غريغوري كوبلي

وسط تصاعد المخاوف الأمنية الداخلية  والضغط الناتج عن انهيار اسعار النفط ، قد تكون المملكة العربية السعودية على شفا الانهيار.

بدأت القيادة السديرية لآل سعود عام 2016 بدفعة كبيرة لإنقاذ الموقف والسيطرة على المملكة، وهذه أيضاً محاولة لترسيخ قوتها الإقليمية في الوقت الذي استطاعت فيه المملكة الخروج من ظل صورتها المبنية على علاقاتها مع القوى الكبرى التي هيمنت على وجودها منذ تأسيس الدولة عام 1932.

اثار إعدام السعودية لرجل الدين الشيعي الشيخ نمر باقر النمر (56 عاما) في الثاني من كانون الثاني 2016 جنبا إلى جنب مع 46 منشق سياسي آخر انقساماً بين إيران من جهة والمملكة العربية السعودية وعدد من حلفائها من جهة أخرى. لقد كان هجوماً جيوسياسياً، الذي يعتبر اكثر حدة من الحرب الطائفية بين المسلمين، التي غالباً ما تتسم بإجراءات رمزية ودعوات تحشيد.

أن هذا لا يعني عدم وجود أي عنصر ديني او حتى دافع وراء هذا الفعل. من الواضح أن هناك جانباً دينياً كبيراً، ولكن تصرفات القادة السعوديين مبنية معظمهما على محاولة الحفاظ على مراكزهم في رأس الكيان الجغرافي السياسي للمملكة وكذلك من خلال مطالبتهم بالقيادة الدينية من خلال سيطرتهم على الحرمين الشريفين في 1932 وتسمية انفسهم كخدام له.

كانت هذه الأزمة التي بدأت بالتخمر منذ بضعة أشهر، وعمل إعدام الشيخ النمر المتعمد من قبل الرياض، كمحفز لانقسامات أكثر وضوحاً. قال وزير الدفاع والشؤون الخارجية يوسف بودانسكي أن إعدام  الشيخ نمر سيجعله “الدوق فرديناند في الشرق الأوسط”، كما قال بودانسكي أيضا في 18 ايار 2009 “يقال بإن الشيخ نمر باقر الناري النمر (40+) من العوامية بأن يكون المرشد الروحي للجمهورية الجديدة [شرق المملكة العربية]” الذي دعا في المناطق الشيعية إلى تفكك المملكة، وهذا سبب كافي لاعدام الشيخ النمر الذي لم يكن رجلاً دينياً مهما كما ادعت العديد من التقارير الإعلامية الغربية.

ولكن مع بداية عام 2016  كانت القيادة السعودية بحاجة إلى حشد دعم قيادتها وحتى شرعيتها سواء داخل المملكة وخارجها، ويمكن القول بأن المخاوف بشأن الانقسام الاجتماعي والسياسي الداخلي كانت أكثر أهمية من الحصول على دعم إضافي للرياض من الدول السنية الأخرى في حروبها ضد اليمن وسوريا. ومن المرجح ان تكون تداعيات الاعدام التي ظهرت بشكل فوري في المنطقة ذات اهمية كبيرة. وقد نتج هذا الحدث الثانوي عن تضرر العلاقات الأمريكية السعودية، أو إظهار أن الرياض بدأت بالعمل خارج نفوذ واشنطن.

قام وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مباشرة بعد أعمال الشغب المناهضة للسعودية التي استهدفت البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران بالاتصال هاتفياً بوزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف لمناقشة هذه القضية، ثم اتصل هاتفياً بنظيره السعودي عادل الجبير لكي يأتيه الرد بأن السعوديين لا يرغبون بالتحدث إليه. وكان هذا أسوأ رد إلى الولايات المتحدة من قبل المملكة العربية السعودية منذ قطع  الملك عبد الله بن عبد العزيز زيارة قصيرة لباراك أوباما إلى المملكة في 28 اذار 2014.

