د. مهند حميد الراوي/ دكتوراه في العلوم السياسية/ الاستراتيجية
لطالما اتسم الشرق الأوسط بعدم الاستقرار المزمن، وصراعات القوى المتنافسة، وغياب هيكلية أمنية إقليمية متماسكة. وعلى عكس مناطق العالم الأخرى التي أرست أطراً أمنية متعددة الأطراف، لا يزال الشرق الأوسط مجزأً، مع تحالفات متغيرة، وصراعات لم تُحل، واعتماد متزايد على جهات خارجية. وقد خلق هذا الفراغ الأمني المستمر مساحةً للقوى الإقليمية والدولية على حد سواء للانخراط في منافسة استراتيجية، غالباً من خلال صراعات بالوكالة ووسائل غير متكافئة.
في ظل هذه البيئة المتقلبة، يُمثل العراق حالةً بالغة التعقيد، فبعد أن كان لاعباً إقليمياً مهيمناً في فترات سابقة، تحول العراق إلى دولة ضعيفة ومنقسمة داخلياً، وقد حدّ تشرذمه الداخلي، وتبعيته الاقتصادية، وسيادته المتنازع عليها بشدة من قدرته على موازنة التهديدات الخارجية بفعالية، بل أصبح العراق ساحة صراع على النفوذ الإقليمي، لا سيما بين إيران والولايات المتحدة وتركيا ودول الخليج العربية.
تحاول هذه الورقة البحثية تطبيق نظرية ستيفن والت لتوازن التهديدات لتحليل الموقع الجيوسياسي للعراق في السياق الأوسع لديناميكيات الأمن في الشرق الأوسط، من خلال استكشاف كيفية إدراك العراق للتهديدات واستجابته لها، داخلياً وخارجياً. كما تهدف هذه الورقة إلى إثبات أن العراق لم يعد يلعب دور الموازن الموحد في النظام الإقليمي، بل أصبح كياناً سياسياً مجزأً يخوض غمار بيئة أمنية معقدة وتنافسية، فضلاً عن تقديم رؤية لما ينبغي أن يكون عليه دور العراق في تبني مسارات إقليمية متعددة تُمكّنه من نيل مكانة إقليمية فاعلة.