مقدمة

إن سقوط الدولة الأفغانية وطريقة التعاطي الإيراني مع معطياتها، أوجدت فرضيات واحتماليات مختلفة على مستوى الخبراء والمتابعين في الشرق الأوسط، حيث تعد من الدول التي تضم أكبر الأجندات العابرة للأوطان والمرتبطة بإيران وهم (الفاطميون).

وتبدو إيران صامتة حيال الأزمة الأفغانية في أفضل أحوالها، حيث هي بصدد ترتيب أوراقها للمرحلة المقبلة، إلا أن بعض التقارير الإعلامية سلطت الأضواء على وجود توافقات بين طهران وطالبان، فقد نشرت صحيفة “ميدل إيست آي” نقلاً عن مصادر مقربة من فيلق القدس الايراني جزءا من خفايا العلاقة الإيرانية بطالبان، حيث يقول المصدر العراقي عن لسان قيادات مقربة من الجنرال “قاسم سليماني”، بأن الأخير أجرى اتفاقات بشكل شخصي مع طالبان عام 2015، جاء بموجبه الاتفاق على تقديم إيران الدعم المالي واللوجستي والعسكري لطالبان، فضلاً عن توفير معسكرات تدريبية لهم داخل الحدود الإيرانية، وفي المقابل تتجنب طالبان شن أي هجمات على شيعة افغانستان، كما ستضمن إيران منع عودة الفاطميين إلى الأراضي الأفغانية، وأضاف المصدر أن إيران وخلال المفاوضات شددت على طالبان أن تركز الحرب على داعش، وتكثف من هجماتها ضد القوات الأميركية.

ويضيف المصدر أن سقوط أفغانستان الأخير وضع الكثير من الفصائل الشيعية المسلحة في العراق تحت بند المسؤولية، بل إن بعضها شرع بالتهديد والوعيد بعد سقوط المناطق الشيعية بيد طالبان، وفور صدور التهديدات تحرك وفد إيراني إلى العراق، محذراً الفصائل المسلحة بجدية من مغبة التحرك ضد طالبان، وأن يكون التركيز والمناورة صرفاً على هزيمة الولايات المتحدة في أفغانستان، وإمكانية تكرارها في العراق، وقد أنذرهم من عدم إمكانية مساعدة شيعة افغانستان بالوقت الحالي؛ بسبب وضعهم الجيوسياسي، وأن اي اخلال باتفاقية 2015، سيؤدي إلى مقتلهم وإراقة دمائهم.

ثم يتناول التقرير دخول طالبان إلى مزار شريف وانسحاب مقاتلي حزب الوحدة التابع للدولة الافغانية انسحابا مؤمنا دون أي مقاومة، بأمر مباشر من إيران، ثم يتطرق التقرير إلى تجنب السيد السيستاني التدخل المباشر تحسبا لاندلاع فتنة طائفية، مع العلم أن إمكانية التدخل أمر مستبعد وغير ممكن بسبب أقلية الشيعية[1].

وبالنظر لما ذكر فقد يتبادر السؤال التالي وهو: ما طبيعة الموقف الذي رسمته طهران لنفسها في المرحلة القادمة في ظل المتغيرات الإقليمية؟

طرح الموضوع

تتمثل استراتيجية إيران الخارجية وكما جاء في دستورها، بتشكيل كتلة قوية مبنية على معارضة الغرب مع ما يسمى بـ”اتحاد المستضعفين”، وقد تطورت هذه الاستراتيجية على مدى العقود الأربعة المنقضية لتمر بعدة مراحل ورؤى.

ففي بداية المطاف كان الاتحاد حصراً مع الأطراف الشيعية المتماشية مع السياسة الإيرانية فقط، وحينها لم تكن إيران مستعدة إلى التحالف مع قوى غير متوافقة مع إيران سياسياً، حتى وإن كانت شيعية او لها اهداف مشتركة مع إيران مثل حركة “أمل”، ثم توسعت رقعة التحالفات لتشمل المكونات السنية المتوافقة مع السياسات الإيرانية مثل حماس في فلسطين والجبهة الاسلامية في الجزائر، وفي الخطوة التي تلتها أضيفت التيارات العلمانية والمسيحية المتوافقة مع السياسة الإيرانية أيضاً ا مثل: مجموعة احمد جبريل وحكومة الأسد وجناح ميشيل عون، أما الخطوة الأخيرة التي اعتمدتها طهران فهي: توسعة التحالفات مع أطراف غير متوافقة مع السياسات الإيرانية، ولكن لها رؤى وأهداف تكتيكية مشتركة، مع عدم التقيد بالصفة الإسلامية لتلك الأطراف.