وهكذا يبدو الصدع المتزايد بين السعودية وإيران خارج نطاق تأثيرالولايات المتحدة، وهذا يطرح سؤال عن كيفية تطور الصراع الإيراني السعودي الآن، وعن من قد يستفيد أو يعاني منه، كان واضحاً على الفور بأن هذا الحدث ألقى بظلاله على المفاوضات الرامية الى وضع نهاية سلمية للحرب التي قادتها السعودية في اليمن. ان استمرار هذا الصراع يهدد بتفاقم أزمة الميزانية السعودية، الأمر الذي أدى بالفعل لقيام كبار الأمراء السعوديين بالطعن في حكمة القيادة الحالية. هذا قد يكلف المملكة العربية السعودية غالياً، خاصة إذا تم التشكيك بعلاقة الولايات المتحدة بالسعودية. الواضح الان أن “قوة عظمى” وحيدة قادرة على الاستفادة من الوضع نظراً لتوسع رقعة الصراع بين سوريا واليمن وحتى عبر البحر الأحمر، وهذه القوة متمثلة بتركيا. ليس هناك تأثير للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي  (EU)، كما وينظر الى روسيا باعتبارها داعماً لإيران، بينما تحاول جمهورية الصين الشعبية (PRC)  عدم الميل الى أي جانب في الخلاف.

كما أنه يطرح سؤال حول ما الذي اثر على المملكة ودفعها الى القيام بعمليات الإعدام الجماعية للمعارضين واعتبارها “كرسالة رمزية موحدة”،التي ظهرت كذلك؟ جزء منه يكمن في حقيقة أن القادة السعوديين قد خضعوا الى ضغوط متزايدة محلية واقليمية من المتشددين الوهابيين لاظهار قدراتهم وشرعيتهم، وشمل هذا ضغوطاً متزايدة من انصار داعش وكذلك من قبل المتشددين المحليين، وحتى من قبل اعضاء من العائلة المالكة من الذين أصيبوا بخيبة أمل بسبب تدمر الاقتصاد السعودي من خلال زيادة الإنفاق على الحروب الخارجية. ومن الجدير بالذكر أنه من بين الـ 47 شخصاً الذين أعدموا في 2 كانون الثاني 2016، ثلاثة منهم كانوا شيعة سعوديين، ولكن ثلثهم كان من المنتمين لتنظيم القاعدة السعودي وغالبيتهم من السنة.

في غضون ذلك، وعلى الرغم من قيام مجلس التعاون الخليجي (GCC) للدعوة الى عقد اجتماع طارئ لمناقشة الأزمة، كان من الواضح عدم توافق دول مجلس التعاون الخليجي مع بعضها، وعدم امكانية تمثيلها لوجهة نظر متوازنة حول الوضع، إيران،على سبيل المثال غير ممثلة في دول مجلس التعاون الخليجي. وضمن دول مجلس التعاون الخليجي هناك عداء قوي بين المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان، وذلك لأن السعوديين شعروا بأن عُمان قد أذعنت للتسليم الايراني للأسلحة والمقاتلين إلى اليمن، سامحة بذلك للطائرات الايرانية بالتحليق فوق المجال الجوي العماني والالتفاف على المملكة العربية السعودية واحتمال اعتراض البحرية الامريكية. قامت تلك الرحلات التي يقوم بها سلاح الجو الإيراني اليوشن ايل 76MD وطائرات بوينغ 747 الخاصة بالنقل ، بنقل منظومات الأسلحة الرئيسية مثل اسكندر ، المشار له بالاسم الرمزى 26_SS من قبل الناتو، وصواريخ بالستية، ومقاتلين حزب الله للقوات الشيعية الزيدية الحوثية التي تقاتل التحالف السعودي.

لعبت عُمان، في تشرين الثاني 2015 وبعده، دوراً في جلب الحوثيين الى محادثات جنيف للسلام في اليمن. وبدأت المحادثات بين الحكومة اليمنية برئاسة عبد الهادي منصور والحوثيين في جنيف تحت رعاية الأمم المتحدة في 15 كانون الاول 2015 ودعا الجانبان الى هدنة فورية لمدة سبعة أيام (وقد انهار وقف إطلاق النار السابق في حزيران 2015 قبل اجتماع الأطراف). وبدأت خروقات وقف إطلاق النار على الفور تقريبا، وانتهت المحادثات مرة أخرى بحلول 20 كانون الاول 2015.

