الدكتورة كلناز سعيدي أستاذة جامعية.

ملخص

أعربت واضعة نظرية Kimberle Crenshaw- (كيمبرلي ويليامز كرينشو) بما يتعلق بجزء من الهويات المزدوجة ما يأتي:

“حينما يتعذر إطلاق اسمٍ على مشكلةٍ ما، فلن تتمكنوا من مشاهدة المشكلة، وعندما تعجزون عن مشاهدة المشكلة فلن تفلحوا في حلها.”

تتعرض الهزارة -بسبب العرق الذي تنتمي إليه إحدى الأقليات في أفغانستان- لأفظع أنواع التنكيل والاضطهاد، وتتعرض النساء -في أكثر المجتمعات ذات السلطة الذكورية- للتعنيف والاستغلال بطرق مختلفة. لكن عموماً تتعرض النسوة الأفغانيات للاضطهاد بسبب عرقهن ونوع جنسهن.

يستدل هذا المقال عبر تحليل قوانين الميراث المشفرة في أفغانستان على أن نساء الهزارة من الناحية القانونية والاجتماعية مستلبات حق التملك، وسيسلط الضوء في الظلم والاضطهاد الواقع على النساء الأفغانيات جراء القانون المدني الأفغاني، ومن ثم شرح تفاصيل الظلم والاضطهاد الواقع على طائفة الهزارة في أفغانستان.

قوانين الميراث في أفغانستان

تعدّ قوانين الميراث في أفغانستان قوانين مدونة وعرفية، فالدستور الأفغاني المعتمد في عام 2004 الذي كان ثمرة لمؤتمر الأمم المتحدة في أعقاب الإطاحة بطالبان عام 2001، يعدّ نصاً مشفراً معترفاً به كقانون شرعي نافذ في هذا البلد. وينظم القانون المدني الأفغاني -الذي يشتمل على (327) فقرة- حقوق الملكية في أفغانستان. جاءت حقوق الملكية هذه في سياق (1000) مرسوم إداري، لكن هناك استثناءات مثيرة للاهتمام. ففي أفغانستان تطبّق قوانين العرف إلى جانب لوائح القانون بما يتعلق بالنساء فحسب؛ ونظراً إلى عملية التشريع في الكثير من الدول الإسلامية، فقانون الشريعة في أفغانستان معترف به كونه قانوناً عرفياً فريداً من نوعه؛ وبناءً عليه فالقانون يفسّر من الناحية القضائية باعتباره تركيباً من الشريعة والقانون المدون. ويشير تحليل كلا القانونين إلى أنهما متحيزان بشدة ويتعاملان مع النساء عموماً بتحيز، ويستند القانون المدني إلى أربعة مبادئ: إذ يتمتع الأولاد، والوالدان والزوجات بحق الميراث، لكن نصيب الرجل أكبر من نصيب المرأة في الميراث، وتحصل النساء بعد سداد ديون الميت على نصف الأموال التي يحصل عليها الرجال فقط. وإن التبرير الرسمي للطبيعة الصارمة لهذه القوانين مرتبط بمفهوم الذكورية الواسع النطاق، حيث يتعين على الرجل العناية بالعائلة والاهتمام بشؤونها، بناءً عليه ليس مستغرباً هذا الأمر؛ لأن القوانين نفسها تعدّه قوّاماً ومقدماً.

