في مقابلة له مع قناة العربية، أوجز الامير محمد بن سلمان ولي ولي العهد في المملكة العربية السعودية رؤيته الطموحة لعام 2030 متعهداً بفطم المملكة العربية السعودية من الاعتماد على النفط بحلول عام 2030، وحددت الرؤية مجموعة واسعة من الاصلاحات المالية والاقتصادية التي من شأنها أن تحول المملكة من اقتصاد نفطي الى اقتصاد يركز على الاستثمار، ولكن هل هذه المبادرة، الرؤية المثالية لأمير شاب ومتفان في العمل، ذات أهداف واقعية في بلد يعتمد حالياً على النفط في 90٪ من ناتجه المحلي الإجمالي[1] ؟

على مدى عقود، واجهت جهود إزالة هاجس المملكة تجاه النفط استقرار راكد من عدم الارتياح وعدم الاهتمام، ان هذا يشبه “قول أب لابنه البالغ من العمر 40 عاماً أن الوقت قد حان للخروج والحصول على وظيفة”، وفقاً لمعلق سعودي [2]. في عمر الثلاثين ستكون حيوية الشاب بن سلمان ضرورية لتحقيق أي نجاح في هذا المسعى، خاصة في تعبئة الشباب السعودي الذين يشكلون 70٪ من السكان وتشجيعهم على “العمل والعمل والعمل” [3]، وإن تجربته في وسائل الاعلام الاجتماعية والسياسية وأدواره المتنوعة في الحكومة، بما في ذلك كونه أصغر وزير دفاع في العالم، ستكون مهمة في تحقيق هذا الهدف.

ومن بين المبادرات المذكورة هي طرح جزء من شركة أرامكو، أكبر شركة نفط في العالم، للاكتتاب العام  (IPO)، وإطلاق أكبر صندوق للثروة السيادية في العالم الذي يبلغ قيمته أكثر من 2 تريليون دولار، وزيادة الصناعات النابعة من الداخل مثل التعدين وإنتاج الأسلحة، وتوفير المزيد من الدعم لذوي الدخل  المنخفض، والحد بشكل كبير من الإسراف في الإنفاق، وتشجيع السياحة، وانشاء متحف إسلامي، ويريد بن سلمان أيضاً تنويع الاعتماد على الطاقة في المملكة من خلال استغلال إمكانات الطاقة الشمسية عن طريق  إنتاج 9.5GW  من الطاقة الشمسية بحلول عام 2030 (لأغراض المقارنة، أنتجت الصين الرائدة في مجال الطاقة الشمسية في العالم 43GW  العام الماضي) [4].

وتمثل هذه المبادرات ما قاله خالد الفالح، رئيس أرامكو، “تحولاً جوهرياً في المشهد الاقتصادي لدينا” [5]، في الواقع، ان وضع 1٪ من شركة أرامكو للاكتتاب العام وزيادته إلى حوالي 5٪ في عام 2020 سيمثل أكبر طرح عام أولي في العالم، ويحتمل ان تصل الأموال التي جمعت من الاكتتاب العام إلى أكثر من 100 مليار دولار وفقاً لجيمس ريف، نائب رئيس الخبراء الاقتصاديين في مجموعة سامبا المالية في المملكة العربية السعودية، وهذا شأنه أن يسهم في إنشاء صندوق للثروة السيادية بقيمة 2 مليار دولار للاستثمار في مجموعة واسعة من الأصول [6]، ومع ذلك، يعرف ريف واقعية الصعوبات التي ينطوي عليها فتح أرامكو للاكتتاب العام “لأن دورها ليس تجارياً بحتاً، ولها دور اجتماعي واسع”.

لذا يجب على المملكة العربية السعودية أن تنفتح أيضاً على التجارة والاستثمار والزوار الأجانب والقوانين الدولية لقواعد السلوك من أجل زيادة الإيرادات غير النفطية إلى 600 مليار ريال سعودي بحلول عام 2020، ما يقرب من أربعة أضعاف مبلغ الاكتتابات في العام الماضي [7]، وسيتضمن هذا قدراً أعظم من الشفافية، والتي يعتقد بأن بن سلمان سيعززها من خلال اضافة التدقيق الدولي على وضع أرامكو للاكتتاب العام، والسماح بالمزيد من الحريات العلمانية التي تتناقض مع نهج الوهابية المنتشر في المملكة.

وتتضمن هذه الحريات ايضاً الوضع القانوني المعزز للوافدين والنساء، وإدخال “البطاقة الخضراء” للنظام، والتي تهدف إلى إعطاء المغتربين حق الإقامة وهذه احد الطرق لتحسين مناخ الاستثمار، ولكن بعد أن وعد بتعزيز فرص التعليم والعمل للمرأة، تعهد بن سلمان فقط بزيادة عدد النساء في القوى العاملة من 22٪ إلى 30٪ بحلول عام 2030 [8]، ان هذا الهدف الهزيل لا يقوض فقط القدرات المحتملة للقوى العاملة من خلال استبعاد ما يقرب من 30٪ من السكان من العمل، ولكن أيضاً يسلط الضوء على التأثير الذي لا تزال تمتلكهُ المؤسسة الدينية الوهابية على هذا المشروع.

