منظر لساحل صلالة (Wikimedia Commons / Balou46)

جورجيو كافييرو، مؤسس شركة Gulf State Analytics ورئيسها التنفيذي، وهي شركة استشارية للمخاطر الجيوسياسية مقرها في العاصمة واشنطن.

فيكتوريا شكسبير، متدربة في شركة Gulf State Analytics.

في خضم خطط وضع اللمسات الأخيرة لافتتاح ميناءي الدقم وصلالة العُمانيين، يمكن لعُمان أن تنجح في إنشاء مركزين تجاريين يتسمان بأهمية بالغة في مجال الاقتصاد الدولي، وقد يصل الأمر يوماً ما إلى أن يتنافسا مع منطقة جبل علي في دبي. إذ إن تطور هذين الميناءين من شأنه أن يعزز من صورة عُمان، ويزيد من تمكين السلطنة في النظام الجيوسياسي العالمي، ويُسرع من عملية انتقال البلاد إلى حقبة ما بعد النفط، وستكون الموانئ العُمانية -عبر مجموعة من القطاعات تمتد من الخدمات اللوجستية والزراعة وصيد الأسماك إلى وسائل النقل- ضروريةً لتطور السلطنة على المدى الطويل على الصعيد الاقتصادي، فضلاً عن تحقيق الازدهار المستدام.

ومع ذلك، فإن الدقم لديها خطط لتمتاز عن المُدن التجارية والشعبية المميزة والقريبة، مثل: الدوحة، ودبي، وأبو ظبي؛ عبر الاستفادة من الجغرافيا الطبيعية في عُمان لتعزيز قطاعها السياحي. وتخصص الخطة الحالية أكثر من (11500) ميل مربع من المحميات الطبيعية والأحياء البرية حول المدينة في محاولة لجذب السياح ممن يهوون الريف والسياحة البيئية.

ويمكن لعُمان الاستفادة من الفوارق الأخرى التي تمتاز بها من جيرانها لزيادة تطوير هذه الموانئ. والجدير بالذكر أن عُمان طوّرت عبر القرون -بفضل سواحلها الممتدة- ثقافة بحرية فريدة من نوعها، في حين أن حدودها الجغرافية الطبيعية -الجبال والبحر- سمحت ببقاء تراثٍ ثقافيٍّ غنيٍّ ومتنوّع وسط عزلةٍ نسبيةٍ.

ويتضمن جدول الأعمال في ميناء صلالة إدخال نظام طرق موسع، وخططاً لبناء رصيف في الميناء مخصص للغاز الطبيعي المسال (LNG) وزيادة بنسبة 50% في سعة شحن الحاويات تصل إلى 7.5 مليون وحدة التي تعادل عشرين قدماً (TEUs). وتربط هذه الطرق بين صلالة وجيرانها الإقليميين وربما أبعد من ذلك مما يجعلها واحدة من أكثر الموانئ التي يسهل الوصول إليها في الشرق الأوسط. وستضم صلالة محطة رئيسة للسكك الحديدية العُمانية المتطورة مما سيُتيح فرص التجارة والنقل الإقليميين.

المصالح الخارجية في صلالة والدقم

ستجعل مواقع الدقم وصلالة الميناءينِ جذابينِ للمستثمرين الأجانب، إذ إن لدى الدقم حالياً صفقةً بقيمة 10.7 مليار دولار أميركي مع الصين يطلق عليها اسم المنطقة الاقتصادية الخاصة، وتتضمن خطة الاستثمار هذه منشأة صناعية، وخط أنابيب، ومخططات لحقول النفط، فضلاً عن مخطط واسع للفندقة. وقد شاركت كوريا الجنوبية والكويت بعدد كبير من الاستثمارات في الدقم، وتعدُّ المشاركة الأجنبية في خطة النمو المحلي سلاحاً ذا حدين؛ لذا يجب على الحكومة العُمانية توخى الحذر مع تقدم الخطط والعلاقات؛ إذ ربما تؤدي المشاركة الأجنبية المفرطة إلى السيطرة على المشروع.

