فاطمة خادم شيرازي: باحثة وأستاذة محاضرة في جامعة العلوم التطبيقية.

إن السعودية بحاجة ملحّة إلى الموقع الجيوسياسي لبلدان القرن الأفريقي؛ لمواجهة التأثير الأمني السياسي للمنافسين الإقليميين؛ ولذلك عززت مصالحها، وحافظت على نفوذها وتفوقها في المنافسة الإقليمية عبر صب دولارات عائداتها النفطية؛ لأن عدم الاستقرار في القارة السوداء يهدد موقع السعودية.

إن السعودية -من خلال اطلاعها على الحالة السيئة التي تعاني منها حكومات بلدان القرن الأفريقي، واعتمادها على الدعم الاقتصادي ورأس المال الأجنبي- بادرت بالاستثمارات الهائلة في مجال الأمن الغذائي بالاستثمار الزراعي خارج الحدود؛ لتلبية الاحتياجات الغذائية عبر البلدان الأفريقية، فهذا الأمر يؤدي إلى السيطرة على أزمة الديون الخارجية، وتحسين الوضع الداخلي، وخلق فرص العمل والازدهار التجاري في هذه البلدان، وقد أدى بدوره أيضاً إلى تعزيز العلاقات مع هذه البلدان.

وتعدُّ السعودية سادس أكبر شريك تجاري لإثيوبيا بحوالي 6 مليارات دولار، وفضلاً عن ذلك فإن تصاريح العمل لعشرات الآلاف من العمال الإثيوبيين، عززت العلاقات بين البلدين في السنوات الأخيرة. وبعد انضمام الرياض لمنظمة التجارة العالمية عام 2005 حُددت إثيوبيا واحدةً من أهم الدول للاستثمار من قبل المواطنين السعوديين. وفي عام 2016 -بموجب اتفاقية التعاون التجاري والاقتصادي والأمني بين السعودية وإثيوبيا- زوّد صندوق التنمية السعودي 305 مستثمرين سعوديين و69 شركة سعودية بالتمويل لتطوير الإمكانات الإثيوبية. إن إثيوبيا هي الدولة الوحيدة في القرن الأفريقي التي لم تكن مستعمرة لبلدان أخرى وقد حافظت دائماً على الاستقلال في الصراعات في أفريقيا. ومع تولي الرئيس أبي أحمد لمنصب رئيس الوزراء عام 1918 ارتفع النمو الاقتصادي للبلاد إلى 10% وتحسنت الظروف المعيشية للشعب. وكان الرئيس أبي أحمد -بمعرفته بقدرات وموقع بلاده، واطلاعه على مدى اعتماد السعودية على الموقع الخاص لهذا البلد الساحلي للبحر الأحمر والقرن الأفريقي، مع قبول الدعم المالي والتعاون الاقتصادي والأمني المشترك- قد جنَّب بلاده من الأزمة في الخليج العربي، ولاسيما إزاء ما يحدث في اليمن. ومن جهة أخرى -من أجل تحسين الوضع الاقتصادي وتقريب بلاده من المعايير العالمية، وبناء بلاده- أنهى الحرب بين إثيوبيا وإريتريا، وحصد جائزة نوبل للسلام في عام 2019.

وهناك عاملان قد تسببا في تشويه العلاقة بين السعودية وإثيوبيا جزئياً في السنوات الأخيرة وهما كالآتي:

الأول: تسعى إثيوبيا لبناء سد ضخم تحت عنوان “النهضة” بهدف توليد الكهرباء في البلاد، وقد تسبب هذا الأمر في قلق كبير لمصر؛ لأن حجم المياه وتراكمها خلف السد قد قلل كثيراً من حصة مصر والسودان ومواردهما المائية من النيل، وفي الأبعاد السياسية والاقتصادية والأمنية أيضاً، يمكن استخدامه في المستقبل كأداة ضغط ضد هذين البلدين. لقد مارست الحكومة السعودية الكثير من الضغوط على الحكومة الإثيوبية لدعم مصر بعد وصول عبد الفتاح السيسي إلى السلطة.

الثاني: اعتقال محمد حسين العمودي، مستثمر سعودي إثيوبي بارز، خلال برنامج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لمكافحة الفساد. واستثمر العمودي حوالي 4/3 مليار دولار في جميع قطاعات الاقتصاد الإثيوبي تقريباً، بما في ذلك بناء الفنادق وقطاع الزراعة وعلم الفلك، واستطاع تغطية 7/4% من إجمالي الناتج المحلي وأكثر من 100 ألف شخص، فضلاً عن تغطية 14% من موظفي القطاع الخاص في إثيوبيا. ووصل دعم رئيس الوزراء الإثيوبي للإفراج عن هذا المستثمر إلى حد أدى إلى استدعاء السفير الإثيوبي لدى السعودية وكذلك القنصل الإثيوبي في جدة، واضطرت السعودية إلى إطلاق سراح العمودي الذي بدروه سيؤدي إلى حدوث شرخ في جدار العلاقات السياسية والاقتصادية في المدى الطويل بين البلدين وسوف يعرض وجود النظام السعودي في المنطقة الاستراتيجية من القرن الأفريقي إلى مشكلات جديدة.

