علي سعدي عبد الزهرة – تدريسي في كلية الحقوق / جامعة النهرين
المقدمة:
بعد سقوط حكم (عمر البشير)، أضحت المؤسسة العسكرية مُنقسمة بين جيشين، الأول الجيش النظامي بقيادة (البرهان)، والثاني قوّات الدعم السريع بقيادة (حميدتي)، والأخير يَحظى بالقوّة الاقتصادية والدعم الخارجي.
دخل الطرفان في صراع حول السلطة، فالجيش يُحاول هندسة العملية السياسية، بعد تسليم السلطة إلى المدنيين لصالحه ودمج قوّات الدعم السريع إلى الجيش، وهذا ما رفضه (حميدتي) الذي يعني انتهاء دوره من الناحية العسكرية والسياسية، وبالتالي، انتهى العقد العسكري بين الطرفين، ودخلا في صراعٍ مسلّح كان ضحيته وما زال الشعب السوداني، كما أنّ لكلّ من (البرهان وحميدتي) تحالفات وتفاهمات إقليمية تتعارض في بعض الأحيان، فالبرهان أقرب إلى مصر التي تؤدي دوراً مهما في الشأن السوداني، في حين أنّ (حميدتي) أقرب إلى الإمارات التي تُريد الحفاظ على مصالحها في السودان؛ لذلك هناك دعم غير مُعلن من قِبل بعض الدول العربية لحساب الأطراف العسكرية المُتصارعة من أجل مصالحها الخاصة دون الاكتراث لمصالح الشعب السوداني.
أولاً: الدور المصري في الأزمة السودانية:
تكاد تجمع مختلف القوى السياسية التي تعاقبت على الحكم في مصر على أنّ السودان يقع ضمن المجال الحيوي لأمنها القومي، وإنّه يُمثل عمقها الاستراتيجي الجنوبي، ما يجعلها تحرص باستمرار على وجود علاقات قوية بينها وبين النظام الحاكم في السودان، وفي هذا الإطار أوّلت حكومة (عبد الفتاح السيسي) اهتماماً كبيراً بالعلاقة مع الحكومة الانتقالية في الخرطوم، وتأتي مُحاربة تنظيم الإخوان المسلمين وملاحقة أعضائه ضمن اهتماماتها بالشأن السوداني، إلا أنّ الاهتمام الأكبر يتجه نحو إقامة علاقة وثيقة مع المُكوّن العسكري في الحكومة الانتقالية وإدراجه في إطار الاستراتيجية الأمنية المصرية، خصوصاً في ضوء ما تحس به مصر من خطر إثيوبي عليها؛ بسبب مشروع سد النهضة، أما المُكوّن العسكري في الحكومة الانتقالية السودانية فهو يُدرك ما لمصر من تأثير، ويُدرك أن ما يقدمه من خدمة لوجستية أو عسكرية سيجعلان منه فاعلاً لا غنى عنه سواء في حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة، أو في المشاركة الفعلية في القتال، لذلك توالت الزيارات بين العسكريين في الخرطوم ونظرائهم في القاهرة، ثم تُوّجت بتوقيع اتفاقية للتعاون العسكري بينهما في 2 آذار 2021، أعقبتها مناورات مُشتركة بين الجيش السوداني والمصري في أيار 2021.
ومع بداية الأزمة السودانية تَردد اسم مصر، فقد بدأت الأزمة بحشد الدعم السريع لقوّاته في محيط مطار مدينة مروي، وهو المطار الذي حضرت فيه مجموعة من القوّات الجوّية المصرية، التي شاركت في مناورات مشتركة (نسور النيل) ورابطت في المطار منذ نيسان 2021، وقد سلّطت الأضواء بشدة على الحضور المصري في مطار مروي بعد أن وصفت جهات معارضة للجيش هذا الحضور بأنّه احتلال مصري، وخرق للسيادة السودانية، وكانت لجان المقاومة في مدينة مروي قد طالبت في بيان لها بمغادرة الجيش المصري من المدينة فوراً، ومع بداية الاشتباكات تمّ اتهام القوّات المسلحة السودانية بالعمالة والخيانة، وبأنّها قوة احتلال من قِبل قوّات الدعم السريع، وهي محاولة للتأثير على الشعب السوداني، وتحويل الرأي العام لمصلحة قوّات الدعم السريع، من خلال مخاطبة مشاعر المعارضين للحضور المصري في السودان، والذين نشروا مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي قبل الاشتباكات المسلحة هاجموا فيها مصر واعتبروها قوة احتلال، وأعلن بعضهم عن وقوفه مع الدعم السريع إذا استعان الجيش السوداني بقوّات مصرية في الصراع الداخلي.

لقراءة المزيد اضغط هنا