back to top
المزيد

    مستقبل أوبك وأوبك + في مهب الغموض

    شهرة بولاب، دكتوراه في الجغرافيا السياسية.

    الحرب النفطية بين روسيا والسعودية وأمريكا

    تناول الاجتماع الثامن لمنظمتي أوبك وأوبك + -الذي عُقد في الخامس والسادس من شهر آذار 2020 في فيينا- مسألة تنسيق كميات إنتاج النفط للحد من التقلبات غير المتوقعة لسعر الخام. في حين شددت السعودية -التي تعد أحد أهم أعضاء أوبك- على ضرورة خفض الإنتاج، بيد أن روسيا -العضو في أوبك+- لم تمتثل لدعوات خفض معدل الإنتاج. وفي الوقت الذي اشترط فيه وزراء النفط في الدول الأعضاء في أوبك خفض مليون برميل من إنتاج المنظمة بمسألة خفض الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل من إنتاج الدول الأخرى عارضت روسيا مسألة تقييد إنتاج النفط؛ وتسبب هذا الخلاف في هبوط أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية بمعدل يزيد على 70.٪

    لقد أفضى تفشي فيروس كورونا في أكثر من 70 دولة في العالم إلى انخفاض الطلب على النفط، وتبعه هبوط حاد في الأسعار وصل إلى حدود 30 دولاراً للبرميل الواحد. فشكل موضوع عدم وجود توازن في العرض والطلب في سوق النفط العالمية بالتزامن مع انخفاض معدل النمو الاقتصادي للدول الرئيسة المستهلكة للنفط أحد العوامل المؤثرة في هبوط سعر النفط.

    كانت الأسواق العالمية متفائلة بحدوث اتفاق بين الرياض وموسكو وبقية المنتجين في أوبك وغيرهم من خارج أوبك، لكن بعد انتهاء المفاوضات بين السعودية وروسيا ولم يتمكنوا من رسم أفق واضح لحامل الطاقة هذا، لكن يبدو أن اختلاف وجهات النظر بين عملاقي إنتاج النفط -روسيا والعربية السعودية- استهدف سياسة “هيمنة الولايات المتحدة على الطاقة” في صادرات النفط إلى أوروبا وآسيا، الذي سينتج عنه اتخاذ إجراءات ستجعل مستقبل أوبك والسعودية وروسيا وأمريكا مهماً وحيوياً.

    في عام 2014 تمكنت الولايات المتحدة في أعقاب الثورة التي حدثت في تكنولوجيا النفط في شركة شل من الاستحواذ على جزء كبير من سوق النفط العالمية، إذ تصاعد إنتاج شل من النفط في السنوات اللاحقة من 0.4 مليون برميل في اليوم إلى أكثر من 4 ملايين برميل؛ واحتجاجاً على هذا الوضع حاولت السعودية العمل على منع ضخ النفط في الأسواق العالمية حتى تتمكن -عبر كسب مليارات الدولارات من احتياطات النقد الأجنبي- من مقاومة انخفاض الأرباح على المدى البعيد.

    وشّكل الركود الاقتصادي خلال سنتي 2015 و2016 والحاجة إلى خفض سعر النفط في الصين فرصة سانحة لتحافظ السعودية وروسيا على استقرار عوائدهما وثباتها. وفي عام 2016 توصل البلدان إلى نتيجة مفادها: أن التعاون الثنائي بينهما وليس الأحادي سيمكنهما من تغيير السعر العالمي للنفط.

    خلال الأشهر الأخيرة تجاوزت الولايات المتحدة بإجمالي إنتاجها من النفط -البالغ قرابة الـ 11 مليون برميل في اليوم- السعودية وروسيا لتغدو أكبر منتج للنفط في العالم. وعلى الرغم من ذلك استمر اتحاد الرياض وموسكو لعدم وجود أي خلل رئيس في سوق الطاقة، إلى الوقت الذي تسبب فيه تفشي فيروس كورونا بانخفاض الطلب على النفط في آسيا ولاسيما في الصين؛ ففي هذا الوقت دخلت السعودية وروسيا مرحلة جديدة فرضت الاختيار بين استمرار تعاون البلدين أو الدخول في سوق أشد تنافسية.

    يبدو جلياً أن دخول روسيا والسعودية إلى هذه المرحلة الجديدة بإمكانه أن يخلّف أضراراً جسمية على اقتصاد البلدين، فانخفاض أسهم الشركات الوطنية “روس نفط” و”أرامكو” في الوقت الراهن سيكون دليلاً على هذه المزاعم، إذ تحتاج السعودية إلى إيجاد توازن في ميزانيتها ليكون سعر النفط بحدود 47.50 إلى 50 دولاراً للبرميل، وإن روسيا مرتبطة إلى حد بعيد بموضوع صادرات النفط ولإيجاد توازن في ميزانيتها تحتاج إلى أن يكون سعر النفط أعلى من 45 دولاراً للبرميل. ونظراً إلى الخلاف على خفض السعر اللازم لكل برميل نفط، يتبادر هذا السؤال إلى الذهن: من أجل تثبيت سعر النفط لماذا لم تتعاون روسيا مع أوبك لخفض الإنتاج؟

