

أعلنت السعودية في الخامس من حزيران 2017 قطع علاقاتها الدبلوماسية رسمياً مع قطر، وفرضت عقوبات شاملة على الدوحة، وعلى إثر ذلك تم إغلاق الطرق كافة البرية والبحرية والجوية السعودية، وكذلك طرق الدول الحليفة لها أمام قطر. ومباشرةً أعلنت مصر والإمارات والبحرين دعم قرار الرياض، وبضغط من الحكام السعوديين أقدمت كل من ليبيا واليمن ومولدافيا والسنغال وموريتانيا وتشاد وجزر القمر والنيجر والغابون على قطع علاقاتها مع قطر. وأعلنت الحكومة الأردنية في السادس من حزيران 2017 عن تخفيض مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع قطر.

يوم الأربعاء في السابع من حزيران أعلن دونالد ترامب في اتصال مع الملك السعودي سلمان عن دعمه لقرار الأخير، ويوم الجمعة في التاسع من الشهر نفسه 2017 أعلن الرئيس الأمريكي رسمياً “أن قطر تأريخياً تدعم الإرهاب مالياً وعلى مستوى عالٍ.” وطلب ترامب من قطر التوقف عن تقديم الدعم المالي للإرهابيين.

وجهت السعودية بدعم من أمريكا وعدة دول عربية إنذاراً لقطر مدته 24 ساعة يتضمن تنفيذ عشرة شروط لاستئناف العلاقات مع الدوحة. وهذه الشروط كانت عبارة عن:

-قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران وتركيا فوراً.

-طرد أعضاء حركة حماس من قطر.

-إغلاق حسابات أعضاء حماس البنكية وإيقاف الدعم المالي المقدم لهم.

-طرد أعضاء حركة الإخوان المسلمين المصريين.

-طرد معارضي مجلس تعاون دول الخليج الفارسي من قطر.

-إيقاف دعم المجموعات الإرهابية.

-وقف التدخل في الشؤون الداخلية المصرية.

-إيقاف بث برنامج على قناة الجزيرة.

-الاعتذار من خمس دول أعضاء في مجلس تعاون دول الخليج بسبب الأخبار التي بُثت على قناة الجزيرة.

-الالتزام بسياسات مجلس تعاون دول الخليج كافة.

في الثامن من حزيران  2017 صرح وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة: تتمحور أحد شروط تطبيع علاقاتنا مع الدوحة حول ابتعاد قطر عن إيران التي تعتبر العدو الأول للدول العربية في الخليج الفارسي.

ورداً على الإجراءات العدائية للتحالف السعودي ضد قطر، انخرطت إيران وتركيا في دعم الدوحة. طبعاً أعلنت إيران أن ظهور توتر بين دول الجوار لا يفيد أمن المنطقة، وأن دعمها لقطر يأتي في سياق العمل الإنساني واحترام الجيران.

حيث فتحت إيران أجواءها الجوية أمام الرحلات الجوية لشركات الطيران القطرية بما في ذلك الخطوط الجوية القطرية، وبدأت عمليات إرسال المواد الغذائية إلى الدوحة حتى لا يواجه الشعب القطري مشكلة غذائية. وأعلنت شركة الخطوط الجوية الإيرانية في 11 حزيران 2017 عن إرسال خمس طائرات إلى قطر تحمل على متنها مواد غذائية. تم وضع ثلاثة موانئ هي ميناء بوشهر وبندر عباس وميناء لنكه تحت تصرف قطر، وكانت شركة الخطوط الجوية القطرية تجري رحلاتها إلى أوروبا عن طريق الأجواء الإيرانية.

قفزت أسعار النفط الخام في ذات اليوم الخامس من يونيو حزيران 2017. وصل سعر برميل خام برنت إلى 50.48 دولاراً للبرميل مرتفعاً بنسبة 1.1%؛ فانعكس هذا الأمر إيجاباً على إيران، وتسبب في ارتفاع عائدات طهران النفطية.

في المحصلة -بسبب الدعم الإيراني والتركي الشامل لقطر وعدم فاعلية العقوبات والتهديدات السعودية ضد قطر- وبعد مرور شهر تقريباً يعني في التاسع عشر من تموز 2017 تراجع وزراء خارجة الدول التي تفرض حصاراً على قطر، وأعلنوا خلال مؤتمر صحفي عُقد في مكتب مندوب الإمارات الدائم في الأمم المتحدة أنهم لا يعتبرون “التنفيذ الدقيق” للشروط الثلاثة عشر من قبل قطر شرطاً لرفع العقوبات وليس ثمة موعد نهائي لذلك، وخفضوا مطالبهم إلى “ستة مطالب” تمثلت في مكافحة التطرف والإرهاب.

