back to top
المزيد

    سلطنة عمان وسياسة الحياد تجاه إيران

    المقدمة

    لطالما عُرف عن العلاقات العُمانية-الإيرانية بأنها تسير حيادياً وبنحو إيجابيّ جداً بمنطقة الخليج في كثير من القضايا الحساسة، وينبغي فهم تحالف مسقط – طهران ضمن سياق مقاربة سلطنة عُمان المستقلة لما يخص الشؤون الخارجية بقيادة السلطان قابوس بن سعيد، فمنذ استلامه الحكم سنة 1970م، تمكن من إحداث توازن بين المصالح المتضاربة لجيران عُمان الأكبر والأكثر قوّة وتعدُّ عمان الدولة الوحيدة بين دول مجلس التعاون الخليجي المتميزة بعلاقات حسنة مع إيران، فهي كانت -وما زالت- مختلفة في مواقفها وأحياناً مخالفة للإجماع الخليجي في كثير من القضايا الإقليمية من دون الصدام، وإبقاء باب الحوار مفتوحاً مع جميع جيرانها من الدول الخليجية.

    وترتبط سلطنة عمان بعلاقات متينة مع إيران، فعلى الرغم من أنها لم تكن خالية من الحروب والمصادمات في الماضي، إلا أنّ الواقع الجغرافي لكلا البلدين فرض بعض المصالح المشتركة بصفتهما الدولتين اللتين تسيطران على جانبي مدخل الخليج. إذ شهدت العلاقات بين البلدين تحولاً كبيراً في التعاون السياسي بعد تولي السلطان قابوس، حيث ساعدت إيران عُمان بالدعم العسكري لمواجهة الثورة في ظفار[1]، في حين كانت بعض دول الخليج العربي تدعم الثوار وتدربهم رسمياً. وفي المقابل سعت السلطنة مراراً إلى تقريب إيران من دول الخليج العربية، حيث دعا السلطان قابوس للتقريب بين إيران وجيرانها في أكثر من مناسبة؛ ففي عام 1976م طلب السلطان قابوس عقد محادثات بين الدول الثماني المطلة على الخليج، وكان يأمل فيها تقريب وجهات النظر وإزالة سوء التفاهم التأريخي بين الأطراف الخليجية-الإيرانية، إلا أن المحادثات لم تسفر عن تحقيق أي تقدم يذكر، وعند قيام الثورة الإيرانية وتأسيس الجمهورية الإسلامية في أواخر سبعينات القرن الماضي، حافظت عمان على حيادها الاستراتيجي في ظل إصرار بعض دول الخليج على توحيد الصف الخليجي ضد طهران. وحتى بعد اندلاع الحرب العراقية-الإيرانية في العام 1980م-التي استمرت نحو ثماني سنوات- نهجت السياسة العُمانية منهجاً محايداً، إذ رفضت السلطنة دعوات القطيعة مع طهران، ولكنها في الوقت نفسه لم تقف تماماً مع إيران؛ وهي بهذا الفعل كانت تغاير دول الخليج التي دعمت العراق آنذاك.

    ولم تكتفِ عُمان على حيادها مع طهران، إذ أدت دور الوسيط في العديد من الأزمات بالمنطقة بين إيران والدول العربية، والدول الغربية، والولايات المتحدة الأميركية، ومنها احتضان محادثات سرية بين العراق وإيران لوقف إطلاق النار خلال الحرب العراقية-الإيرانية، وفي الوقت نفسه رفضت الدعوة إلى مقاطعة إيران وعزلها دبلوماسياً واقتصادياً في العام1987م -في قضية خلاف إيران والإمارات حول إعادة الجزر الثلاث التي تحتفظ بها إيران في الخليج-، وكذلك رفضت السماح للعراق باستخدام أراضيها لضرب الجزر الإيرانية. وقد توسطت عُمان كذلك لإعادة العلاقات بين إيران والسعودية ما بعد الحرب العراقية-الإيرانية، وكانت وسيطاً بين إيران ومصر بعد الثورة الإسلامية في إيران، وساعدت في تحرير الأسرى المصريين المحتجزين لدى إيران خلال سنوات الحرب مع العراق.