ان القتال الذي يقوم به التحالف بقيادة السعودية في اليمن لا يعالج الحوثيين فقط، فقد دخلت جماعات مختلفة تابعة لتنظيم القاعدة السني أيضاً في الصراع مع التحالف. في 1 كانون الثاني 2016، قتل مقاتلون موالون لهادي زعيم تنظيم القاعدة علي عبد الرب بن طلب، الملقب أبو أنوروثلاثة آخرين في محافظة أبين جنوب اليمن. كان أبو أنور زعيم تنظيم القاعدة في محافظة حضرموت التي تقع بالقرب من الحدود العمانية.

قامت قوات التحالف السعودية بهجوم كبير في أواخر كانون الاول 2015 ضد قوات الحوثيين في مناطق خارج العاصمة صنعاء، كما قامت بزج بقوات اضافية إلى المنطقة. كانت قطر، التي على خلاف مع السعودية حول عدد من القضايا الرئيسية، داعماً للمملكة في هذه الجبهة. في ايول 2015، زجت قطر بـ 1000 جندي، مدعوم بـ 200 عربة مدرعة و 30 طائرة بوينغ  و64  أباتشي لدعم عملية السعودية، كما كان من المتوقع قيام قطر بارسال المزيد من القوات لمساعدة قوات التحالف بالسيطرة على محافظة الجوف اليمنية. خسرت قوات التحالف الكثير على أرض الواقع، وفقدت العديد من الطائرات المقاتلة بسبب استهدافها بصواريخ أرض – جو، فقد خسر سلاح الجو الملكي المغربي F-16 في ايار 2015، وخسر سلاح الجو البحريني F- 16  في منطقة جازان بالقرب من الحدود السعودية – اليمنية “بسبب خطأ فني” في كانون الاول 2015.

تداعيات أوسع نطاقاً: إن للاستقطاب الذي صور على أنه “خلاف بين السنة والشيعة”، الذي هو في الواقع تنافس جيواستراتيجي، ومجموعة من القضايا المصاحبة الأخرى:

  1. الأمن الداخلي: ان محاولة القيادة السعودية، التي تعمل تحت اسم الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولكن بشكل خاص تحت قيادة ابنه، وزير الدفاع ونائب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ذو 30 عاما ، لقمع المعارضة المتزايدة الممتدة في الأسرة الحاكمة لإدارة الشؤون الوطنية قلت بسبب ازمة الاقتصاد والتوقعات الاقتصادية. وقد عزز هذا الانشقاق على معاملة كل من المعارضة “كإرهاب”.
  2.  المخاوف الإقليمية: مما لا شك فيه أن هناك قلق داخل الحكومة وكذلك على الصعيد الإقليمي من أن التدخل الروسي في الصراع السوري قد أخذ زمام المبادرة من قوات التحالف والقوات المعارضة “القوى السنية”، وسلمها لحكومة بشار الأسد، وبالتالي إلى إيران. علاوة على ذلك، ادت الإجراءات الناجحة من قبل الحكومة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة ضد قوات داعش في الأشهر الأخيرة الى خفض زخم القوى السنية في العراق، التي يمكن أن تتأثر من قبل المملكة العربية السعودية، وأعطت زخماً لإيران. اكتسبت إيران أيضاً قوة من خلال قدرتها على إدارة الحرب في اليمن، من خلال ضمان عدم تمكن السعودية والقوات التي تقودها من تحقيق نصر سريع. وزاد هذا من واقع أن إيران ستكسب قوة اقتصادية وعسكرية وتأثير وإقليمي عندما تخفض العقوبات الدولية ضدها نتيجة لاتفاق عام 2015 الذي وقع بين ايران ومجموعة 5 + 1 بقيادة الولايات المتحدة ،لإنهاء برنامج الأسلحة النووية الإيرانية. ولا عجب إذا ادى ذلك من قيام القيادة السعودية بالنظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها دولة غير صديقة.
  3.  الضغوط الاقتصادية: كل من إيران التي تحررت من العقوبات النفطية والمملكة العربية السعودية ملتزمة بزيادة انتاج النفط الخام في أوائل عام 2016، حيث تعول المملكة العربية السعودية على حقيقة أن انخفاض أسعار النفط العالمية سيساعد على التخلص من نفط شل الامريكي ودفعه خارج العمل. على الرغم من أن تقنيات إنتاج نفط شل قد تطورت بسرعة أكبر خاصة فيما يتعلق بانخفاض التكلفة، أدى انخفاض أسعار النفط الى اقل من 60 في المئة منذ حزيران 2014 الى تقليل عدد منصات النفط في الولايات المتحدة من 1609 في تشرين الاول في 2014 إلى 524 في 11 كانون الاول 2015.