وكانت قوات البي كاكا وطالبان مصاديق التحالفات الأخيرة مع طهران، حيث يعد حزب العمال الكردستاني التركي حزباً انفصالياً، ويحظى بالوقت ذاته بالدعم الايراني من اجل الضغط على تركيا، وإيجاد حلقة وصل بين إقليم كردستان وسوريا، ولا توجد له علاقة مع طهران سوى التحالف التكتيكي والهدف المشترك[2]، بينما حركة طالبان المدعومة أيضاً من ايران بشكل جزئي والتي قد تواجه ايران مبدئيا يوما ما، إلا أن طهران ترجح في الوقت الحالي التحالف معها، وليس من المستبعد أن يصل التعاون إلى غض النظر عن انشطة داعش في بادية دير الزور؛ من أجل الضغط على القواعد الأميركية في المنطقة.

ويبدو أن هذه التحالفات تكتيكية، لأن الأصل في برنامج التحالفات الايراني المتين معتمد على طبيعة وحجم العداء مع الولايات المتحدة، حتى لو كان مؤقتا أو غير موثوق، وهذا لا يخلو من ارتباطه بالملف النووي، فإيران عازمة على غلق الملف النووي، إما بخلق أجواء وأدوات ضغط شديدة على بايدن من أجل الحصول على ضمانات نووية رصينة، وإما سلك طريق القوة الفعلية أو المستقبلية، بحيث لن يتمكن الطرف المقابل من اتخاذ إجراءات صارمة وقوية ضده.

ركزت إيران في تعاملاتها الخارجية على تكريس قدراتها من أجل تقوية موقفها بمواجهة المرحلة النووية المقبلة، حيث تتضاءل مبادئ ومعايير الجمهورية الإسلامية على حساب توفر أدوات مواجهة الغرب، فطهران من ناحية تدرك تماماً أن فرص التوصل إلى اتفاق نووي طويل الأمد بعيد المنال، ومن ناحية أخرى معتقدة من أن فرصة التوصل إلى اتفاق نسبي مع الغرب قد تضيع في ظل دولة جمهورية، وقد لا تتوفر حينها الوسائل القانونية لمواجهتها.

ومن غير المستبعد أن تتحرك ايران نحو التحول النووي بغية الضغط لضمان الاتفاق، والتعرف على ردود أفعال الطرف المقابل، وهذا ما لا ترغبه إسرائيل، حيث من المحتمل أن تذهب إلى اتخاذ سلسلة إجراءات تخريبية أو مواجهة مباشرة، الامر الذي جعل ايران ترجح بناء تحالفات واسعة وتكتيكية على التحالفات الضيقة والموالية، فمن مقتضيات هذه المرحلة السياسية أن تبتعد طهران عن الدول ذات القرار والرأي الرسمي أي الخاضع لمعايير حكومية، والتركيز الأوسع على القوات التي تعمل بالنيابة وخارج سطوة الدولة أو غير خاضعة لقرار حكومتها السياسي، من أجل توفير أدوات الصد الوقائية إلى أعلى نسبة ممكنة، لتجنب وتقليل الضرر إلى أقل حد ممكن.

وما تحتاجه إيران في المرحلة المقبلة هو الضغط نحو ضمان قبول الجمهوريين بالاتفاق النووي في الدورة الانتخابية المقبلة[3]، وفي حال تم رفض ذلك فيبقى لإيران طريق الضمان الأمني القوي وهو ضمان القدرة النووية، وللحفاظ على هذه الضمانات يستلزم القدرة الواسعة في رقع جغرافية واسعة أيضاً، حيث ما تزال طهران تعمل على سد تلك الفراغات.


[1] https://www.middleeasteye.net

[2] https://ar.irna.ir/amp/80475383

[3]https://www.aljazeera.net