تثقل قوانين العرف الموجودة في أفغانستان، وتضيق على حقوق تملك النساء الأفغانيات، وعلى الرغم من أن الشرع يعد قانوناً عرفياً رسمياً في أفغانستان، لكن على صعيد الشرعية الاجتماعية ما تزال هناك قوانين قانونية غير شرعية تحرم النساء تقريباً من حق وراثة الرجل. لكن الحالة الرئيسة النابعة من تطبيق هذه القوانين العرفية التي يمكن فرض عقوبة بشأنها قانونياً، تتعلق بمسألة وراثة الرجال فحسب. ففي أثناء موت الزوج يحصل شقيق المتوفي على المال، وإذا طالبت الزوجة الأرملة بنصيبها من الأصول فحينئذ يتعيّن عليها الاقتران بشقيق زوجها، ويحق لها العيش في أملاك الزوج، لكن لا يحق لها امتلاك هذا الملْك الذي أتاحه القانون لها. في نهاية المطاف وطبقاً لقانون الشرع يحق للنساء المطالبة بحقوق الملكية في حالة الطلاق، لكن -بسبب التوجس من ممارسة العنصرية الاجتماعية- يحصلهن على الطلاق بصعوبة فائقة. تشير التقديرات إلى وجود قرابة مليون أرملة في أفغانستان و90% منهن بمعدل وسطي لديهن أكثر من أربعة أولاد. ويمكن تلخيص أسباب هذا الظلم في حقوق الإنسان في دليلين اثنين: أولاً: افتقاد البنية التحتية المنظمة للتطبيق الأمثل للقانون المدني، إذا اقتربت النساء من حقوقهن، فإن اعتبارهن وحيثيتهن العامة تتعرض للتشهير. ثانياً: أغلب النسوة الأفغانيات أميات وغير مطلعات على القوانين المدونة، وانطلاقاً من أن المواطنين في هذا البلد يعيشون في حالة من الحرية بعد الحرب، فهم غارقون وسط فقاعة اجتماعية، ويتعيّن على الحكومة تعزيز آليتها الهيكلية للوصول إلى المزيد من الناس.

من هم الهزارة؟

من وجهة نظر حقوق الانسان، فالهزارة هم أشخاص يحملون هوية تتعرض للاضطهاد الشديد ويعيشون بين الشعب الأفغاني، حيث يشكل الهزارة تقريباً من 10 إلى 20% من تعداد السكان في أفغانستان، وهناك تصنيف قبلي مهم موجود في النظام البيئي الأفغاني يعد الهزارة القبيلة الأحط قدراً ومنزلةً، في حين يحظى البشتون بالمقام الأرفع والمنزلة الأفضل.

تتعرض الهزارة منذ أواخر عقد 1890 حتى اليوم إلى الاضطهاد الأشد والظلم الأعتى الذي وقع عليهم لأول مرة حدث على يد الحاكم سيّئ الصيت عبد الرحمان خان الذي كان يسوغ اضطهاده الذي وقع عام 1892 ميلادي وينسبه إلى حقيقة أن الهزارة يتبعون للشيعة. وهذا الأمر أفضى إلى حدوث إبادة جماعية شملت 50-60% من تعداد الهزارة في أفغانستان. وفي ذلك الوقت شرع الهزارة بالهجرة من أفغانستان، فقد تمثل الهدف النهائي لعبد الرحمن في السيطرة على أكبر قدر ممكن من أراضي الهزارة؛ وفي المحصلة قادت هجرة الهزارة إلى سلبهم ملكية أراضيهم، وأصدر سلاطين آخرون مثل نادرخان أوامر بقتل الهزارة حتى يتم مصادرة أراضيهم. ومع هجوم الولايات المتحدة عام 2001 وتبني دستور أفغاني في عام 2004 أصبح الهزارة يتمتعون بحقوق المساواة. لقد طرأ على حياة نساء الهزارة منذ عام 2001 تحسناً ملحوظاً، وتحسن الوضع التعليمي والسياسي للمواطنين الهزارة بنحو كبير جداً، طبعاً هذه الإنجازات ستتعاظم في حال لم تكن طالبان في السلطة.

قمع الهوية المزدوجة لنساء الهزارة

نظراً إلى المعلومات والمعطيات المذكورة عن تطبيق قوانين توريث النساء الأفغانيات وحقوق تملك الهزارة في الماضي، فسنتناول الأمر استناداً إلى نظرية الهوية المزدوجة، وكيف خضعت النسوة الأفغانيات على مرحلتين للاضطاد: الأولى: عبر قانون الميراث المشفر، والثانية من قوانين الميراث العادية.