    إن روسيا ليست عضواً في منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” لكنها تعدُّ واحدة من أكبر ثلاثة منتجين للنفط في العالم، وخلال السنوات الأخيرة تعاونت مع هذه المنظمة لتنظيم سعر النفط عبر تثبيت معدل الإنتاج، وإن عدم التوصل إلى اتفاق بين أوبك وأوبك+ لخفض الإنتاج يُقدر بأنه يمثل فرصة ملائمة لموسكو من أجل التأثير على صادرات النفط الأمريكية. وفي ضوء عدة استنتاجات يمكن التطرق إلى كيفية اختيار المواجهة وليس الاتفاق بين روسيا والسعودية على النحو الآتي:

    أولاً: رفضت روسيا التعاون مع السعودية لخفض الإنتاج؛ لأن راسمي السياسات النفطية الروسية يعتقدون أن أي خفض في الإنتاج سيشكل فرصة سانحة لمنتجي شركة شل في الولايات المتحدة الذين استفادوا منذ عام 2016 من سياسة أوبك في خفض الإنتاج.

    ولكبح نفط شركة شل الأمريكية والتسبب بشله يحتاج الأمر ليكون سعر البرميل 50 دولاراً، فحالات الإفلاس اللا محدودة وتقييد الميزانية بهدف بقاء الشركات في إنتاج منخفض جداً في 2020 و2021 يمكن أن يصب في سياق أهداف الروس الرامية لخفض نفط شل وجعله في المرتبة الثالثة بين منتجي النفط.

    لكن هذا الاستدلال لا يمكنه تجاهل أمر واقعي، فإذا تعرض نفط شل في ضوء ظروف ركود الأسعار لضربة، فإن مسألة قيام المنتجين الأمريكيين بمغادرة السوق أمر غير منطقي، وإن احتمال العودة إلى السوق كبير جداً عند ظهور أول بارقة لارتفاع السعر؛ وبناءً عليه من المرجح أن تخسر روسيا هذه اللعبة.

    انطلاقاً من أن صناعة النفط والغاز تشكل تقريباً 8% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة ما يشكل 10% فقط من معدل النمو الاقتصادي فبإمكان أمريكا أن تخفض إنتاجها من النفط بسهولة ويسر، وهذا الأمر ينطبق على الاقتصادات التي تفك ارتباطها مع النفط، في حين القدرة على تحمل سعر منخفض للنفط من قبل اللاعبين المرتبطين اقتصادياً ببيع النفط ستغدو مشكلة؛ حيث يشكل إنتاج النفط والغاز 15% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي لروسيا وتشكل حصة الناتج المحلي الإجمالي في النمو الاقتصادي تقريباً 99% فانخفاض إنتاج النفط سيخلف تأثيراً مباشراً ووخيماً على معدل نمو الاقتصاد الروسي.

    ثانياً: يمكن عزو القسم الآخر من سياسة روسيا المتمثل بمعارضة السعودية بما يتعلق بخفض معدل الإنتاج وإرغام السعودية على خفض الإنتاج من جانب واحد، إلى أخذ الضرر الناجم عن هبوط أسعار النفط والأضرار الناجمة عنها على اقتصاد السعودية بالحسبان.

    وبشأن ما يثبت صحة هذا الاستدلال يمكن القول: إن السعوديين مثل الروس ليسوا في وضع جيد لإيجاد توازن في الميزانية؛ لكن الاختلاف بين الدولتين يتمثل أولاً في أن تكاليف إنتاج النفط في السعودية أقل بكثير من تكاليف إنتاجه في روسيا، وثانياً احتياطات الرياض النفطية أكثر بـ2.5 ضعف من الاحتياطات النفطية الروسية؛ وبناءً عليه فإن السعودية في ظل وجود طلب على النفط ستمتلك مقدرة على الاستخراج بمعدل أعلى.

    ثالثاً: من وجهة نظر روسيا فإن الاتفاق مع السعودية لخفض إنتاج النفط بهدف إبقاء سعر النفط مرتفعاً بإمكانه أن يصب في مصلحة شركة شل والاقتصاد الأمريكي؛ لذلك أرجأت موسكو مسألة التعاون مع الرياض إلى وقت لاحق.

    فقد كانت موسكو تمني النفس أن تماشي الرياض سياساتها حتى تكون الضربة الموجهة لاقتصاد المنتجين في شركة شل الأمريكية أكثر قوةً، لكن استراتيجية الرياض النفطية تسببت في الابتعاد عن موسكو وأوبك بلس.

    سينتج عن تقويض التحالف المندفع بين السعودية وروسيا اتخاذ موسكو مسار جديد تتنافس فيه مع الولايات المتحدة والسعودية أيضاً في الوقت نفسه؛ وفي نهاية المطاف يمكن القول: إنه نظراً إلى هشاشة اقتصاد موسكو والرياض فإن استمرار المواجهة لن يصب في مصلحة أي طرف من الأطراف.


    المصدر:

    موقع الدبلوماسية الإيرانية

       https://b2n.ir/093039