توتر سعودي-إماراتي

تمتلك الدقم وصلالة داخل شبه الجزيرة العربية كثيراً من الإمكانات لتشكيل العلاقات الجيوسياسية بنحو أكبر وسط التحولات الاستراتيجية في ميزان القوى الإقليمي، ويجب المراقبة عن كثب لأي استثمارات كبيرة من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في الدقم (وغيرها من المشاريع العمانية)؛ وذلك لتأثيرها على السياسات داخل منطقة الخليج.

ويؤكد بعض المحللين أن البلدين يحاولان الحدّ من المناورة الجيوسياسية في السلطنة في الوقت الذي تحاول فيه مسقط وطهران الحفاظ على علاقات تعاونية. وقد تستخدم الرياض وأبو ظبي دولاراتهما البترولية للتأثير على موقع عُمان المستقبلي في منطقة خليجية مستقطبة بنحو متزايد، ويمكنهما استخدام الاستثمارات في مشاريع البنى التحتية العمانية كطريقة أخرى لكسب النفوذ؛ فقد أثبتت البنى التحتية التجارية في عُمان فائدتها الكبيرة لقطر في العام الماضي حينما احتاجت الدوحة إلى بدائل لمنطقة جبل علي كمركز لوجستي يربط الإمارة بالاقتصاد العالمي.

وغني عن الذكر من أن إيران نفسها هي عامل أساس في هذه المعادلة؛ وإذا تصاعدت التوترات في مضيق هرمز فستحتاج الدقم وصلالة إلى الاستعداد لأي تداعيات خاصّة بالتجارة. ويجب على الحكومة العُمانية أن تبقى متيقظة لحدوث أي خلافات وسط خطاب متصاعد حاد اللهجة من واشنطن وطهران يهدد بإطلاق العنان لصراع مسلح بالقرب من مضيق هرمز أو ربما داخله.

ومع ذلك، فإن المواقع الجغرافية المفيدة للميناءين قد تساعد دول الخليج على مواصلة بيع نفطها وغازها في حالة حدوث مثل هذه الأزمة؛ لأن الشحنات عبر الدقم وصلالة لن تحتاج مضيق هرمز في نقلها. في حين أن المملكة العربية السعودية لديها ساحل البحر الأحمر، والإمارات العربية المتحدة لديها إمارة واحدة (الفجيرة) خارج المضيق؛ الأمر الذي من شأنه أن يمكّن هاتين الدولتين من مواصلة تصدير النفط في حالة إغلاق المضيق، وبالمقابل تعتمد البحرين والكويت وقطر بنحو كامل على ذلك الشريان لصادراتهم الهيدروكربونية، وكما يوضح عامر نعمان عاشور كبير المحللين والاقتصاديين في CNBC Arabiaقائلاً: “نعلم جميعاً أن أكثر من 30% من شحنات النفط تمرّ عبر مضيق هرمز؛ ومع هذا التحوّل عبر ميناء الفجيرة وميناء الدقم ستضمن دول مجلس التعاون الخليجي أن تكون شحناتها النفطية آمنة؛ وهذا من شأنه التقليل من المخاطر وتكلفة التأمين على السفن. وميناء الدقم هو واحد من أفضل الحلول على الإطلاق لمسألة النفط؛ فهو يقع على بُعد 800 كيلومتر من حدود دولة الإمارات العربية المتحدة، ونعلم أن دولة الإمارات لديها حل جزئي وهو ميناء الفجيرة ذو قدرة إنتاجية تبلغ 1.1 مليون برميل يومياً، إلا أن إنتاج الإمارات يبلغ حوالي 3 ملايين برميل في اليوم. أما إنتاج النفط الكويتي والقطري والسعودي فيكون معظمه في الأجزاء الشرقية من منطقة الخليج وسيكون هذا الميناء العماني الجديد مناسباً جداً لتصدير النفط إلى العالم”.

الجغرافية السياسية للقوى العالمية

لا تقتصر مشاركة الصين في الموانئ العُمانية على مصالحها الاقتصادية فقط، بل تتعداها لأهداف جيوسياسية في المنطقة. وبالنظر إلى أن الصين لديها مصالح تجارية وعسكرية عميقة في ميناء “جوادر” الباكستاني، ولدى جيش التحرير الشعبي (PLA) ميناء “قاعدة الدعم” في جيبوتي، فإن عُمان سوف تكون حريصة على القيام باستثمارات كبيرة، مستغلة علاقة السلطنة القوية مع الصين، إذ تؤكد بكين وجود بصمة بحرية أقوى حول شبه الجزيرة العربية. وقد سمحت مسقط لسلاح البحرية الصيني باستخدام موانئ عُمانية لأغراض الراحة والتزود بالوقود خلال عمليات مكافحة القرصنة في خليج عدن.

