حسن سعد عبد الحميد، طالب دكتوراه، كلية العلوم السياسية \ جامعة النهرين

المقدمة

إن المتتبع والمستقرئ لتأريخ الدول العظمى والأمم المتقدمة وما حققتهُ من إنجازات على صعيد القوة والازدهار والتطور التقني سيفهم أن ذلك لم يكن نتيجة ثرواتها الطبيعية ولا بعدد سكانها، وإنما بفضل استغلالها لأغلى الثروات: ثروة التعليم والمعرفة، القاعدة العلمية لتقدمهم واحتلالهم للريادة العالمية، فالتربية والتعليم هي أساس مجتمع المعرفة الذي يُعدُّ منظومة تعليمية شاملة قادرة على إعداد أفراد يدركون المستجدات ويستشرفون المستقبل ويمتلكون آلية التعامل معها بمهارة واقتدار، ولهم القدرة على التكيُّف والتعلُّم والتطوُّر الذاتي، ولأهمية الموضوع تناولت هذه الورقة أهمية مجتمع المعرفة، مع التركيز على واقعها في جامعة النهرين، كون الجامعة القيمة الأساس لوجودها، وتشخيص معوقاتها والعمل على تلافيها.

أهداف البحث:

  • التعرف على مفهوم مجتمع المعرفة بأبعاده المختلفة.
  • تشخيص التحديات التي تواجه مجتمع المعرفة على صعيد الجامعات العراقية، وعلى صعيد كلية العلوم السياسية واقتراح آليات لتجاوزها.

أهمية البحث:

يكتسب البحث جدوته من طريق الأهمية الكبيرة التي يتمتع بها مجتمع المعرفة، ومن طرح الموضوع بجراءة من قبل باحث عاصر تلك المعوقات، ويكتسب جدوته في كونه قد يشكّل إضافة مهمّة للباحثين والمعنيين بموضوع البحث.

فرضية البحث:

تنطلق فرضية البحث من فكرة مفادها أن مجتمع المعرفة يتحقق من خلال توفير المقومات الأساسية للتعليم المستمر وإزالة معوقات وجودها.

منهجية البحث:

يهدف البحث إلى تشخيص معوقات مجتمع المعرفة في الجامعات العراقية وكلية العلوم السياسية وتحديد المتطلبات الأساسية لتحقيقها، حيث سيتم الاعتماد على المنهج الوصفي التحليلي في البحث.

المعرفة، ومجتمع المعرفة:

مفهوم المعرفة:

المعرفة اسم مشتق من الفعل (عَرَفَ يَعرِفُ)، وتشير إلى القدرة على التمييز، وهو كل ما هو معروف أو مفهوم، فالمعرفة هي النتاج النهائي للرصيد العلمي المستحصل من الدراسة والبحث العلمي والتفكير الفلسفي، وتعرّف على أنها حصيلة الامتزاج الخفي بين المعلومة والخبرة والمدركات الحسية والقدرة على الحكم على المعلومات، أو هي الإيمان المحقق الذي يزيد من قدرة الوحدة أو الكيان على العمل الفعال، أو هي  مصطلح يستخدم لوصف فهم أي منا لحقيقة ما، فالمعرفة هي الخبرات والمهارات المكتسبة من قبل شخص من خلال التجربة أو التعليم، التي تتواجد في العديد من الأماكن مثل قواعد المعرفة وقواعد البيانات وخزانات الملفات وأدمغة الأفراد التي تنشر عبر المجتمع. وثمة من يرى أن المعرفة هي نتاج الاستفادة الكاملة من المعلومات والبيانات المصاحبة للمهارات والكفاءة التي يتمتع بها الأشخاص، حيث تقدم المعرفة الردود على التساؤلات والحالات الحرجة، ومن أبرز اشتقاقاتها (إدارة المعرفة، ومجتمع المعرفة).