في المرحلة الأولى -وانطلاقاً من أن نساء الهزارة يرجح انتمائهن إلى عائلات تمتلك أراضي قليلة- فالأمر الذي يبعث على التعجب كون الهزارة من أكثر المجموعات في أفغانستان تعلماً وتحصيلاً للعلم. لكن رغم ذلك فهم يحصلون على 18% فقط من المقاعد في الحكومة، ومن وجهة النظر الاجتماعية يتعين عليهم أخذ الحيطة لأنهم ينتمون إلى الطائفة الشيعية والمجموعات الأجنبية مثل طالبان على خصام مع الشيعة؛ فهذا الأمر تسبب في دفع النساء الهزارة لطرح تساؤلات تتعلق بحقوق ملكيتهن

الآن تخيلوا الأمر، فكيف بوسع امرأة من الهزارة مواجهة مسألة الميراث بموجب قائمة ترميز القانون المدني الأفغاني، يعد التعليم جزءاً مهماً في تعزيز مكانة الهزارة منذ عام 2001. ويتعيّن عليكم أن تدركوا أن أكثر المواطنين الهزارة الذين بقوا في مناطقهم أصبحوا فقراء بسبب الهجمات التي استمرت حتى أواخر القرن العشرين؛ وبناءً عليه على الرغم من أنهم يتمتعون بنسبة تعليم عالية قياساً بسائر المكونات الأفغانية، لكنهم ما يزالون فقراء من الناحية الاقتصادية.

إذا التجأت امرأة بالقانون المدني الأفغاني إلى المحكمة لتقدم إدعاء حول وارثي زوجها الميت أو آبائها؛ فهناك تحديان اثنان ماثلان أمامها يتعين عليها التغلب عليهما وهما: التحدي الاجتماعي والقانوني. كما ذكرنا سابقاً، فإن أغلب النساء الأفغانيات لا تلجأن إلى المحكمة خشية الانتفاضة ضدهن. بنحو عام فقد تعرض الهزارة لعقود عدة إلى الاضطهاد والأذى الاجتماعي، وإن أحد الأدلة المرعبة لهذه الحقيقة يتمثل في السيناريو الراهن، إذ يمكن أن تعد الحكومة وبسرعة أي إرهابي هو من الهزارة، في حين أن أغلب الأفغان يعدون أنفسهم من البشتون؛ وعليه يكون الاقتراب من المحكمة واللجوء إلى النظام القضائي مخاطرة بحد ذاته. لكن افرضوا أن امرأة توافرت لديها القدرة على تخطي الحدود الاجتماعية حيئنذ يتعين عليها مواجهة القانون بذاته. كما أوضحنا آنفاً، فقانون أفغانستان المدون مجحف بحق النساء بشكل كامل. وهناك ظلمان رئيسان ستواجهما المرأة: الأول: نصيبها من الميراث أقل قياساً بالرجل؛ وهذا يعني أنها في الوقت الراهن وبسبب القانون الذي ينص على أن الرجل رب الأسرة ستواجه قيوداً، والآخر: إن المرأة إذا تمكنت من الحصول على مهرها باعتباره جزءاً من التزامات الزوج، فتحصل على ثُمنه فحسب، وستحصل باعتبارها فتاة على ربعه فقط.

يعد دور النساء في قوانين الميراث -بمعزل عن الشيعة- شرعياً وقانونياً بنحو كامل، بيد أن مذهب النساء الشيعي قياساً بالوراثة يبدو أنه أكثر بروزاً، وتسري العادة أن يحصل الرجال فقط على أي أموال.

في أفغانستان إذا كانت هناك امرأة أرملة وكان لها نصيب في مالٍ ما، فلا يمكنها تملكه سوى في حال اقترانها بشقيق الميت. وعلى الرغم من أن أفغانستان منعت بشكل خاص أي تعامل يتعارض مع الشرعية، بيد أن هذه الحالة ما تزال على وضعها الراهن.

