التحرير: مايكل زمبالست روزالدو  –  لويس لامبفير
الترجمة: بتول كريم
ينبع الكثير من الإبداع في الأنثروبولوجيا من التوتر الناشئ بين مجموعتين من المطالب: أن نفسر المسلمات الإنسانية من ناحية، ونفسر التفاصيل الثقافية من ناحية أخرى. ومن هذا المنطلق، تزودنا المرأة بإحدى أكثر المسائل تعقيداً والتي يجب التعامل معها. المنزلة الثانوية للمرأة في المجتمع تمثل إحدى المسلمات الإنسانية وحقيقة ثقافية عامة. إلا أنه ومع هذه الحقيقة العامة، فإن المفاهيم الثقافية والرموز المحددة عن للمرأة متنوعة بشكل كبير، بل ومتناقضة على حد سواء. فضلاً عن ذلك، فإن المعاملة الفعلية للمرأة وقوتها النسبية ومساهمتها تختلف بشكل ملحوظ من ثقافة لأخرى عبر فترات مختلفة في تاريخ الأعراف الثقافية المحددة. وكلتا النقطتين -المسلمات الإنسانية والتنوع الثقافي- تشكلان مشاكل يجب تفسيرها:
إن اهتمامي في هذه المسألة ليس اهتماماً أكاديمياً بحت بالطبع؛ وإنما أريد أن أرى تغييراً حقيقياً على أرض الواقع وظهور ترتيب اجتماعي وثقافي يكون فيه مدى الإمكانية البشرية متاحاً للمرأة كما هو متاحً للرجل.
إن عالمية التبعية الأنثوية، وحقيقة وجودها في كل نوع من أنواع النظم الاجتماعية والاقتصادية، وفي المجتمعات بكل درجات التعقيد، تشير إلى أننا نواجه شيئاً عميقاً جداً، وشديد التعقيد وهو أمر لا يمكننا التخلص منه ببساطة عن طريق إعادة ترتيب بعض المهام والأدوار في النظام الاجتماعي، أو حتى عن طريق إعادة ترتيب البنية الاقتصادية بأكملها. أحاول في هذه الورقة كشف المنطق الكامن وراء التفكير الثقافي الذي يفترض دونية المرأة؛ أحاول إظهار الطبيعة المقنعة للغاية التي تكمن في هذا المنطق، لأنه إذا لم يكن مقنعاً جداً، فلن يستمر الناس في تأييده. ولكنني أحاول أيضاً أن أعرض المصادر الاجتماعية والثقافية لهذا المنطق، للإشارة إلى أين تكمن إمكانية التغيير.
قدمت النسخة الأولى من هذه الورقة في أكتوبر 1971 كمحاضرة في دورة «المرأة: الأسطورة والواقع» في كلية سارا لورانس. تلقيت تعليقات مفيدة من الطلاب وزملائي المعلمين في الدورة: جوان كيلي جادول، إيفا كوليش، وجيردا ليرنر. تم تقديم تقرير قصير في اجتماعات الجمعية الأنثروبولوجية الأمريكية في تورونتو، في نوفمبر 1972. وفي الوقت نفسه، تلقيت تعليقات نقدية ممتازة من كارين بلو، وروبرت بول، وميشيل روزالدو، وديفيد شنايدر، وتيرينس تومير. والنسخة الحالية من المقالة، التي تم فيها تغيير فحوى الحجة بشكل كبير، رداً على تلك التعليقات. وأنا بالطبع أتحمل المسؤولية عن شكلها النهائي. هذه المقالة مخصصة لسيمون دي بوفوار، التي ظل كتابها «الجنس الآخر» (1953)، الذي نُشر لأول مرة باللغة الفرنسية عام 1949، في رأيي أفضل فهم شامل منفرد لـ «مشكلة المرأة».
ومن المهم فرز مستويات المشكلة. يمكن أن يكون الارتباك مذهلاً. على سبيل المثال، اعتماداً على الجانب الذي ننظر منه إلى الثقافة الصينية، قد نتمكن من استقراء أي من التخمينات العديدة المختلفة تماماً فيما يتعلق بوضع المرأة في الصين. في أيديولوجية الطاوية، يتم إعطاء بين، المبدأ الأنثوي، واليانغ، المبدأ الذكوري، وزناً متساوياً؛ «إن التعارض والتناوب والتفاعل بين هاتين القوتين يؤدي إلى ظهور كل الظواهر في الكون» (سيو، 2:1968).ومن ثم يمكننا أن نخمن أن الذكورة والأنوثة لهما نفس القيمة في الأيديولوجية العامة للثقافة الصينية. إلا أنه، عندما ننظر إلى البنية الاجتماعية، نرى مبدأ النسب الأبوي الذي تم التأكيد عليه بقوة، وأهمية الأبناء، والسلطة المطلقة للأب في الأسرة. وهكذا يمكننا أن نستنتج أن الصين هي المجتمع الأبوي النموذجي. وبالنظر إلى الأدوار الفعلية التي تلعبها النساء، والقوة والنفوذ الذي يمارسنه، والمساهمات المادية التي تقدمها المرأة في المجتمع الصيني – وكلها، عند الملاحظة، كبيرة جداً – يتعين علينا أن نقول إن للمرأة مكانة كبيرة (غير معلنة) في النظام. أو مرة أخرى، يمكن أن نركز على حقيقة أن الإلهة، كوان يين، هي الإله الرئيسي (الأكثر عبادة، والأكثر تصويراً) في البوذية الصينية، وقد نميل إلى القول، كما حاول الكثيرون القول عن عبادة الإلهات في الثقافات ما قبل التاريخ والمجتمعات التاريخية المبكرة، أن الصين هي في الواقع ذي نظام أمومي. باختصار، يجب أن نكون واضحين تماماً بشأن ما نحاول شرحه قبل أن نبدأ بشرحه.

لقراءة المزيد اضغط هنا