   للمعرفة عدة أصناف وأنواع نوجزها في الآتي:

  • المعرفة الضمنية: وهي المعرفة القاطنة في عقل الأفراد وسلوكهم، التي تشير إلى الحدس والأحساس الداخلي، وهي معرفة خفية تعتمد على الخبرة ويصعب تحويلها بالتكنولوجيا، بل تنقل بوساطة التفاعل الاجتماعي.
  • المعرفة الصريحة: وهي المعرفة المحدودة المحتوى التي يتم التعبير عنها بالرسم والكتابة والتحدث، والتي تكون قابلة للتحوُّل والتنقل عبر التكنولوجيا.
  • المعرفة العلمية: وهي المعرفة القائمة على الإدراك والفهم وهي أساس تحويل المعرفة إلى معرفة علمية، وهي فرع ناجح من فروع المعرفة، حيث تتسم بالمبادرة الذاتية والمحكومة بالمواطنين والقيم الأاخلاقية، حيث تساعد هذه المعرفة الإنسان على تمضية فراغه بطريقة إيجابية، حيث تمتاز هذه المعرفة بالآتي:
  • الاستقراء الواسع للوصول للتعميم الذي يتم على شكل قوانين أو نظريات.

– أن هذا النوع من المعرفة قابل للتعديل من خلال التجربة.

_ تمتاز بالدقة وانطباقها على الواقع بنحوٍ كبير بناءً على اعتمادها على الاختبار والتجربة.

   ونفهم من ذلك أن المعرفة تمتاز بالخصائص الآتية:

– التنبؤ، والاستقراء، والاستنتاج، والتحليل، والتفسير، والحكم.

– العمومية.

– التبعية للحواس البشرية.

– هي نتيجة التواصل الفكري بين البشر.

مفهوم مجتمع المعرفة:

حظي مفهوم مجتمع المعرفة باهتمام دولي كبير في ظل التحولات الكبيرة التي شهدها العالم في المجالات العلمية والتكنولوجية والسياسية، حيث نظمت المؤتمرات والندوات والحلقات الدراسية التي عالجت موضوع تكوين المجتمع المعرفي ورسم صورة مستقبلية لمجتمع قائم على المعرفة والوعي، إذْ عُدَّ (مؤتمر برشلونة) سنة 1995م الشراكة والتعاون بأنها الخطوة الأساسية للعمل في نشر المعرفة والتعاون، فالتعاون والشراكة يؤديان إلى توسيع آفاق المعرفة وبناء مجتمعها، إن مصطلح مجتمع المعرفة حديث نسبياً يتضمن اتجاهين اثنين:

الأول: يطلق على جماعة من الناس تجمع بينهم اهتمامات فكرية أو دينية أو علمية أو سياسية، فيشكلون تكتلاً في مجتمعات معرفية صغيرة، يجمعون فيها ما توصلوا إليه من معارف ومعلومات وإنجازات وغير ذلك.

الثاني: وهو أوسع وأعمق، حيث يشكّلُ محوراً أساسياً لدى العديد من الطروحات والدراسات المستقبلية المتخصصة.

إن مجتمع المعرفة هو ذلك المجتمع الذي يحسن استعمال المعرفة في تسيير أموره وفي اتخاذ القرارات السليمة والرشيدة، وهو المجتمع الذي ينتج المعلومة لمعرفة خلفيات الأمور وأبعادها بمختلف أنواعها، فمجتمع المعرفة هو ذلك المجتمع الذي يقوم أساساً على نشر المعرفة وإنتاجها وتوظيفها بكفاءة في مجالات النشاط المجتمعي وصولاً إلى الارتقاء بالحالة الإنسانية في سبيل تحقيق التنمية الأساسية، فلذلك المجتمع عدة أدوار ومهام خاصة منها:

1) توليد المعرفة من خلال التفاعل بين الحقائق والمعارف من جهة وعقل الإنسان من جهة أخرى، ومدى قدرته على التفكير والإبداع فيها.