النتيجة:

تعدّ أفغانستان بلداً متنوعاً من الناحية العرقية، بيد أن التكوين الحالي للدولة كما جاء بشكل مفصل في دستور 2004، لم يفلح بشكل رئيس في طرح المشاركة والتنمية والاستقرار السياسي المتساوي للأطياف والأعراق كافة ولاسيما الهزارة؛ ولحل الكثير من المشكلات الأخرى، سيكون الدستور مستعداً لمنح صلاحيات واسعة للحكومة المركزية والولايات والنواحي حتى تقوم بانتخاب مسؤوليها المحليين، وتحدد بنفسها أولويات التنمية الخاصة بها وتقوم بتأمين ميزانياتها الخاصة.

فضلاً عن أن مبادرة السلام التي طرحها الرئيس الأفغاني أشرف غني، لا تقدم أية حماية للهزارة وللمجموعات الأخرى، وهناك احتمال بعد انتهاء العداء بين الحكومة الأفغانية والمجموعات المسلحة، أن تتعرض لاستهداف من قبل حركة طالبان.

ونظراً إلى وضع النساء -ولاسيما نساء الهزارة في أفغانستان- فيتعين على الحكومة الأفغانية اتخاذ إجراءات فاعلة وعملية في سياق الدستور، والمواثيق الدولية لحماية نساء الهزارة، وأن تتبنى استراتيجية وطنية للتنمية لتحسين الوضع القانوني لنساء الهزارة وسائر النساء الأخريات.

قدمت اللجنة المستقلة لحقوق الإنسان الأفغانية عدة مقترحات إلى الحكومة الأفغانية لجهة تحسين وضع حياة النساء؛ ومنها:

– رفع مستوى التعليم وتثقيف الرأي العام بما يتعلق بالحقوق والامتيازات الاجتماعية والفردية للمواطنين ولاسيما المكانة والموقع القانوني للنساء في العلاقات العائلية والاجتماعية عن طريق طرح وإجراء برامج تعليمية على نطاق واسع وبشكل مستمر من قبل وزارت: التربية، التعليم العالي، الحج والأوقاف، العدل، وزارة شؤون المرأة، وبقية الوزارات.

– تأمين الفرص وإعداد الظروف الملائمة لتأمين فرص عمل للنساء بهدف تهيئة الأجواء للاستقلال المالي، وإزالة التبعية المالية الشديدة للنساء إلى رجال العائلة، تأمين فرص إدارية للنساء في المستويات العليا في الإدارات والمنظمات الوطنية والخاصة ومنحهن الحق في اتخاذ القرارات ورسم السياسات الوطنية الكبيرة؛ وذلك بهدف إيجاد ضمانات دائمة لدعم دور النساء في الحياة الاجتماعية وتعزيزه.

– خلق مناهج فاعلة لمكافحة سيادة العرف وإحداث تغيير في رؤيتهن اتجاه الخرافات، أو خلق رؤية جديدة لإبعاد الأفغانيين عن الخرافات التي تتسبب في أذى بالغ لحقوق الإنسان الخاصة بالنساء، وتستمر بدعم ثقافة الذكورة السائدة.

– خلق الظروف السليمة الملتزمة والمتخصصة في النظام القضائي والعدلي للبلاد بهدف التخلص من ثقافة الحصانة والاستثناءات والتصدي للأفراد الداعمين لاستمرار ثقافة الحصانة والاستثناء جدياً.

وفي نهاية المطاف تشكيل محكمة أسرة في الولايات كافة، وفرض قانون إجباري ينص على تسجيل الزاوج والاستفادة من عقده.

وعلى الرغم من كل المساعي التي بذلت في الماضي لحل مشكلات النساء في أفغانستان، لكن هناك حاجة ماسة لبذل مزيد منها للقضاء على التحديات وإزالة العقبات التي تعترض مسير النساء الأفغانيات.


المصادر:

1-      مخاوف اللجنة المستقلة لحقوق الإنسان في أفغانستان حول أوضاع النساء مجهولات المصير، فارسي، 2018

2-      دعم حقوق النساء في أفغانستان، اللجنة المستقلة لحقوق الإنسان في أفغانستان.

3-      آفاق حقوق النساء في أفغانستان، صحيفة ديلي أفغانستان.

4-      Alizada,Bismellah,(2019),What peace means for afghanistan’s Hazara


المصدر: المعهد الدولي لدراسات السلام IPSC