    وفي عام 1990-1991م خلال حرب الخليج الثانية حصل بعض التوتر بين البلدين بعد نشر إيران الصواريخ المضادة للسفن بالقرب من مضيق هرمز؛ مما جعل عُمان تكثّف تواجدها العسكري في جزيرة مسندم الواقعة جنوب السلطنة والمطلة على مضيق هرمز، التي تبعد مسافة 60 كيلومتراً من الحدود الإيرانية، لكنَّ الطرفين ما لبثا حتى تجاوزا التوتر الطارئ، وعادت العلاقات إلى طابعها التعاوني. وبعد استتباب الوضع بين الدولتين توسطت السلطنة وبنجاح في عدة قضايا، منها: تحرير بحارة بريطانيين كانوا محتجزين لدى طهران في العام 2007م، ثم في العام 2011م الإفراج عن رهائن أميركيين، وفضلاً عن ذلك أخذت عُمان على عاتقها تمثيل المصالح الإيرانية في بعض الدول الغربية، وعلى امتداد مدة المفاوضات بين إيران والغرب، كان لمسقط دور كبير في تسوية الملف النووي الإيراني، ففي حوار مع قناة Fox News الأمريكية أكد السلطان قابوس بن سعيد أن “على إيران والولايات المتحدة الأميركية أن تجلسا معاً وتتحدثا”[2]، ولم يكن هذا التصريح سوى مؤشر لما يحدث خلف الكواليس، إذ إن الدبلوماسية العُمانية في الحوار بين الطرفين كان إيجابياً إلى حد ما، وفي تلك المدة استضافت عمان لقاءات سريّة بين الولايات المتحدة وإيران منذ سنوات في محاولة للوصول إلى أرضية مشتركة؛ إلى أن توصلت جهودها بالنجاح في تشرين الثاني عام 2015م من خلال توصل إيران إلى اتفاق جنيف مع مجموعة 5+1.

    التعاون الاقتصادي بين عُمان وإيران

    تشير السياسة التي تنتهجها السلطنة في التعامل مع إيران إلى ظهور عُمان كمركز مهم للتجارة الذي يربط إيران مع عدة قارات، ويبدو في كثير من الأحيان أن السلطنة تعمل خارج إطار دول مجلس التعاون الخليجي، إذ تمتد جذور روابط عُمان التجارية والثقافية والجغرافية إلى تأريخها كإمبراطورية امتدت سلطتها عبر سواحل شبه الجزيرة العربية وشبه الجزيرة الهندية، تحدها من الشمال إيران وباكستان، ومن الشرق شبه القارة الهندية، ومن الغرب شبة الجزيرة العربية والقرن الأفريقي، وإن علاقة عمان بدول المحيط الهندي ما هي إلا صورة توضح بنحوٍ جليٍّ وبارزٍ مدى الاهتمام الذي توليه السلطنة لهذه العلاقات.

    والآن وبعد العزلة الدولية وتخلص إيران من العقوبات التي تحمّلتها لسنوات، فإن للسلطنة فرصاً جديدة لترسيخ مكانتها مع دول المحيط الهندي؛ ففي أول خطة عمل مشتركة بين البلدين في العام الماضي، قال السفير الإيراني في مسقط في تصريح لـ”عمان أوبزيرفر”: “يرجع الاتفاق لاستضافة عمان في بدايات المشوار عدةَ اجتماعات هنا في مسقط، وكذلك لحكمة السلطان قابوس ودرايته، ولا بد من التأكيد أن للسلطنة النصيب الأبرز في تحريك دفة المفاوضات منذ بدايتها؛ لأنها قامت بجهود جبارة كبيرة تشكر عليها في تقريب وجهات النظر بين المسؤولين سواء في إيران أو أميركا ودول 5+1”[3].

    وأكد السفير مجدداً على العلاقات الاقتصادية والتجارية مع العالم قائلاً: “إن هذه الأجواء الإيجابية التي وجدت يُراد منها الانخراط سياسياً واقتصادياً مع إيران لكي يربحوا، وهذه الربحية من الآن وصاعداً سنوفّرها أولاً لأشقائنا في دول الخليج، وفي مقدمتهم عمان التي وقفت معنا في الشدة وسيكون لها الأولوية في التبادل التجاري ولاسيما أنها مقبلة على مشاريع ضخمة خلال السنوات المقبلة ستكون نقطة العبور الأساسية للسلع من خلال ميناء الدقم”[4].