وقد طردت الحكومة السعودية منذ عام 2013 مئات الآلاف من العمال المهاجرين دون سابق إنذار، وذلك لخلق المزيد من فرص العمل لمواطنيها. يوجد في السعودية عشرة ملايين عامل مهاجر أجنبي معظمهم من الأفارقة، وأغلب العمال طرداً في البلاد هم من الإثيوبيين الذين تعرضوا للعنف، وقد أثار هذا الأمر مخاوف في علاقات السعودية مع بلدان القرن الأفريقي.

لقد أدى الانخفاض الحاد في أسعار النفط والانكماش الحاد في ميزانية السعودية إلى طرد 3000 مهاجر إثيوبي من البلاد. وأعاد المسؤولون السعوديون المهاجرين على نطاق واسع إلى بلد يعاني من انتشار فايروس كورونا، والفقر، وانعدام الأمن دون إجراء فحوصات. وفي وقت سابق، ذكرت بعض وسائل الإعلام أن السعودية تعتزم طرد آلاف الإثيوبيين بمن فيهم أولئك الذين يشتبه في أنهم مصابون بمرض كورونا. وانتقدت الأمم المتحدة طرد المواطنين الإثيوبيين من السعودية، ووصفت الخطوة بأنها ستجعل مرض كورونا ينتشر على نطاق واسع، وطالبت السلطات السعودية بوقف هذا الإجراء، ولكن يبدو أن السعودية فعلت ذلك لإثبات قدراتها الذاتية من جهة، والتبعية الاقتصادية التي تعاني منها الحكومة الإثيوبية من جهة أخرى.

الرؤية

تشترك معظم البلدان في القرن الأفريقي في الفقر والتخلف الاقتصادي، ولذلك، فإن أحد الأهداف المهمة لإثيوبيا هو جذب المساعدات المالية والاستثمار الأجنبي. ومن هذا المنطلق، فإن أي نوع من التواصل والاتفاق مع الدول العربية يقوم على أساس المصالح الاقتصادية. إن توظيف عمال هذا البلد من قبل الحكومة السعودية والدول العربية الأخرى، يؤدي إلى جلب العملة الصعبة لإثيوبيا.

إن طرد العمال الإثيوبيين من السعودية، واتساع رقعة انتشار فايروس كورونا، سيؤديان إلى مزيد من الوفيات في القارة الأفريقية. إن أفريقيا لديها نظام صحي هش، وهناك 34% من الناس فقط يستطيعون الوصول إلى المراكز الصحية لغسل أيديهم؛ ولذلك فإن انتشار هذا المرض سوف يسبب أضراراً جسيمة لهذه القارة.

 يمكن أن تؤدي عمليات طرد العمال الإثيوبيين في مرحلة ما بعد كورونا إلى تحول في سياسة إثيوبيا الخارجية تجاه مكانة السعودية في القرن الأفريقي، وتعزز موقف دول مثل تركيا والإمارات وقطر للاستثمار في إثيوبيا. لقد كانت إثيوبيا بين عامي 2017 و2018 واحدة من أكبر خمس دول في جذب الاستثمار الأجنبي في أفريقيا، ولقد مُوّلت هذه الاستثمارات من قبل 152 شركة أجنبية من الصين، وإندونيسيا، وماليزيا، وهونغ كونغ، والسعودية، وكوريا، ومصر، والسودان، والنرويج. ولكن بما أن الاستثمار السعودي يقع في الغالب في القطاع الزراعي الإثيوبي -الذي غالباً ما يكون استثماراً مباشراً- فقد يواجه هذا البلد في مرحلة ما بعد كورونا مشكلات خطيرة في الأمن الغذائي. فمن ناحية -بما أن معظم العمال الذين تم تسريحهم من المسلمين- فإن السياحة الدينية (الحج) في السعودية ستواجه انخفاضاً في مرحلة بعد كورونا، ومن ناحية أخرى -بما أن السعودية تتولى خدمة الحرمين الشريفين- فإن هذا الأمر يقلل من ثقة الجماهير المسلمة الأفريقية بالسلطات السعودية.

المصدر:

المركز الدولي لدراسات السلام –IPSC