إن معايير جودة مؤسسات التربية والتعليم العالي في تطور وتغيير مستمر ، كونها تُعنى بتنمية المجتمع معرفياً وضمن آليات وسبل اعدادهُ ثقافياً وتربوياً وعلمياً ، فضلاً عن ترسيخ المبادئ التربوية وصقل وتنمية الجانب السلوكي ومن ثم تأهيله علمياً ومهنياً .

لقد شهدت مؤسسات التربية والتعليم العالي العراقي توسعاً افقيا توافقاً مع النمو السكاني بالاضافة الى تحسن المستوى المعاشي الذي حصل للفرد العراقي مابعد عام 2003 ، اضافة لعوامل اخرى ، لكن بقيت هذه المؤسسات تحتاج للتوسع العمودي باعتماد خطوات الرصانة العلمية والمهنية وتفعيل معايير جودة تلك المؤسسات ، وبما يتلائم  والواقع العراقي . ومن اهم الخطوات المرتبطة بترصين وجودة التربية والتعليم وتطويره ، التي تعتبر عملية مستمرة وشبه دائمة في المؤسسات التربوية والتعليمية ، هي عملية تقييم المتعلمين ، إذ يُعد تقييم الطلبة عملية اساسية تعتمد على استخدام آليات وطرق متنوعة للحصول على معلومات من مصادر متعددة للوصول الى حكم يتعلق بمستواهم وتحصيلهم الدراسي او العلمي او المهني . ويمكن الحصول على هذه المعلومات باستخدام عدد من وسائل القياس او اساليب اخرى تزودنا ببيانات غير كمية تُدرج في سجلات المتابعة التي تشير لتفاعل الطلبة  جراء التزامهم باداء واجباتهم وحسن ادائهم ومداخلاتهم ومبادراتهم في قاعات الدرس والحرص على الالتزام في اداء المهام المختلفة التي يطلب منهم انجازها تحريرياً وشفوياً وتقديمهم للمبادرات العلمية والعملية والاعمال التطوعية، بالاضافة لاستمرارية حضورهم وعدم تغيبهم ، وعوامل اخرى تعتمد على المرحلة الدراسية وتخصص دراستهم.