    وبعيداً عن التصريحات السياسية، فقد نفذت إيران وعدها مع جارتها العُمانية في آذار الماضي، حينما أعلنت إطلاق أول مصنع لصناعة سيارات مشترك بقيمة 200 مليون دولار باسم “أوركيد” الدولي للسيارات؛ والهدف منه بناء أكبر مصنع للسيارات في مدينة الدقم -الواقعة على طول ساحل بحر العرب في السلطنة- إذ يتقاسم صندوق الاستثمار المملوك للدولة العُمانية ملكية المشروع مع الشركة الإيرانية “إيران خودرو” أكبر شركة سيارات في إيران ومستثمر عُماني. وبدأت شركة السيارات الإيرانية في العمل هذا العام ومن المنتظر أن تنتج 20,000 وحدة في منتصف العام 2018م. وقد أعلن الرئيس التنفيذي لشركة “إيران خودرو” هاشم يكه زاري، أن 5000 وحدة فقط تستهدف السوق العُمانية وأن 15,000 الأخرى ستُصدّر إلى بعض الدول مثل أثيوبيا وأريتريا والسودان واليمن. وتعمل إيران على عدة مشاريع في عُمان، منها في مجال علوم تكنولوجيا النانو، والبناء والتشييد مجمع مستشفيات.

    وقد وقعت شركة “إيران خودرو” أيضاً على صفقة قدرها 436 مليون دولار في كانون الثاني العام الماضي التي بموجبها يتيح لشركة “بيجو ستروين” الفرنسية إنتاج 200،000 سيارة سنوياً في ذروة المشروع، وهذه الشركة سوف تكون شريكة في الإنتاج والأرباح، كما ذكرت صحيفة “فايننشال تريبيون” الإيرانية.

    التعاون الثنائي في مجال الطاقة والنفط والغاز

    أثار الانهيار السريع والمتوالي لأسعار النفط في الأعوام الماضية قلقاً بالغاً لدى الدول المنتجة -ومنها سلطنة عُمان- الأمر الذي أوقع البلد الخليجي في أزمة مالية، كدول الخليج الأخرى. وإن ما عزمت عليه السياسة العمانية هو تنويع مصادر الدخل للتغلب على تقلبات أسعار النفط. حيث نرى أن السلطنة قد وضعت قبل 21 عاماً رؤيتها لعام 2020، التي تهدف أيضاً إلى تنمية الاقتصاد وزيادة الإيرادات من خارج قطاع النفط والاستثمار في رأس المال البشري في البلاد.

    وفي عام 2013م، تم التوافق بين إيران وعمان والهند على إنشاء خط أنابيب للغاز تحت سطح البحر بطول 1300 كيلومتر من إيران مروراً بعُمان ثم إلى گجرات غربي الهند[5]، وتتّجه عمان إلى تصدير الغاز الطبيعي المسال ﺗﻠﺒـــﻴﺔ اﻟﻄـــﻠﺐ اﻟﻌﺎﳌﻲ بدلاً من النفط، فإن استيراد الغاز الإيراني للاستهلاك المحلي في السلطنة، يمكن أن يحرر الاقتصاد المحلي لبيع مزيد من الغاز الطبيعي المسال إلى دول أجنبية أخرى.

    وتُقدّم عُمان لإيران نقطة انطلاق من آسيا الوسطى إلى شبه القارة الهندية، والقرن الأفريقي؛ إذ إن مجرد الإعلان عن التوصل إلى اتفاق مع إيران يُسفر عن رفع العقوبات الدولية أفضى إلى تعميق علاقات السلطنة مع إيران في مجال الطاقة، إذ تمثل خطوة مهمة نحو بناء علاقات تجارية بين هذه القارة عبر سلطنة عُمان، حيث عملت السلطنة أيضاً فتح ميناء الدقم وصلالة إلى القارات الثلاث، وإن آفاق هذا الممرّ التجاري دفع السلطنة العمل بجدية نحو الدبلوماسية بهدف الإفراج عن التعاون التجاري بين إيران والعالم الخارجي.

    وتعمل موانئ السلطنة العمانية مثل ميناء الدقم وغيرها كمراكز اقتصادية مهمة للتجارة والاستثمار في المنطقة، فبعض أعضاء دول الخليج لديهم الكثير من الفرص لكسبه من البنية التحتية في السلطنة وقدرتها على الوصول إلى بحر العرب والمحيط الهندي.

    وتعد عُمان البلد المستقر سياسياً في الزاوية الجنوبية الشرقية من شبه الجزيرة العربية، والمحاط ببعض خطوط الصدع الجيوسياسية الأكثر حساسية في العالم، وممرات تجارية مهمة.

    لكن هناك خلافات جدية بين عُمان وبعض دول الخليج حول العديد من القضايا المهمة في المنطقة، بدءاً من إنتاج النفط إلى التدخل العسكري السعودي-الإماراتي في اليمن وغيرها. وإن تعميق العلاقات بين مسقط وطهران يسمح لها بتأمين استقلال جيوسياسي عن الرياض ودول الخليج، وفيما لو شهدنا مزيداً من رفع العقوبات عن إيران، سوف نرى تقدماً وفرصاً جديدة للسلطنة في الاقتصاد العالمي.