2) نشر المعرفة.

3) توطين المعرفة وتسخيرها لحل المشكلات.

4) توطين العلم.

وثمة من يرى أن مجتمع المعرفة عبارة عن تنظيم اجتماعي يتضمن الأساليب وأشكال الإعداد الرسمية وغير الرسمية لشخصية الفرد التي تعمل على نقل المعرفة المنظمة عبر الأجيال والتي تساهم في ضمان استمرارية الحياة الاجتماعية والسياسية بمقوماتها الحضارية والثقافية والعقائدية، وفي ظل مجتمع المعرفة تؤدي مؤسسات التعليم العالي دوراً محورياً في هذا المجال بصفتها المسؤول الأول عن إنتاج المعرفة ونشرها وتوظيفها، وذلك من خلال تكوين اليد العاملة المؤهلة والقادرة على الإبداع في مواقع العمل أو من خلال البحث العلمي، حيث يتضمن ذلك المجتمع أبعاداً مختلفة ومتشابهة تشمل:

  • البعد الاقتصادي، فالمعلومة في مجتمع المعرفة هي السلعة أو الخدمة الرئيسة والمصدر الأساس للقيمة المضافة وخلق فرص العمل وترشيد الاقتصاد، فالمجتمع الذي يستطيع إنتاج المعلومة ويستعملها في اقتصاده هو المجتمع الذي يستطيع أن ينافس ويفرض نفسهُ بقوة.
  • البعد التكنولوجي، فمجتمع المعرفة يتطلب انتشار التكنولوجيا المعلوماتية وسيادتها وتطبيقاتها في مختلف مجالات الحياة .
  • البعد الاجتماعي، ونقصد به أن مجتمع المعرفة يعني سيادة درجة معينة من الثقافة المعلوماتية في المجتمع، وزيادة مستوى الوعي بتكنولوجيا المعلومات، وأهمية المعلومة ودورها في الحياة اليومية للإنسان.
  • البعد الثقافي، إذ يعطي مجتمع المعرفة أهمية معتبرة للمعلومات والمعارف والاهتمام بالقدرات الإبداعية للأشخاص، وتوفير إمكانية حرية التفكير والإبداع، والعدالة في توزيع العلم والمعرفة والخدمات بين الطبقات المختلفة في المجتمع، فمجتمع المعرفة لا يقتصر على إانتاج المعلومة وتداولها، وإنما يحتاج إلى ثقافة تقييم تحترم من ينتج هذه المعلومة ويستغلها في المجال الصحيح.
  • البعد السياسي، يهتم مجتمع المعرفة بإشراك الجماهير في اتخاذ القرارات وبطريقة رشيدة وعقلانية مبنية على استعمال المعلومة وإقحام الجماهير في اتخاذ القرارات والمشاركة السياسية الفعالة.

ونفهم من هذه الأبعاد أن ذلك المجتمع يقوم على الركائز الآتية: (الابتكار، والبحث والتطوير، وجودة التعليم، والبنية التحتية المبنية على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والحاكمية الرشيدة).

إن المعرفة اليوم والعمل على تسويقها يُعدُّ المحرّك الأول للتنمية المستدامة ومصدر القوة والمناعة للأمم المتفوقة في إنتاجها، ومع تنامي الاهتمام بقضية مجتمع المعرفة عالمياً وعربياً إلَّا أنهُ لا تزال اهتماماته محدودة في العراق ودون المستوى المطلوب وهو ما ستناوله لاحقاً.