 يمكن ان يبنى التقويم على بيانات كيفية او بيانات كمية ، الا ان استخدام وسائل القياس الكمية ، غير الممنهجة في بعض الاحيان التي تعتمد على اهواء وخبرة المقيم ، هو الاكثر شيوعاً واستخداماً لأنه كما متعارف عليه يعطي أساساً سليماً تبنى عليه أحكام التقويم ، لذا أعتدنا أن نركز ونعتمد عليه بشكل اساسي ، وأكثر اسلوب يتم أستخدامه في التقييم هو اسلوب الامتحانات ، التي الغيت للدراسة الابتدائية في كثير من دول العالم كعامل للعبور او عدمه من مرحلة دراسية لاخرى ، ويزج الطلبة في المراحل الدراسية حسب فئاتهم العمرية ، بالاضافة الى بعض الاصوات التي ظهرت في بعض دول العالم  تطالب بالغاء الامتحانات كعامل تقييمي ومحدد لاجتياز مرحلة دراسية محددة ، لما لها من تأثير نفسي سلبي على النمو التربوي والثقافي والتفكير العلمي الخلاق لدى الطلبة ، وعادة ما يتم تقسيم المئة درجة التي تعتبر اعلى درجة في عملية تقييم الطلبة بالنظام المئوي والمعمول به حالياً في المؤسسات التربوية والتعليمية العراقية كالمدارس والجامعات ، وعلى الامتحانات اليومية والفصلية والنهائية ، وتكاد تكون هي الوسيلة الوحيدة في كثير من الاحيان ، ولكن هذا الاسلوب المتبع في التقييم ، اسلوب الامتحانات ، بدأ يتعرض لكثير من الانقادات وعدم ملائمته للتغييرات الحديثة في اساليب الدراسة وتحولها من التعليم الى التعلم ، وشيئاً فشيئاً بدأت تفقد مكانتها كوسيلة وحيدة للتقييم، حيث لوحظ انها لاتحقق الهدف المنشود، ولاتتوافق مع تطور طرائق التعليم والتعلم ولعل السبب الاساسي في عدم كفاءة اسلوب الامتحانات في التقييم ، كونها لاتحقق الهدف المنشود ولاتتوافق مع التطور في جميع المفاصل والخطوات المتبعة في المؤسسات التربوية والتعليمية ، كوسيلة اساسية للتقييم، وانها ليست دائماً طريقة موضوعية، كونها تخضع لمزاج الاشخاص الذين يكلفون لوضع الاسئلة ، وتوزيع الدرجات عليها والبت في مدى شموليتها قياساً للمنهاج الدراسي ومواضيعه ومفرادته وتصحيح الاجابات ، سواء كانوا افراداً او مجموعات وخبراتهم العلمية والشخصية. فاذا كان الممتحن شخصاً لايسعى للتطوير والاستزادة العلمية والمعرفية ، فأنه سيؤثر على التطور الطبيعي لهذا الاسلوب في التقييم ، حتى لو لم يكن مصمم هذا الامتحان شخصاً واحداً ، وانما لجنة مكونة من مجموعة اشخاص وهو احدهم . فمن المؤكد ان الخبرات الفردية ستتدخل في وضع الاختبار والتقييم التعليمي ولهذه الاسباب لابد من اعادة النظر في اساليب التقييم والتصميم وابتكار طرق واساليب جديدة تساعد على الاستفادة من الكم المعرفي الهائل والمتسارع والفروق الفردية فيما بينهم ، ومن هنا يجب البحث عن بدائل مناسبة لتنمية القدرات العقلية والشخصية لدى الطلبة ، واكثر قدرة على تحقيق الاهداف المرجوة من التعليم ، واكثر ملائمة مع التطورات العصرية في مجالات التربية والتعليم والتكنولوجيا ، كما لابد من البحث عن اساليب تقييم عادلة وقادرة على تقييم كل من المتعلمين بما يستحقه ، دون النظر لاي اعتبارات أخرى ،اضافة الى ان اسلوب التقييم يجب ان يسعى الى جعل التعليم مشاركة ، وان يشتمل على الاليات التي تساعد وتمكن المشرفين على العملية التربوية والتعليمية من اكتشاف الموهوبين ، ومن ثم التعامل معهم بما يطور العملية التعليمية والمعرفية ، وضمان الاساليب التي تسهم في اغناء الخريجين بالمهارات التي يحتاجونها في حياتهم العملية .

 واخيراً لابد من إدخال طرق جديدة لتقييم المعارف والمهارات التي تمتاز بالشمول والحداثة ، ولأنجاح هذه الاساليب لابد ان يوضع مانسبته 40% من درجات التقييم لطلبة الجامعات والمؤسسات التعليمية مابعد الدراسة الاعدادية على اساليب البحث ونشاطات الطلبة ومبادراتهم وابتكاراتهم ومواهبهم ومؤهلاتهم ، التي تعرض وتقدم شفوياً في قاعات الدرس والمختبرات ، مما يمكنه من البحث واستخلاص المعلومة من مصادرها المختلفة واحضارها وعرضها على ان يأخذ على هذه المهام ما يحفزهُ من نسبة جيدة من درجات التقييم ، اضافة الى التعزيز المعنوي الذي سيحفز وينشط عقله وجسمه وقدراته ، ليتخرج وهو يمتلك اساليب التعلم والمعرفة والخصائص الشخصية في العرض والتقديم والتفكير الايجابي غير المتردد وعندها سنضمن جودة مخرجات التعليم العالي بما يخدم المجتمع ومؤسساته الحكومية والخاصة .