طوماس و. ليبمان

تركت المملكة العربية السعودية ورائها نصف قرنٍ من الحذر والتحفّظ حول الشؤون الأمنية للمنطقة، بتدخلها الجريء والصريح في الحرب الأهلية في اليمن.

لعقودٍ من الزمن، كانت الوسائل المفضلة للسياسة الخارجية للمملكة هي الدبلوماسية، والنقود، والدين، ورغم أن السعوديين قد أنفقوا المليارات على الأسلحة والمنشآت العسكرية، إلّا أنّ قواتهم المسلحة لم تظهر في الصراعات العديدة للمنطقة إلّا في أدوارٍ ثانوية، وبصورة عامة فانّهم تجنبوا عمليات تحريك القوات التي من الممكن أن تحرّك المعارضة في الداخل أو تسيّس القوّات المسلحة، وحتى في ستينيات القرن الماضي عندما كانت اليمن أرضاً للحرب بالوكالة بين المملكة العربية السعودية وجمال عبد الناصر رئيس مصر، لم يُرسل السعوديون قوّاتهم، وفي الوقت الذي تشارك فيه السعودية بشكلٍ متواضع في التحالف الذي يشن حملة جوية في العراق ضد الدولة الاسلامية (داعش)، فانّ الحملة بقيادة الولايات المتحدة وتوارى فيها السعوديون عن الأضواء.

رغم ذلك، كانت هناك مؤشرات في بعض الأوقات تدل على أنّ السعوديين قد قرّروا إستخدام عضلاتهم لحماية مصالحهم والتقليل من إعتمادهم الأمني، الذي طال أمده، على الولايات المتحدة. فعلى مر السنوات الست الماضية، أكثر أو أقل بقليل، وبشكل متوازٍ مع عملية تقليص التواجد العسكري الأميركي في المنطقة، تولّى السعوديون حملات عسكرية، على نطاق أصغر، في البلدان المجاورة، إبتداءاً من الحرب الجوية عام 2009 ضد الثّوار الحوثيين في اليمن الذين، كما يقول السعوديون، عبروا حدودهم بتحريض من إيران، ثم جاء تحرّك الجنود السعوديين في البحرين لدعم النظام خلال ثورات الربيع العربي، تلته عملية مكافحة داعش في العراق والتحرك الواضح للجنود السعوديين إلى الحدود العراقية، لكن لم يُشبه أي من هذه الأفعال التدخل الجديد في اليمن لا من ناحية المدى ولا من ناحية الطموح، ولم يحتوي أي منهن على نفس المخاطر.

هذه المرّة أخذ السعوديون بزمام المبادرة في جمع تحالف عسكري مكوّن من عشرة دول، في إطار جهدٍ طارئ لمنع نفس اولئك الحوثيين من إحكام السيطرة على كلّ اليمن، وكذلك حصلوا على دعمٍ سياسي للحملة من الولايات المتحدة ومن جامعة الدول العربية، وقاموا بالخطوة الاستثائية التي أعلنوا فيها بدء الحملة في مؤتمرٍ صحفي لسفير المملكة في الولايات المتحدة، عادل الجبير، الذي قال أن بلاده تحرّكت لحماية “الحكومة الشرعية” لليمن، التي يقودها الرئيس عبد ربه منصور هادي، والسعوديون ملتزمون تجاهه لأنّهم هم من خطط لتولّيه الرئاسة بدلاً عن سَلفه، علي عبد الله صالح، الذي انهار حكمه الاستبدادي الطويل في الربيع العربي، أمّا الحوثيون، الذين هم شيعة زيدية في الغالب، والذين هم متحالفون كما هو واضح مع ما تبقّى من المؤيدين لعلي عبد الله صالح، فلقد قال الجبير عنهم “لن يُسمح لهم بالسيطرة على البلاد”.

هرب هادي في بداية الأمر من العاصمة، صنعاء، بعد سيطرة الحوثيين عليها، ثم هرب من عدن، التي تقع على الساحل الجنوبي، عندما تقدّم الحوثيون نحوها، وأفادت التقارير يوم الخميس أنّه وصل الرياض، فالسعوديون يطبقون قاعدة (في السرّاء والضرّاء)، ورغم عدم وضوح الأمر الذي يأملون تحقيقه، إلا أنّهم، ومما لا شك فيه، يملكون هدفاً أكبر بكثير من إعادة حكومة هادي، فهم يريدون إيقاف الانتشار السريع للتأثير الايراني في عموم المنطقة.