    المحصلة

    تشترك سلطنة عُمان مع إيران في مضيق هرمز، وما تريده هو الحفاظ على علاقات ودية مع جارتها، على الرغم من عضويتها في مجلس التعاون الخليجي الذي تتباين دولهُ في العلاقة مع إيران؛ حيث استطاعت السلطنة تخطي الانقسامات الجغرافية الطائفية في المنطقة والحفاظ على علاقات إيجابية مع كل القوى. وتتمثل السياسة الخارجية للسلطنة في تحقيق التوازن بين المصالح المتعارضة بين جيرانها الأكثر قوة لدفع مصالحها الخاصة، وفي حال عادت إيران إلى الاندماج في الاقتصاد العالمي، فقد تصبح السلطنة كنقطة انطلاق للاقتصاد إلايراني وستسعى منه إلى الدخول في الأسواق الأفريقية والهندية والآسيوية.

    ومن وجهة نظر بعض الدول الخليجية فإن دخول إيران إلى الاقتصاد العالمي يشكل أمراً مزعجاً لها؛ نتيجة خطة العمل المشترك الشاملة بين عُمان وإيران، حيث أبدى السعوديون غضبها حينما علموا أن نظراءهم العُمانيين قد استضافوا محادثات سرية حول الاتفاق النووي بين المسؤولين الأميركيين والإيرانيين، واتباعهم دبلوماسية بنحو مستقل عن دول مجلس التعاون، وفيما تواصل مسقط وطهران تعميق العلاقات بين البلدين فمن المرجح أن تبقى هذه العلاقات مصدراً للتوتر في مجلس التعاون الخليجي؛ إذ إن بعض دول المجلس من دون شك حذرت عُمان من اتباع سياسة خارجية مستقلة من شأنها أضعاف الأمن الجماعي لدول الخليج العربية، وإن نجاح المساعي الدبلوماسية العُمانية يعني أن تخدم مصالحها لأكثر من جهة في المنطقة ولعدة أسباب:

    1. إبعاد شبح الحرب والصدام العسكري في المنطقة، ولاسيما أنها بغير معزل عن ما يحدث في منطقة الخليج، إذ تبذل قصارى جهدها لأمن عُمان واستقرارها الداخلي.
    2. نجاح الدبلوماسية العُمانية وتعزيز الثقة السياسية في المنطقة.
    3. تعزيز العلاقات بين عُمان وإيران من جهة، والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى.
    4. تفتح آفاقاً جديدة للتعاون الاقتصادي بين عُمان وآسيا الوسطى عبر إيران، ويعد هذا أمراً مهماً جداً للاقتصاد العُماني.

    المصادر:

    1- The view from the Gulf: America’s quiet go-between speaks http://www.foxnews.com/world/2012/01/31/view-from-gulf-americas-quiet-go-between-speaks.html

    2- سفير إيران: عمان أدت دوراً كبيراً بدفع المفاوضات وصولًا إلى الاتفاق النووي – http://ar.farsnews.com/iran/news/13940425000697

     3- همکاری ایران، هند و عمان برای احداث خط لوله گاز از بستر دریا (التوافق بين إيران وعمان والهند على إنشاء خط أنابيب للغاز تحت سطح البحر بطول 1300 كيلومتر)  – http://fa.alalam.ir/news/3059516/

    [1]– ثورة ظفار كانت حركة ضد حكومة سلطنة عمان والاستعمار البريطاني آنذاك. وظفار هو الإقليم الجنوبي لسلطنة عمان، وظهرت هذه الثورة في الستينات في فترة حكم السلطان سعيد بن تيمور والد السلطان قابوس وامتدت إلى نهاية 1975م.

    [2]– The view from the Gulf: America’s quiet go-between speaks-fox news.

    [3]– سفير إيران: عمان أدت دوراً كبيراً بدفع المفاوضات وصولًا إلى الاتفاق النووي

    [4]– المصدر نفسه

    [5]– همکاری ایران، هند وعمان برای احداث خط لوله گاز از بستر دریا

    حيدر الخفاجي
    حيدر الخفاجي
    باحث في شؤون الشرق الأوسط ومختص بالعلاقات العراقية-الإيرانية، وهو حاصل على شهادة البكالوريوس في الدراسات الإسلامية من كلية بيركبيك – جامعة لندن، وشهادة الماجستير من جامعة ميدلسكس، وهو حالياً يكمل الدكتوراه المهنية في الثقافات الإسلامية.