تحديات مجتمع المعرفة في الجامعات العراقية:

على مستوى الجامعة:

تُعدُّ الجامعة مؤسسة اجتماعية علمية ثقافية فكرية تمدُّ المجتمعَ العراقي بخيرة الطلبة القادرين على شغل أرقى المناصب السياسية والاقتصادية والمهنية، فهي مركز فكر وتنوير لما تقدمهُ من مناهج دراسية تعمل على إنماء المواطن العراقي وتنمية الإنسان المفكر الواعي الحر المسؤول فيه، فالجامعة تهدف إلى بناء نخبة مجتمعية ذات ثقافة واسعة، فضلاً عن نشر الوعي الثقافي والمعرفي وبناء شخصية الفرد. وكما هو معروف يُعدُّ التعليم العالي الجامعي آخر المراحل التعليمية وأرقاها درجة، حيث تنفرد هذه المرحلة في صناعة طلبة ينمازون بالذكاء والفطنة ويمتلكون مواهب وقدرة تتماشى مع الوظائف الأساسية الخاصة بالتعليم العالي والمتمثلة في: (نشر العلم، وترقية العلم، وتعليم المهن الرفيعة)، فالهدف الأسمى من التعليم العالي في العراق هو إعداد قادة البلاد المستقبليين في مختلف مجالات الحياة، والقادرين على إدارة البلاد والسير بها قدماً، ولعلَّ هذا الأمر أبدعت به الجامعات العراقية وبدرجة معينة.

مع ذلك -وعلى الرغم من الإبداع والإنجاز العلمي الذي حققتهُ- ما زالت الجامعات العراقية تعاني من بعض المعوقات في بناء مجتمع المعرفة الجامعي الذي نود من خلال هذه الورقة البحثية استعراضها والتعرُّف عليها ودعوة القائمين على الجامعة لعلاجها وتلافيها.

إن من المتعارف عليه أن شعار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية يبيّن لنا دور تلك الوزارة وهو التخطيط والتوجيه والتنسيق والمتابعة بين الجامعات العراقية، وبينها وبين المؤسسات والوزارات ذات العلاقة، كما يشير شعار الوزارة إلى المركزية في التخطيط واللامركزية في التنمية، لكن في بعض الأحيان يكون التطبيق عكس ذلك تماماً، حيث اشترطت وزارة التعليم العالي -على سبيل المثال- شرطاً لفتح دراسة الدكتوراه في كلية العلوم السياسية وتحديداً في قسم النظم السياسية والسياسات العامة تكون عناوين الأطروحات التي يتناولها الطلبة دائرة حول موضوعات السياسات العامة في العراق حصراً، لكن خفي على تلك الوزارة أن القضايا التي سيعالجها طلبة الدكتوراه حول السياسات العامة العراقية ستصطدم بمعوقات المراجعة والروتين والحصول على المصادر من الجهات الحكومية، وصحيح أن الجامعات العراقية اتبعت نظام كتاب تسهيل المهمة وهي عبارة عن ورقة تأييد يحصل عليها الطالب لتسهيل مهمة الحصول على المصادر من الوزارات والمؤسسات العراقية، لكن الواقع أفرز لنا عدم تجاوب تلك الوزارات بتاتاً مع الطلبة، ولا يعترفون بذلك الكتاب أصلاً، والوساطة والمعارف الشخصية في تلك الوزارات أعلى شأناً من الكتاب نفسه، مما يفتح تساؤلاً حول جدوى هذا الإجراء المتبع من قبل الجامعة، حيث كان الأجدر فتح خطوط اتصال مباشرة بين الجامعة والوزارات المعنية لتسهيل مهمة الطلبة، أو عقد اتفاقيات عمل ثنائية بين الجامعة والوزارات، وهو ما تفتقر إليه الجامعات العراقية، مثلما تفتقر الجامعات أيضاً إلى التنسيق على الأقل مع الجامعات المجاورة الأخرى مثل جامعة النهرين مع (جامعة بغداد) القريبة منها، فالطلبة يعانون كثيراً حين مراجعة كلياتها المماثلة للحصول على المصادر، وهذه دعوة للجامعتين لأن تقوم بعقد اتفاقية أو برنامج عمل ثنائي بين الجامعتين لتسهيل دخول الطلبة.