قد يقول بعض المحللين السعوديين بإن مقامرة المواصلة بإنتاج النفط بشكل كبير في مواجهة انخفاض الأسعار قد اتت بثمارها، ولكن استمرار العجز العالي في ميزانية الحكومة السعودية قد يهدد الدولة باستنفاد احتياطاتها المالية المقدرة ب 700  مليار دولار في غضون خمس سنوات أو نحو ذلك. وقدر بان احتياطيات النفط والغاز في المملكة العربية السعودية قد تستمر الى حوالي 18 سنة، ولكن سياسات المملكة العربية السعودية تعتبر مقامرة خاصة مع الاسعار المنخفضة للنفط وزيادة الإمدادات المتاحة من قبل الولايات المتحدة من خلال زيادة انتاج نفط شل. ليست هذه هي القضية وذلك لان التوعك الاقتصادي العامل الحالي له طلب محدود. وعلاوة على ذلك، فان ارتفاع الثروات الاقتصادية العالمية (وبالتالي الطلب على الطاقة) من شأنه أن يؤدي أيضاً إلى استئناف الارتفاع في إنتاج الولايات المتحدة، وبصرف النظر تماماً عن حقيقة أن الإدارة الأميركية المقبلة ستوافق في مرحلة ما على توسيع استغلال الولايات المتحدة بشكل أكبر لاحتياطيات النفط والغاز والمستبعدة في الوقت الحاضر، ولكن بالنسبة للقيادة السعودية البقاء على قيد الحياة على المدى القصير يفوق الاعتبارات التي تضمن بقائها على المدى الطويل.

  1.  افعال متهورة: هناك مخاوف حقيقية جداً في المملكة العربية السعودية من أن حرب اليمن قد استمرت لفترة أطول بكثير مما كان يمكن ان يكون واقعياً مما جعلها تتخذ إجراءات متهورة مثل التنسيق مع دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2015، قطع العلاقات مع جيبوتي وإريتريا والصومال، ان هذه الطريقة سببت خطراً على إثيوبيا، التي تعتمد على حيوية جيبوتي لصادراتها. وعلى الرغم من مشاعر عدم الثقة في المملكة العربية السعودية تجاه الولايات المتحدة في الوقت الحاضر، فإن الولايات المتحدة قد دعمت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في خلافهم مع جيبوتي، وهذا قد يكلف الولايات المتحدة استراتيجياً من خلال اضعاف نفوذها في البحر الأحمر . هذا أيضاً يهدد أمن إثيوبيا، ويبدو أن هذا الاستقطاب للمشاعر السعودية الاثيوبية يحتمل أن يؤثر على المساعدات العسكرية للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة لإريتريا، وإحياء ايمان الرئيس أسياس افيويركي في أسمرة بانه يستطيع (مع مساعدة الرياض وأبو ظبي) استئناف حربة بالنيابة ضد إثيوبيا.

لم يكن هناك دلالة على ان إثيوبيا ستنفر في 2 كانون الاول 2015 من معرفة أن الولايات المتحدة قد سحبت من جانب واحد استخدامها للقاعدة الجوية الاثيوبية في أربع مينش، من حيث أنها أجرت  ضربات UAV وعمليات استطلاع  ضد حركة الشباب في الصومال وغيرها من الجماعات المتمردة الجهادية. وكانت القيادة الاثيوبية قد عقدت كل الآمال الاستراتيجية على مظلة الولايات المتحدة الواقية ، ولكن هذا تآكل تدريجياً. واستمرت الإجراءات السعودية بالاتسام بالتهور في أماكن أخرى، والأقل وضوحاً من هذه الاجراءات هي بناء المساجد الوهابية في جميع أنحاء العالم التي تواجه معارضة أخيرا وليس فقط في الدول الغربية ولكن حتى في باكستان وإثيوبيا.  لكن الدعم المالي السعودي للجماعات الجهادية المناهضة للصين مثل “حركة استقلال تركستان الشرقية” دعم لجان المقاومة الشعبية في المملكة العربية السعودية.