في البيان الرسمي للسفارة السعودية الذي أعلنت فيه الحملة الجوية، وفي تصريحات الجبير، لم يتم التفوّه بتاتاً بالكلمتين “إيران” و “شيعة”، لكن بوجود مخاوف للسعوديين تجاه إيران (غريمهم الشيعي للهيمنة على المنطقة)، وبوجود الدعم الايراني الواضح والمتزايد للحوثيين، وحقيقة أنّ السعوديين قد جمّعوا تحالفاً سنّي بالكامل للتدخل، فانّ العامل الايراني جليّ. يقول المحلل الأمني اللامع، بروس ريدل “في تقدير الرياض، فانّ مكاسب الايرانيين هي أكبر النجاحات لمنافسهم الفارسي منذ سقوط الشاه، ويخاف السعوديون أيضاً أن تغذي إيران التوتر والعنف في البحرين في المرحلة القادمة بمساعدة العراق.

إن قرار السعودية بالتصرّف لم يأتِ بسهولة، ولم يُتّخذ إلا بعد مشاورات مكثفة، حسبما قال الجبير، وهو يمثّل أول إختبار حقيقي كبير على الصعيد العالمي بالنسبة للملك سلمان بن عبد العزيز، الذي تربّع على عرش السعودية في كانون الثاني، وقرار التدخل من دون شك كان قراره، لكن التقارير الأولية من الرياض تفيد بأنه تصرّف بعد جدال سياسي قوي تغلّب فيه وزير الدفاع، إبنه ذو ال34 عاماً الأمير محمد، على وزير الخارجية المخضرم، الأمير سعود الفيصل.

من الممكن تفهّم أنّ الأمير سعود كان ممانعاً، لأنّ لائحة الأمور التي من الممكن أن تعود بالسوء على السعوديين صعبة، فمن الممكن وبكل بساطة ان يفشلوا، سامحين بذلك للحوثيين بالسيطرة الكاملة على الجار الحيوي، وذلك سيكون إحراجاً دراماتيكياً، ولن يكون من الممكن ايقاف ذلك لأن القوات المسلحة السعودية لديها خبرة قتالية قليلة. ومن الممكن أن تكون صور الضحايا المدنيين في صنعاء مستفزة وتتسبب برد فعلٍ محلي عنيف، ويمكن أيضاً أن تترك هذه الحملة الجوية أثراً سلبياً في تقوية العدو اللدود للرياض، القاعدة في شبه الجزيرة العربية، والتي هي مترسخة في اليمن لكنها دائماً ما كانت تواجه تحدي الحوثيين. وبطبيعة الحال، فانّ حملة القصف ستُلحق ضرراً مادياً في بلدٍ فقير بما فيه الكفاية، وبذلك تزيد من فرصة مجابهة السعودية لدولة فاشلة عبر حدودها الجنوبية القابلة للنفاذ.

في الحقيقة، أيٌّ كان من سيبرز للسيطرة على اليمن (اذا كان هناك من سيسيطر) فانّه سوف يحصل على جائزة مشكوكٌ بقيمتها، فاليمن هو أفقر بلدٍ في المنطقة، ويزداد فقره أكثر مع ازدياد عدد سكانه واضمحلال عائدات نفطه، كذلك فانّ الماء ينفد منه، والكثير من المياه التي يمتلكها يتم تبديدها على انتاج أوراق مخدرات القات، التي لا تحتوي على أي محتوى غذائي، واليمن لديها أيضاً تقليد طويل من الاستقلال العشائري ومقاومة سيطرة الحكومة المركزية، لذا فربما يكون من مصلحة السعوديين طويلة الأمد أن يسيطر الحوثيون على البلد ويحاولوا إدارته.

رابط المصدر :

http://www.mei.edu/content/at/saudi-arabia%E2%80%99s-high-stakes-gamble