محمد كريم الخاقاني: أكاديمي وباحث في الشأن السياسي.

مروان محمد الطيارة: باحث في الشأن السياسي.

يشكل مضيق هرمز أهمية كبيرة في التجارة الدولية وخطوط الملاحة ونقل النفط، فهو يقع في منطقة الخليج العربي، ويعد نقطة الوصل التي تربط الخليج بالمحيط الهندي ومنه إلى العالم، وتكتسب أهميته من وجود أكبر الدول المصدرة للنفط في الخليج الذي تمر منه ناقلات النفط وتُستقبل منه السلع القادمة من مختلف مناطق العالم.

 وقد أضفى موقع إيران وسلطنة عُمان أهمية استثنائية لهما بالقرب من مضيق هرمز الذي تمر عبره يومياً أكثر من 100 سفينة، بحيث جعلت مفاتيح غلق المضيق بيدها؛ لذلك -على مر العصور- ربط أمن الخليج بحرية الملاحة في المضيق؛ لأن أي تهديد لحرية الملاحة سوف يتحول الخليج العربي إلى بحر مغلق(1) .

  إن دول الخليج حريصة على حرية الملاحة لمصالحها الاقتصادية والتجارية فيه ولاسيما مع التهديدات الإيرانية  بإغلاق المضيق عبر إجراء مناورات عسكرية بين الحين والآخر، وتمتلك إيران قدرة عالية لإغلاق مضيق هرمز فلديها قاعدة تطل على المضيق في بندر عباس، فضلاً عن  جزر مهمة بالقرب منه مثل جزر أبو موسى، ولاراك، وسيري(2). ويبرز دور التفاهم العُماني-الإيراني في هرمز عبر تجسيد طبيعة العلاقات الثنائية من جهة، والشراكة الاستراتيجية من جهة أخرى، حيث قامت سلطنة عُمان بدور الوسيط بين إيران والدول الغربية في التوصل لاتفاق تأريخي بخصوص البرنامج النووي الإيراني. وتواصل اهتمام عُمان بأمن منطقة الخليج العربي ومضيق هرمز عبر  عقد المؤتمرات التي تخص الأمن العربي،  وبدأ الاهتمام العماني يتبلور في مضيق هرمز وذلك من خلال تأكيدها على أنه جزء من سيادتها، ولديها الحق في الدفاع عن حرية المرور للسفن المارة فيه. (3)

ويمكن ملاحظة أن إيران لم تهدد بإغلاق مضيق هرمز خلال الحرب العراقية-الإيرانية، فهي قامت بإغلاقه فقط أمام مرور السفن العراقية من طريقه، ومع تزايد التهديدات الإيرانية وتحذيراتها العلنية بإغلاقٍ، شعرت السلطنة بأن إيران تهدد أمن المضيق؛ وهذا ما جعل المبدأ الذي سارت على نهجه منذ السبعينيات عبر التأكيد على سيادتها على المضيق وحرية المرور بات يتعرض للاهتزاز من الجانب الإيراني وشعورها بأن هذا هو أول الخلاف بينهم لإنهاء حالة التفاهم في المضيق التي استمرت لمدة طويلة ولاسيما في عهد السلطان الراحل قابوس بن سعيد، وترى سلطنة عُمان أن إغلاق إيران المضيق أمام حرية المرور والملاحة فيه ستكون ذات  أضرار كبيرة عليها وعلى دول الخليج والولايات المتحدة والغرب ويشمل الضرر ايضاً إيران نفسها، فهي تسعى بكل جهدها  أن يكون المضيق بعيداً عن الصراع الأمريكي-الإيراني، وهذا ما لا تتفق معه إيران التي تريد استخدامه كوسيلة  للضغط على الولايات المتحدة من جهة، ودول الخليج العربي من جهة أخرى.

ونرى أن التفاهمات العُمانية الإيرانية في منطقة مضيق هرمز لا تقتصر فقط على حرية مرور السفن فيه، بل تتشاركان معاً الرأي القائل بضرورة أخذ موافقتهما عند مرور أي سفينة عسكرية في المضيق تحت مبرر أن المنطقة تقع في نطاق البحر الإقليمي وتعد جزءاً منه(4).

وتسعى دول الخليج العربي في هذا الإطار إلى محاولة إشراك الولايات المتحدة أو الدول الغربية في مسألة  المضيق، لاعتقادها بأنها سوف تمارس ضغطاً على إيران ويردعها عن التلويح المستمر والتهديد باللجوء إلى إغلاق المضيق.

وتتجلى أهمية مرور السفن في مضيق هرمز من الصراع الأمريكي-الإيراني، وذلك عبر أهمية المنطقة المحيطة به، فمن خلاله تدخل القوات الأمريكية إلى قواعدها في الخليج العربي، وهي بدورها تسعى إلى المحافظة على مصالحها، وحرية المرور في مضيق هرمز، وتعزيز أمن حلفائها في الخليج العربي؛ لذلك تخشى إيران في إطار صراعها مع الولايات المتحدة الأمريكية من وجودها في المنطقة سواء في الخليج العربي أو في المحيط الهندي ولاسيما في قاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهندي.