وتشارك الهند أيضاً في الدقم عسكرياً وتجارياً؛ حيث تتمتع بعلاقة وطيدة مع السلطنة المتأصلة في التأريخ القديم، فضلاً عن الروابط الاجتماعية والثقافية العميقة. وتمكّن هذه المشاركة الهندية مسقط ونيودلهي من تعزيز جهودهما لمكافحة القرصنة في إطار علاقة ثنائية أقوى وأكثر فاعلية. وقد وقعت سلطنة عُمان على إتفاقية النقاط الثماني مع الهند في شباط؛ لتشجيع التعاون المستقبلي فيما يخص الدفاع، والتجارة، والصحة، والسياحة؛ مما يضمن مزيداً من التعاون بين نيودلهي والسلطنة في المستقبل.

ومما لا شك فيه أنه في حال زادت الدول القوية من وجودها العسكري في عُمان، فسوف تحصل السلطنة على نفوذ جيوسياسي أكبر كشريك استراتيجي ذي قيمة كبيرة لتلك الدول. وفي الوقت نفسه في حال استمرار التنافس بين الصين والهند بالتصاعد، فقد تجد عُمان نفسها تحت ضغط قد يكون من الصعب التعامل معه. وبينما يبدو أن علاقة الصين المتنامية مع سلطنة عُمان لم تخلق أي مشكلات بين واشنطن ومسقط حتى الآن، فإن المسؤولين الأميركيين قلقون دائماً من تأثير الصين المتزايد على أي بقعة في العالم، ومن المرجح أن يشمل هذا التأثير السلطنة كذلك.

وقد تزداد مثل هذه الضغوط الجيوسياسية في مسقط في الوقت الذي تسعى فيه مزيد من الدول على تأكيد نفوذها في شبه الجزيرة العربية الجنوبية. ومنذ أن اعتلى السلطان قابوس منصب الحكم في عام (1970) عززت عُمان علاقاتها مع مجموعة متنوّعة من القوى في العالم، وحافظت على استقلال السلطنة وأمنها على الرغم من وجودها ضمن منطقة مضطربة بنحوٍ كبير.

وستحرص سلطنة عُمان -شأنها في ذلك شأن دول شبه الجزيرة العربية الأخرى- على الحفاظ على علاقاتها الوثيقة مع حلفائها الغربيين التقليديين -المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وفرنسا- في الوقت الذي تستفيد فيه أيضاً من التحولات الجغرافية الاقتصادية العالمية تجاه الشرق، فضلاً عن تعميق روابطها مع القوى الإقليمية. وفي ضوء الأزمة المالية التي حصلت في عام 2008 والغموض في السياسة الخارجية للولايات المتحدة خلال رئاسة دونالد ترامب، فإن دول الخليج العربي مصممة بنحو كبير على موازنة تبعيتها لواشنطن كضامن للأمن من خلال توسيع علاقاتهم الدبلوماسية مع أميركا. ومن المؤكد أن علاقات عُمان المتنامية مع الصين والهند تقدم لمسقط استقلالية أكبر عن المدار الجيوسياسي للولايات المتحدة.

الازدهار المستدام والتمكين الجيوسياسي

من المحتمل أن يصبح كل من ميناء الدقم وصلالة -يوماً ما بالمستقبل- اثنين من أهم الموانئ والمراكز السياحية في الشرق الأوسط والمحيط الهندي، ويمكن لهذين الميناءين أن يساعدا السلطنة على تحقيق التنوع الاقتصادي قبل نفاد النفط في عُمان الذي سيتحقق عمّا قريب وقبل جيرانها من دول الخليج الأكثر ثراءً؛ مما يجعل تطوير ميناءي الدقم وصلالة أولوية قصوى للسلطنة، في الوقت الذي تستعد فيه مسقط لمستقبل ما بعد النفط خلال هذه الحقبة التي يمرّ بها الخليج من عدم الاستقرار الجيوسياسي الهائل.


المصدر:

https://lobelog.com/omans-port-strategy