أصبحت روسيا، بحلول ايول عام 2015، مورد النفط الأساسي للجان المقاومة الشعبية، وهي حالة من المرجح أن تستمر. ليس هناك شك في ذلك، في الوقت الذي تستمر فيه سياسات الولايات المتحدة والغرب الاستراتيجية، يستمر الدعم السعودي القطري التركي للجهاد، وقد حصلت روسيا وجمهورية الصين الشعبية على هوية بسبب المصالح الاستراتيجية.

  1.  مصر وآخرون: أين مصر في الحسابات السعودية؟ كانت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة من المناصرين الاقتصاديين الحيويين لمصر عندما طردت المعارضة الشعبية الرئيس محمد مرسي من منصبه في منتصف عام 2013 ولا يزالون شركاء استثمار مهمين للرئيس عبد الفتاح السيسي، ونتيجة لذلك، اضطرت مصر لدعم السعودية والإمارات العربية المتحدة في اليمن، وأن تلزم الصمت بشأن الإجراءات السعودية في كثير من الأحيان مع قطر وتركيا، في سوريا على الرغم من مخاوف القاهرة الخطيرة بشأن الإجراءات السعودية. ظلت الحكومة المصرية هادئة حول العديد من القضايا مثل الصدع السعودي والإماراتي مع جيبوتي وفي تحرك الرياض وأبوظبي لإنشاء قواعد عسكرية في (وتوفير الدعم العسكري والاقتصادي) إريتريا.

ان سياسات وافعال المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة فيما يتعلق باليمن وإريتريا وجيبوتي تؤثر كثيراً وبشكل كبير على الطريق التجاري الأكثر حيوية في مصر: السويس / خط البحر الاتصالات للبحر الأحمر (SLOC)، ولكن حرب المملكة العربية السعودية تبدو على انها حرب شخص متحمس ضد المذهب الشيعي في اليمن وسوريا والعراق، ومحلياً داخل المملكة جعلت بعض حلفائها التاريخيين مثل باكستان (حيث نحو 20 في المئة من السكان هم من الشيعة) متوترين.

من غير المستغرب قيام الجمعية الوطنية الباكستانية بالتصويت بالاجماع يوم 10 نيسان 2015  برفض طلب المملكة العربية السعودية للانضمام إلى التحالف العسكري ضد الحوثيين، على الرغم من العلاقات الوثيقة للغاية التي يمتلكها رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف مع المملكة. حتى بالنسبة لمصر، التي يعتبر الشيعة فيها اقلية، فأن اتحاد المملكة العربية السعودية مع منافسيين سنة داخل تركيا يسبب القلق، ومن الواضح أن مصر تسعى الى القيادة الثقافية والاستراتيجية في العالم العربي، لكنها لم تطلب هذا النوع من القيادة الدينية للطائفة السنية التي تم السعي لها من قبل السعوديين وقطر وتركيا. لتعزيز أوراق اعتماده العلمانية على حساب الدين، اجتمع الرئيس المصري السيسي في 26 كانون الاول 2015 مع المواطنة العراقي نادية مراد، وهي امرأة ايزيدية كانت قد اختطفت واغتصبت من قبل مقاتلي داعش عندما سيطروا على مدينة سنجار في أب عام 2014. تعود الديانة الإيزيدية الى ما قبل الإسلام وترتبط مع الأديان القديمة لبلاد ما بين النهرين.