وتبرز أهمية عُمان للولايات المتحدة ليس في تأمين الملاحة في المضيق، بل في وجود القواعد العسكرية الأمريكية والموانئ العمانية، ومن أبرز القواعد هي قاعدة “مصيرة” العسكرية التي تعد من أقوى مواقع التمركز الأمريكي في الخليج(5)، وتبرز أهمية القاعدة لحماية المضيق والسفن الأمريكية وحرية المرور، ويبدو أن عُمان تستخدم هذه القاعدة في إطار البديل الجاهز لمواجهة أي تهديد إيراني، فهي تشكل عامل ضغط مباشر عليها، فضلاً عن وجود القواعد الأمريكية الأخرى في البحرين، وقطر، والسعودية. وتخشى سلطنة عُمان في إطار الأمن القومي الخاص بها من انتهاء حاله التفاهم القائم مع إيران في المضيق عبر أبرز تهديد لأمن المضيق؛ وهو حرب الناقلات التي تلجأ إليها إيران في الخليج العربي وهذا ما يهدد حرية المرور فيه، وتسعى إيران على غير العادة في تفاهماتها مع سلطنة عُمان إلى التهديد بإغلاق المضيق؛ من أجل خلق حالة ضغط دولية على الولايات المتحدة الأمريكية، ولتبدل سياستها تجاهها، حيث إن إيران تمتلك القدرة على إغلاق المضيق، ولكن لن تفعل ذلك،  وتستغل التهديدات لتذكير العالم للتدليل على قدرتها في فعل ذلك(6).

لقد كان الحياد الدائم هو السمة البارزة لسلطنة عُمان طوال المدة التي حكم بها السلطان الراحل قابوس، فكانت عُمان في السابق قريبة من إيران، وما وساطتها إزاء البرنامج النووي إلا دليل على عمق العلاقات التي تربطها معها، ومع متغيرات الأوضاع الراهنة في المنطقة، أقامت دولة الامارات العربية المتحدة علاقات رسمية مع إسرائيل؛ لذلك تشير المعطيات إلى استمرارية نهج السلطنة بقيادة السلطان هيثم بن طارق الذي تولى العرش بعد وفاة السلطان قابوس فيما يتعلق بمبادئها التي سارت عليها منذ خمسة عقود مضت، ولكن ربما قد يأتي التغيير بشأن الوضع في مضيق هرمز  ليس بقدرة إيران على إغلاقه كما في السابق، بل يكمن  في وجود أكبر لإسرائيل في منطقة الخليج العربي، أو تزايد النفوذ للمملكة العربية السعودية سواء في منطقة ساحل عمان أو في مضيق هرمز، وهو ما يشكل تهديداً إضافياً لإيران.

ويبدو أن السلطان الجديد هيثم بن طارق يرغب في موازنة علاقاته مع إيران، وذلك عبر مشاركة أكبر مع دول مجلس التعاون الخليجي، وتوحيد الرؤى والمواقف بشأن الأزمات في المنطقة، وهذا ينعكس بدوره على الوضع القائم في مضيق هرمز، فالولايات المتحدة ترغب في تحجيم الدور الإيراني سواء في الشرق الأوسط، أو في مضيق هرمز تحديداً، وترغب في إيجاد حل جذري لمشاغلة إيران لها في الخليج العربي، وهي بطبيعة الحال مكلفة للولايات المتحدة؛ لذلك سوف تتجه إلى سلطنة عُمان من أجل زيادة فاعليتها في الإشراف والحماية للمضيق.


المصادر:

1- مريم سعيد محمد الخروصية، أبعاد العلاقات العُمانية-الإيرانية، أمن  الخليج، مضيق هرمز: دراسة ميدانية على الرأي المثقف بجامعة السلطان قابوس، جامعة السلطان قابوس، كلية الآداب، 2016، ص: 12-13 .

2- علي ناصر ناصر، مضيق هرمز والصراع الأمريكي-الإيراني، دار الفارابي، بيروت، ط1، 2013، ص: 88 .

3- علي حمزة عباس، استراتيجيات الأمن والدفاع العماني نحو مضيق هرمز 1968-1980، مجلة أبحاث كلية التربية الأساسية / جامعة الموصل، المجلد 12 العدد 4 ، 2013، ص: 555-559.

4- خالد أسمر العجولين، جيوسياسية المضائق البحرية وأثرها على الصراع في منطقة المشرق العربي، دراسة حالة مستقبل إمدادات الطاقة في مضيقي هرمز وباب المندب 2003-2008، ط1، المركز الديمقراطي العربي، ص: 106، متوافر على الرابط الإلكتروني الآتي:https://democraticac.de/?p=60854

5- علي ناصر ناصر ، مصدر سابق ، ص: 123.

6- خالد أسمر العجولين، مصدر سابق، ص: 283-284 .