لاحقاً في 17 أب 2017 أضاء الملك السعودية الضوء الأخضر ثانيةً للدوحة ووافق على مشاركة الحجاج القطرين في مراسم الحج في ذلك العام عن طريق المعبر الحدودي البري بين البلدين دون الحاجة إلى الحصول على بطاقة الحج الذكية. وأصدر أمراً للخطوط الجوية السعودية للعودة من المنامة إلى الدوحة، وتكفل بدفع تكاليف نقل الحجاج القطريين.

كانت تطمح كلٌ من السعودية وأمريكا إلى تحقيق أهدافهما عبر معاقبة قطر ولاسيما عزل ايران. وفي أعقاب فشل العقوبات وهزيمة ترامب في الانتخابات، هرعتا للمصالحة مع قطر. أدى الإجراء السعودي المتسرع والمنفعل إلى انتهاء العقوبات والحصار المفروض على قطر منذ سنوات عدة. وشاركت قطر منتصرة في قمة السعودية.

حضرت الدوحة منتصرة القمة السعودية المنعقدة في مدينة العلا الصحراوية. حيث استقبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أمير قطر المشارك في القمة لأول مرة بعد ثلاث سنوات ونصف في الأحضان. ولم تذعن قطر لأي شرط من الشروط الثلاثة عشر، بل قبلت المشاركة في إصدار بيان مشترك حول أمن المنطقة وبذلك أعلنت انتصارها على مرأى أعين السعودية وحلفائها العرب. ولم يتم الكشف عن فحوى هذا البيان حتى اللحظة.

وبحسب ما ذهب إليه أحد المحللين الغربيين، فإن أكبر امتياز منحته قطر للسعودية تمثل في الاعتراف بولي العهد الأمير محمد بن سلمان كحاكم جديد للمنطقة، وجاء ذلك على شكل قبلة فحسب.

في نهاية المطاف ونتيجة دعم إيران ودول أخرى مثل تركيا، لم ينجح الحصار الذي ضيق الخناق على إمارة قطر الصغيرة في دفع هذا البلد إلى الاستلام. كانت قطر قبل فرض العقوبات تعتمد على الحدود البرية مع السعودية لتأمين بضاعها، لكنها اليوم تتجه إلى إيران وتركيا وعُمان والكويت، وأحدثت خطوط نقل بحرية جديدة. في الحقيقة عوض أن يتسبب حصار قطر في إصابتها بالشلل صاعد من مقاومتها واستقلالها وقربها أكثر من إيران وتركيا.

يقول صموئيل رماني الباحث في جامعة أكسفورد وعضو رابطة الخليج الدولية في واشنطن: إن “قطر نوعت من طرق تأمين احتياجاتها الزراعية والصناعية وتمثلت النتيجة الحقيقة الناجمة عن حصار قطر في تشكيل تجمع يضم شركاء جدد ومتنوعين لهذا البلد”.

وأعرب المحللون الإماراتيون عن أن قوة قطر لم تتضرر جراء الحصار كما أن تحركها باتجاه توجيه “انتقاد أكثر حدة” لبقية دول الخليج شكل في الحقيقة السبب الرئيس للمصالحة التي حصلت يوم الثلاثاء.

وقال عبد الخالق عبدالله الخبير السياسي الإماراتي أيضاً: “لقد تبلورت حقيقة مفادها أن العقوبات لا يمكنها تغيير السياسات، فاليوم قطر أصبحت أشد قرباً من أعداء الإمارات الإقليميين”

عندما ينتهي الجدل الدعائي الدائر في الإعلام العربي-العبري-الغربي بشأن تضخيم المصالحة بين السعودية وقطر، حينئذ يتضح بجلاء أن الرابحين الرئيسيين من هذه المغامرة هم قطر وايران وتركيا وحماس، والآن تشاهد الدول العربية والأمريكية التي راهنت على الحصان الخاسر المشهد وهم خالو الوفاض.

 ومع ذلك ما يزال من غير الممكن التفاؤل بأن الخلافات الجدية التي نشبت بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر مع قطر قد انتهت، بيد أن القطريين اكتسبوا خبرة في هذا الصراع ومن الآن فصاعداً سيتحلون بالدهاء والفطنة في موضوع تمييز صديقهم عن عدوهم.

المصدر: الدبلوماسية الإيرانية  https://b2n.ir/334809