ان موقف إسرائيل غير معلن في جميع تقارير وسائل الإعلام، وهي التي تربطها علاقات استخباراتية كبيرة ووثيقة مع المملكة العربية السعودية، ولكنها تشعر بالقلق على المحاولات التركية والقطرية والسعودية والامريكية لاستبدال الرئيس السوري بشار الأسد. من المرجح أن تقوم التحركات السعودية الاخيرة بتعزيز المشاورات بين مصر وإسرائيل والأردن.

وقفت البحرين، الملتزمة مع التحالف السعودي في اليمن، وذات الأغلبية الشيعة من السكان، فوراً مع المملكة العربية السعودية في كسر العلاقات الدبلوماسية مع إيران. وقد تكون هذه محاولة للحد من أي مصدر إلهام من السفارة الايرانية لقيام الشعب باعمال شغب ضد الحكومة، ولكن حتى مع ذلك، تتواصل إيران مع المجتمع البحريني بشكل واضح وعميق ورصين، ويمكن للبحرين أن تواجه اضطرابات كبيرة قريبا، وهذا من شأنه أن يؤثر على الولايات المتحدة والانتشار العسكري البريطاني المتمركز في تلك المملكة.

  1.  سوريا وداعش: يبقى السؤال ما إذا كان الارتفاع الملحوظ في الإجراءات الأمنية الداخلية، التي ترمز لها اعدامات الثاني من كانون الاول من هذا العام 2016 سينقص من قدرة المملكة المادية لتمويل الجيش والموظفين والاستخبارات والانشطة الجهادية ضد الرئيس السوري بشار الأسد والدعم الضمني لداعش. لا تستطيع المملكة العربية السعودية أن تغيب نفسها من قيادة القضية السنية في سوريا والعراق، ولكن لا يمكنها أن تتحمل التكلفة المادية المترتبة على القيام بمساهمة عسكرية كبيرة، وبالتالي فإنه لمن المرجح ان يستمر التدخل في سوريا والعراق من قبل أجهزة المخابرات، وخاصة رئاسة المخابرات العامة (رئاسة الاستخبارات السعودية) ووكالة الاستخبارات العسكرية.

على المدى القصير، من المرجح ان تستمر المملكة العربية السعودية في تصعيد أنشطتها العسكرية في اليمن في محاولة لفرض تسوية – ودلالة للشارع العام بانهم منتصرين- في أسرع وقت ممكن، وستتمثل وظيفة إيران بتأجيل أو تخفيف أو تدمير هذا الهدف. يجب أن تكون الخطوة القادمة في المملكة العربية السعودية،الجارية بالفعل، هي زيادة حشد الدعم السني المتطرف والمعتدل حول الوهابية لخوض حرب جيوسياسية ضد ايران وتمثيلها على أنها حرب دينية.

في مثل هكذا حرب تعتبر تأكيدات السلامة الأخلاقية والجسدية وحماية المستضعفين أسلحة رئيسة لكسب الشرعية، ولكنها ليست السبب الكامن وراء الصراع. من خلال البدء بعملية جديدة، ساعدت السعودية على إطلاق العنان لمزيد من الصراعات بالوكالة والمتابعة على (أو التنافس مع ميليشيات غير حكومية) التي تخضع لسيطرة قليلة أو معدومة. صحيح أن القيادة السعودية لم تفكر بالاثار الجانبية التي ستسبها الإجراءات الحالية لها، ولكن من الصحيح أيضاً اعتبار وجود عوامل واقعة خارج حساب القياس والسيطرة، مثل الدوافع الاجتماعية داخل الفصائل المختلفة في العالم الإسلامي، التي يمكن ان تحدد ما إذا كان الوضع قد يتطور الى صراع لا رجعة فيه، أو الى انهيار دول عديدة.

لايزال من المحتمل ان تكون المملكة العربية السعودية احد اكبر الخاسرين بسبب الإجراءات التي تقوم بها. في الوقت الذي يعتبر فيه تفكك اليمن امراً غير وارد، الا ان تفكك المملكة العربية السعودية قد يحدث بسرعة متساوية.


غريغوري كوبلي ، مؤرخ وكاتب ومحلل استراتيجي رئيس جمعية الدراسات الدولية الاستراتيجية في واشنطن DC.

المصدر :

http://time.com/4171248/saudi-arabia-power/