ويكاد يكون معلوماً للجميع أن الإدارة الإلكترونية بتطبيقاتها المختلفة تُعدُّ من أبرز مقومات وجود مجتمع المعرفة، فالإدارة الإلكترونية هي منظومة متكاملة تهدف إلى تحويل العمل الإداري القديم من إدارة يدوية إلى إدارة إلكترونية بالاعتماد على نظم معلوماتية قوية تساعد في اتخاذ القرار الإداري بأسرع وقت وبأقل التكاليف، حيث تهدف الإدارة الإلكترونية إلى تأمين البنية التحتية الضرورية للجامعة وربطها بشبكة المعلومات ذات الصلة بتخصصه الدراسي، وَبِقَدَر تعلُّق الأمر بالجامعة نجد أن من يتفحص موقع بعض الجامعات الإلكتروني وتحديداً صفحة السجلات الإلكترونية للطلبة الخريجين من الجامعة منذُ تأسيسها حتى الآن سيجد أخطاءً كثيرةً فيه، فكاتب هذه الورقة البحثية تخرّج من الماجستير سنة 2014م من قسم النظم السياسية والسياسات العامة برفقة 15 طالباً آخر، ومن يراجع صفحة الخريجين الإلكترونية في موقع جامعة النهرين سيجد أسماء نصف هذا العدد تقريباً مذكورة كخريجين فعليين؛ مما يؤشر على ضعف الأداء الإلكتروني، وضعف المتابعة والتدقيق في المعلومات، على الرغم من أن الباحث قد شخّص هذا الخلل منذُ أكثر من سنتين وأبلغ الجامعة به إلاَّ أنهُ لم يتم اتخاذ أي قرار حاسم تجاه هذا الأمر، وهذا لا يقتصر على طلبة تلك السنة فقط، بل يشمل خريجي السنوات السابقة واللاحقة وهي حالة تعاني منها أغلب جامعات العراق.

وتعاني الجامعات العراقية من ضعف في البنايات من ناحية النظافة والخدمات الصحية والوسائل التوضيحية والتقنية؛ مما يعرقل التحفيز على الإبداع في البحث العلمي وهي حالة شخصها الطلبة بمختلف انتماءاتهم العلمية والتخصصية، وتفتقد الجامعات العراقية إلى خدمة وحدة التحقُّق الإلكترونية من الشهادات الممنوحة لخريجيها، حيث تساعد هذه الخدمة في التحقُّق من صحة الشهادات للتخفيف عن الطلبة، والسرعة في إثبات صحة الصدور، وتساهم هذه الخدمة في مساعدة الوزارات والمؤسسات العراقية في التحقُّق من صحة إصدار الشهادات المقدمة من قبل الطلبة للتعيين على ملاكها الدائم.

وفيما يتعلق بالمكتبة المركزية التابعة للجامعات التي تمثل منطقة القلب في الجامعة والتي تضم مختلف النتاجات العلمية والبحثية فيها، إلَّا أن الباحث شخص العديد من السلبيات في عمل تلك المكتبات، حيث تعاني المكتبات الجامعية من ضعف في التنظيم، ومشكلات تتعلق بالإشراف والتوجيه الفني، وضعف في التجهيزات المادية، فضلاً عن قلة الأماكن المخصصة للطلبة للقراءة والاطلاع وتصفح المصادر، وتفتقر أيضاً إلى اعتماد نظام واضح لتقييم العاملين فيها، فمن الضروري أن تتوجه الجامعة نحو التقييم اعتماداً على معايير الأداء والجودة والتطوير الأكاديمي للعاملين والموظفين، وتدعو هذه الدراسة الجامعة إلى تكثيف ورش العمل والتعرُّف على خبرات الجامعات الأخرى في مجال الإدارة الإلكترونية للمكتبة، ومعرفة التطورات التي حصلت في مجال مجتمع المعلومات.

