باتريك كوكبورن

يصف نجم الدين كريم حاكم كركوك “إنهم مثل المغول”، متحدثاً عن قوات الدولة الإسلامية التي تضرب في دفاعات محافظة كركوك النفطية. على الرغم من أنهم لم يخترقوا المدينة ،وإنه على ثقة من أنهم لن يقدروا على ذلك، ولكن الخطر الذي يشكله داعش والخوف الذي يسببونه هو السمة الغالبة على الحياة، حتى في تلك الأجزاء من شمال العراق التي لم يتمكنوا من السيطرة عليها العام الماضي.

من حيث الإرهاب الذي تظهره الدولة الإسلامية ومن خلال وحشية أفعالها، فإنه في الواقع لديهم الكثير من القواسم المشتركة مع الفرسان المنغوليين الذين دمروا بغداد وذبحوا سكانها عام 1258. الدولة الإسلامية تزرع بالمثل جواً من الخوف بين أعدائها، مثلما تفكك الجيش العراقي عندما اقتحمت قواتها مدينة الموصل في يونيو الماضي وبكثير من الأحداث نرى الشيء نفسه عندما هاجموا قوات البيشمركة العراقية بعد بضعة أشهر، وكان يفترض أن تكون أكثر حزماً في سنجار وسهل نينوى .

وقدمت الدولة الإسلامية إنتصارات سريعة في ذلك الوقت وانطباعاً بوجود قوة شيطانية . النجاحات العسكرية في نظر قادة داعش هي أبعد مما كانوا يتوقعون: وتبين ببساطة أنهم كانوا متأكدين من أنهم يقومون بخطة رب العالمين، وأنه بدعم إلهي. أقل الإهتمامات كانت على ضعف الدول والجيوش التي هزمتها الدولة الإسلامية، وإن كان ذلك بسهولة؛ ولكن كان على قدرتهم على التعلم من الإخفاقات الماضية والتي سيتم تحديد نتيجة الحرب التي تخاض حالياً في العراق وسوريا.

إنتقادات المعارضين للدولة الإسلامية والأداء السيئ على أرض المعركة أصبحت تركيزاً أساسياً لدى الحكومة ببغداد. ليس هناك شك في أن الفساد والطائفية لعبا دوراً على أيدي الدولة الإسلامية. وتولت الاهتمام الأقل على تساؤل لماذا القوات العسكرية التابعة لحكومة إقليم كردستان، والتي يفترض أنها الأكثر صرامة والأفضل قيادةً، فرّت من هجوم داعش في أغسطس، حتى أسرع من الجيش العراقي في يونيو حزيران. يشكو سكان القرى اليزيدية في سنجار والمسيحيون في سهل نينوى بمرارة  من أنها كانت مهجورة من قبل وحدات البيشمركة ،وإنها قبل ساعات فقط قد أقسمت على الدفاع عنها حتى آخر قطرة من دمائهم. وكانت واحدة من أكثر الهزائم المخزية في التاريخ.

وكان لحكومة إقليم كردستان اهتمام صحفي أكبر من حكومة بغداد، وخاصةً منذ أن حصلت الطفرة النفطية في السنوات الخمس أو الست الماضية. وقدمت نفسها على أنها “العراق الآخر”، الذي يؤدي وظيفته بشكل صحيح، والزعماء الأكراد ينتقدون دائما الحكومة المركزية في بغداد كمنحنية ومختلة وظيفياً. وأشاروا إلى الفنادق الجديدة من فئة الخمس نجوم ومراكز التسوق والطرق والجسور والمباني السكنية التي تنتشر في كل شارع في أربيل؛ العاصمة الكردية. كان هناك ازدهار في الجو للبلدة، وكانت هناك أماكن قليلة جداً على الأرض من هذا الذي يمكن أن يقال عنه في أعقاب الإنهيار المالي لعام 2008. ازدحمت أربيل بفود من رجال الأعمال الأجانب، والكثير منهم ما كانوا  يستطيعون في وقت سابق وقبل بضع سنوات أن يشيروا إلى كردستان العراق على الخريطة . واشتكى المديرون المحليون بأنهم ما كانوا يستطيعون تأمين غرف لهم، على الرغم من كل الفنادق الجديدة. حيث بدأت تخصص لرؤساء القيادات الكردية الذين كثيراً ما تحدثوا عن حكومة إقليم كردستان بأنها ستصبح مثل الدول النفطية في الخليج، وهي نسخة مثل دبي الساحلية.

وفي زيارة لإقليم كردستان قبل بضع سنوات مضت، شعرت أنها تشبه وبشكل مقلق مزاج إيرلندا قبل عام 2008 في ذروة الطفرة للنمر السلتي. الأكراد والايرلنديون كلاهما دولة صغيرة والذين يشعرون أنهم قد استضعفوا واستغلوا من قبل جيرانهم طوال تاريخهم. الآن، قد تغلبوا على القهر الأجنبي وأصبحوا قادرين على الغنى مثل جيرانهم. في أربيل، كما هو الحال في دبلن، كان الشعور الغالب والوهمي بالاعتقاد أن “النمر الكردي” سوف يسير قدماً إلى الأبد.