ويثير التردد في إنشاء الإصلاحات الاجتماعية والسياسية المطلوبة التي من شأنها دعم الإصلاح الاقتصادي الاسئلة حول قدرة المملكة العربية السعودية على تنويع الاقتصاد وجذب الاستثمار الأجنبي اللازم، على جانب واحد فإن إعادة كتابة قانون الرعاية الاجتماعية وخفض دعم الكهرباء والماء يدل على أن الخطة سوف تقوم بما هو ضروري فقط لتجنب تضارب المصالح مع رجال الدين السعوديين، وحتى العدو الإقليمي للمملكة إيران، على سبيل المثال، قد ذهبت لاجراء الإصلاحات الاجتماعية بعد تخفيف العقوبات الاقتصادية وتتضمن هذه الاصلاحات إشراك المرأة في الحياة العامة، وكان آخرها رفع فرض الحظر الكامل على الحضور الإناث في مباريات كرة قدم، وهو الأمر الذي لم تفعله المملكة العربية السعودية، ان الرياضة، كمثال صغير، تحظى بتأييد واسع في رؤية 2030، ولكن الوثيقة لا تشير إلى مرافق مخصصة للنساء، ولا إلى إدخال الرياضة في المدارس الابتدائية والثانوية.

وعلى الرغم من النقص في الإصلاحات الاجتماعية، لا يزال بعض المعلقين ينظرون بإيجابية الى خطط المملكة العربية السعودية لعام 2030، حتى لو كان ذلك إشارة لطموح بدلاً من خطة حرفية، وفقاً لجين كينينمونت، نائب رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاثام هاوس [9]، وكما أظهرت دبي، فإن السياسات التي تهدف إلى جذب العمال الأجانب والسياحة والتجارة تخفض الطلب على النفط  بعد ان واجهت جارة المملكة نفس القضية في بداية الثمانينيات عندما ساهم النفط ب 50٪ من اقتصادها [10].

وبالنسبة للآخرين، فإن نجاح المشروع يقوم على مدى التزام المملكة العربية السعودية بالأهداف السنوية، وخاصة مع تدهور الاوضاع الإقليمية وأسعار النفط التي تحوم حول 30 دولار للبرميل، وسيكون لهذا أهمية خاصة فيما يتعلق بالاستثمار الوارد وحجم صناديق الثروة السيادية، ان التوترات الإقليمية التي تصاعدت بعد رفض المملكة العربية السعودية لتوقيع اتفاق الدوحة لعدم مشاركة ايران في التوقيع، وكذلك بسبب استمرار الحرب بالوكالة في اليمن التي زادت من عدم الاستقرار الجيوسياسي في المنطقة، ربما ستردع المستثمرين من استثمار مليارات الدولارات بسبب المخاطر الموجودة في مثل هذا المناخ المتوتر.

ومن غير المحتمل ان تقل التوترات الإقليمية إذا ما بدأ النفط بالانخفاض إلى ما دون 30 دولار للبرميل، وهذا الإطار الذي تقوم عليه رؤية المملكة العربية السعودية لعام 2030، على العكس من ذلك، فإن إصرار بن سلمان على أن القوى المحركة للمشروع لن تتغير حتى إذا ارتفع النفط إلى 70 دولار للبرميل يحتم علينا انتظار رؤية ذلك، وسيكون التحدي الأكبر هو قدرة المملكة العربية السعودية الوصول الى أهدافها وتحقيقها، والحفاظ على مبادئ مالية صارمة، والالتزام تماماً بالحفاظ على التوازن الاجتماعي والاقتصادي، ووضع وتحقيق معايير واضحة على طول الطريق.


المصادر:

[1] http://www.bloomberg.com/news/articles/2016-04-25/life-after-oil-charts-show-saudi-arabia-s-economic-challenges

[2] http://www.economist.com/news/middle-east-and-africa/21697673-bold-promises-bold-young-prince-they-will-be-hard-keep-saudi-arabias

[3] http://english.alarabiya.net/en/webtv/programs/special-interview/2016/04/25/Deputy-Crown-Prince-This-is-the-Saudi-vision-2030.html

[4] http://www.bloomberg.com/news/articles/2016-02-05/china-outstrips-germany-in-solar-capacity-after-record-additions

[5] http://www.arabnews.com/economy/news/915926

[6] http://www.middleeasteye.net/news/saudi-arabia-set-outline-grand-new-economic-vision-1108417051

[7] http://www.arabnews.com/economy/news/915926

[8] http://english.alarabiya.net/en/webtv/programs/special-interview/2016/04/25/Deputy-Crown-Prince-This-is-the-Saudi-vision-2030.html

[9] https://www.chathamhouse.org/expert/comment/saudi-arabia-faces-its-future-vision-2030-reform-plan

[10] http://mobile.breakingviews.com/storypage/story.aspx?id=21244705