على مستوى كلية العلوم السياسية:

تعدُّ كلية العلوم السياسية من العلامات الفارقة في الجامعات العراقية، فهي مؤسسة اجتماعية تعليمية تهدف إلى زرع مجموعة من القيم الوطنية والسياسية وتقديم خدمات أكاديمية متعددة من خلال توفير الجو المناسب للطلبة من أجل تعزيز فكرة الانتماء للمجتمع، عبر تقريب الجامعة من المجتمع ونقل إيجابياتها إليه وتعظيم قيمها التي من شأنها أن تسهم في ترقية الوعي المستقبلي للأجيال القادمة.

إن السياسة هي اهتمام الرجل الحر، وهي علامة الحرية وأسلوب فذ في قيادة المجتمع  فالسياسة علم وفن في آن واحد، وهي ثقافة وحركة، ومع ذلك واجه ذلك العلم جملة من المعوقات على صعيد العلوم السياسية نوجزها لكم في الأفكار الآتية:

  • طبيعة مناهج الدراسة:

تحظى أقسام العلوم السياسية في الجامعات العراقية باهتمام كبير من لدن العمادة ورئاسة القسم على حد سواء، حيث يواكب هذا القسم التطورات التي تطرأ على الساحة الدولية والمحلية، وتعاقب على تدريس مواده الدراسية خيرة الأساتذة المشهود لهم بالخبرة العلمية والاهتمام البحثي الواسع، إلاَّ أنَّ الملاحظ على بعض المواد التي يتم اعتمادها كمواد أساس في تدريس مادة النظم السياسية ما زالت قديمة نوعاً ما، ومنها مادة النظم السياسية تلك المادة التي تطوّرت، وقد أدخلت عليها عدة تعديلات جديدة لم تتناولها تلك المواد، فالمطلوب إيجاد كتاب منهجي جديد من قبل المتخصصين في القسم كي يواكب التطورات التي أدخِلَت على هذه المادة والكليات تمتلك من المؤهلين لإعداد هذا الكتاب.

ومن ناحية أخرى يُشخّصُ على كلية العلوم السياسية ضعف الاهتمام بمبادئ علم النفس السياسي، فالأمر لا يقتصر إلاَّ على إشارات يسيرة في بعض ثنايا الكتب والبحوث، على الرغم من أن هذه المادة مهمة جداً وقادرة على تزويد الطلبة بآفاق جديدة بما يتناسب والبنية العراقية الجديدة، فضلاً عن أن تدريسها يوصل فكرة أن كلية العلوم السياسية تؤمن بتحقيق التعايش السلمي العابر لكل الحواجز القومية والمذهبية؛ لكون أن تدريس مادة علم النفس السياسي سينمي الشعور والوعي والإحساس بالهوية الوطنية، وأنها ستساهم أيضاً في خلق مواطن عراقي يتمتع برأي عام قائد لا تابع لفهمه لطبيعة الشخصية السياسية العراقية بمختلف تناقضاتها؛ لذلك من الضروري تدريس هذه المادة في الدراسات الأولية والعليا بالكلية.