طائرات الأحمال تلك التي كانت تحل الى كردستان، مليئة  بالوزراء ورجال الأعمال ومن حكومات أجنبية ،المتفائلون جداً، لم يكونوا يقدّرون مدى هشاشة الوضع في واقع الأمر. كانت هناك الكثير من القواسم المشتركة بين الطرق التي تم إستبعاد حكومة إقليم كردستان وبقية العراق عما يتصورون. الأكراد إعتمدوا على حصتهم ال17 في المائة من عائدات النفط العراقي لدفع واحد من كل ثلاثة من القوى العاملة التي عملت للحكومة. وكان الفساد منتشراً. قال لي صديق أنه عاش في جزء من أربيل وكانت تحيط بها الجنرالات ومدراء يعملون لحساب الحكومة: “لدي راتب أعلى من أي واحد منهم، ولكن لديهم منازل ثلاث مرات أكبر من منزلي”.  وقالت لي امرأة كردية: “أنّا نسميها “Corruptistan” أو “فسادستان”. وبالنسبة لجميع الفنادق الجديدة من فئة الخمس نجوم، كان من الصعب أن تجد فيها مدرسة جيدة أو حتى مستشفى جيد.

أخبرني رجل أعمال في وقت مبكر من عام 2013 أن حكومة إقليم كردستان كانت دائماً راضية لأي مقارنة لها مع بغداد. “سهولة ممارسة أنشطة الأعمال في أربيل مقارنةً مع بغداد هي جيدة جداً”. لكن “بالمقارنة مع بقية العالم هو تافه”.

إن ما جعل لكردستان العراق أن تختلف حقاً عن بقية العراق، أن الأمن كان جيداً، والشعور بالأمان. الأكراد والأجانب -على حد سواء – يبدو أنهم لم ينظروا إلى الخريطة لينتبهوا أنهم كانوا يعيشون على بعد مسافة ساعة بالسيارة عن بعض الأماكن الأكثر عنفاً على هذا الكوكب. مدينة الموصل على بعد 50 ميلاً فقط من أربيل، ولم تكن سوى مدينة خطرة للغاية منذ عام 2003.

ثقبت الواقعية بأن كردستان العراق هو الجزء الآمن من العراق عندما سيطرت الدولة الإسلامية على مدينة الموصل في يونيو حزيران الماضي. حتى ذلك الحين، والقيادة الكردية تخدع نفسها بالقول: أن ما حدث كان معركة بين السنة والشيعة، والتي يمكن أن تبقى على الهامش وحتى تستفيد منها من خلال قيادة انتهازية على المناطق المتنازع عليها بين العرب والأكراد. في شهر أغسطس، إكتشفوا أنهم قد إرتكبوا خطأً كارثياً عندما شنت هجوماً على الدولة الإسلامية والتي اقتربت من أربيل. وقد هرعت الولايات المتحدة وايران للمساعدة، في حين أن حليف حكومة إقليم كردستان الجديد، تركيا، وجدت نفسها غير قادرة على ذلك.

أربيل اليوم تشبه بومبي أو هيركولانيوم التي في أي كارثة مفاجئة – في حالة الأكراد عسكرياً بدلاً من البركانية – جمدت كل نشاط. المدينة مليئة بالفنادق المحجوز نصفها، فضلاً عن مراكز التسوق والمباني السكنية. يتكدس في بعض هذه الأماكن اللاجئون الذين يعيشون في الأكواخ التي تقدمها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين للأمم المتحدة. هؤلاء الناس هم الذين يدفعون ثمن أوهام القيادة الكردية بالعظمة والأمن. وعموماً، هناك 1.2 مليون من النازحين داخلياً واللاجئين الأكراد من سوريا في إقليم كردستان منذ يونيو حزيران الماضي. والقيادات الكردية تدعي التفضل في منحهم اللجوء، ولكن الكثير من هؤلاء الذين فقدوا منازلهم يلومون هؤلاء القادة أنفسهم للاستهانة بقدرات الدولة الإسلامية عندما كان احتواءها ممكناً.

والبيشمركة حققت ناجحاً في هجمات مضادة، مسترجعة الكثير من سنجار، ولكن مدينة الموصل ومحيطها تبقى راسخةً تحت سيطرة الدولة الإسلامية وطالما استمر هذا الوضع، ستبقى حكومة إقليم كردستان بحالة انعدام الأمن بشكل أساسي. إن مساندة الضربات الجوية الأميركية أمر حاسم في التقدم الذي حققته البيشمركة ، ولوحظ في الزيارات الى خط الجبهات مدى اعتماد البيشمركة على الولايات المتحدة، والقوة الجوية.

وهذا يدرأ إحتمالية الهزيمة الكاملة، ولكن مستقبل أكراد العراق لا يزال يبدو قاتماً حتى ولو أنها ليست سيئة كما بدا الحال في اغسطس آب الماضي، عندما فرّ الكثيرون من مدينة أربيل تماماً كما فعلوا في عام 1991 بعد الهجوم المضاد من قبل صدام حسين عليهم. و كما هو الحال في ايرلندا بعد عام 2008، مهما حدث فإن أيام “النمر الكردي” قد ولت حقاً.

رابط المصدر :

http://www.washingtonpost.com/world/middle_east/the-hidden-hand-behind-the-islamic-state-militants-saddam-husseins/2015/04/04/aa97676c-cc32-11e4-8730-4f473416e759_story.html?postshare=3481428216407478