  • يلاحظ على رسائل العلوم السياسية وأطروحاتها التكرار في تناول بعض الموضوعات؛ مما أفضى إلى التشابه نوعاً ما بين الرسائل والأطروحات، واعتماد الطلبة على رسائل وأطروحات من سبقهم في تناول الموضوع، وعلى الرغم من أن ذلك قد يفسِّرُ الحاجة إلى الإحاطة بكل جوانب الموضوع، لكننا لا نستطيع أن نخفي حالة التكرار في المعلومات التي يتم تداولها في أثناء تكرار عرض الموضوعات .
  • قضية المناقشات: أصبح البحث العلمي سمة العصر الحديث، وتبرز أهميته في قدرته على حل المشكلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهو الطريق لتقدم الشعوب وتطورها وحل المشكلات التي تعاني منها، ومن هنا تعددت المناهج الدراسية الخاصة بالبحث العلمي والسياسي في الكلية؛ لأجل إعداد طالب قادر على إنجاز بحث علمي يتطلب الدقة والحرص والفهم والتفسير والحكم للحصول على المعلومات والنتائج الصحيحة، وبقدر تعلق الأمر بالموضوع نجد أن من حق الطالب المعروضة رسالته أو اطروحته للمناقشة الحرية في الكلام والمناقشة حول الأسئلة التي يطرحها المناقشون؛ من أجل الدفاع عن رسالته أو اطروحته، لكن المشكلة تكمن في أن الفكرة السائدة بين طلبة الكلية هو عدم قيام الطالب بمناقشة أعضاء لجنة المناقشة خوفاً من أن يُعدُّ ذلك جدلاً؛ وبالتالي تؤثر على حظوظه في نيل درجة جيدة، وهذا الأمر لا يقتصر فقط على الرد على أسئلة المناقشين، بل يتعدى ذلك إلى إجبار الطالب على قراءة ملخص رسالته وعرضها باختصار من خلال النظر إلى الورقة أمامه من دون أن تتاح له الفرصة بعرضها شفهياً؛ لأن الفكرة السائدة أن تلك الحركة قد تُعدُّ استعراضاً من قبل الطالب وتنمُّراً على حساب لجنة المناقشة، وبالتالي قد تؤثر على الدرجة الممنوحة له في نهاية المناقشة.

إن  الاجواء السائدة في المناقشات تشير إلى أن على الطالب عدم الدفاع بقوة عن أفكاره وطروحاته الواردة في الرسالة أو الأطروحة؛ لأن ذلك قد يفهم منهُ تنمره على اللجنة، وأن وظيفة الطالب المناقش الإصغاء فقط من دون إبداء أي درجة من المعارضة، وأن دفاعه عن بحثه قد يؤدي إلى منحه درجة أقل أو تأجيل منح الدرجة لمدة معينة، وفي بعض الأحيان إذا كان هنالك خلاف شخصي بين عضو لجنة المناقشة والأستاذ المشرف فإن الطالب المناقش سيكون هو الضحية.

الخاتمة:

نحن كطلبة علوم سياسية في الجامعات العراقية حينما نكتب عن واقع مجتمع المعرفة في الجامعات العراقية ونشخص معوقاتها لا يعني أننا نبخس دورها في التنمية العلمية والمعرفية، فالجامعات العراقية وبكلياتها كالعلوم السياسية ساهمت في خلق طلبة يفكرون ويناقشون، وحينما نشير إلى بعض مواطن الخلل في الأداء لا لشيء سوى أننا نطمع للمزيد من الإبداع والرقي لجامعتنا وكليتنا على حد سواء، وأن تكون رقم واحد في العراق، وهذا هو الهدف الأساس من البحث.

المقترحات:

  • ضرورة تطوير البنى الثقافية والفكرية للطالب من خلال الاهتمام بتطوير المناهج الدراسية وتعزيز قيم التربية والمواطنة.
  • التوسع في استخدام نظم التكنولوجيا وتطبيقاتها لغرض تسهيل الوصول إلى المعرفة.
  • تطوير قدرة الطلبة على استخدام التكنولوجيا كأداة بحث ونظم اتصال معلوماتي.
  • دعوة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلى اعتماد اتقان لغة أجنبية كأحد شروط الالتحاق بالدراسات العليا ولاسيما فيما يتعلق بالعلوم السياسية.
  • إيجاد خطوط اتصال مباشرة بين الجامعة والكلية والوزارات والمؤسسات العراقية ذات الصلة من أجل تسهيل مهمة الطالب في الحصول على المصادر من دون الاكتفاء بكتاب تسهيل المهمة.
  • ضرورة إعادة النظر في سجلات أسماء الخريجين الإلكترونية وتصحيح الأخطاء الواردة فيها.