د. علي سعدي عبد الزهرة – جامعة النهرين- كلية الحقوق
 
المقدمة
منذ بداية الأزمة السودانية تعددت المبادرات الإقليمية والدولية لحل المشكلة، إلا أن أغلب تلك المبادرات أخفقت في تحقيق نتائجها بسبب تعنت طرفي الصراع (الجيش- قوات الدعم السريع) ورهانهم على الحسم العسكري، لا سيَّما بعد أن دخلت الأزمة السودانية منعطفاً حرجاً وتفاقماً للأوضاع الإنسانية والأمنية، وتردي الأوضاع الاقتصادية، وتصاعد حدة العنف القبلي وتدفقات اللاجئين، مما شكل ارتدادات خطرة على دول الجوار المباشر، لذلك حاولت منظمة (إيغاد) عبر مبادراتها المتعددة بتسوية الأزمة بين الأطراف المتحاربة وإيجاد حل جذري للأزمة وإنهاء الاقتتال عبر نشر قوات عسكرية أفريقية بجعل الخرطوم منطقة منزوعة السلاح وفتح ممرات إنسانية، كما لم تتمكن منظمة الاتحاد الإفريقي في مسعاها نحو الحل السلمي بين أطراف النزاع برغم من مبادراتها ودعوتها بوقف إطلاق النار والعمل على عملية انتقال سلمي للسلطة للمدنيين، إلا أن قمة القاهرة لدول الجوار السودان أفرزت تجاوباً من قبل طرفي الصراع وقبولهم للمبادرة التي دعت إلى الوقف الفوري والمستدام لإنهاء الحرب، و أهمية الحل السياسي، وإطلاق حوار جامع للأطراف السودانية لبدء عملية سياسية شاملة تلبي طموحات وتطلعات الشعب السوداني، و الاحترام الكامل لسيادة ووحدة السودان وسلامة أراضيه وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، والحفاظ على الدولة السودانية ومؤسساتها.
أولاً: مبادرة منظمة إيغاد في حل الأزمة السودانية
منذ الإطاحة بحكم (عمر البشير) عام 2019، تحاول منظمة إيغاد تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف في السودان، وتسوية أزمة اقتسام السلطة بين العسكريين والمدنيين بشكل يضمن الوصول في النهاية إلى حكم مدني في البلاد، ومنذ بداية الصراع العسكري  بين الجيش وقوات الدعم السريع، طرحت منظمة إيغاد في 26 / نيسان 2023، مبادرة لتسهيل الحوار بين كافة الأطراف لإيجاد حل جذري للأزمة السودانية، وضمنت المبادرة هدنة لمدة (72) ساعة، وإيفاد ممثلين عن القوات المسلحة وقوات الدعم السريع إلى جوبا عاصمة جنوب السودان، وفي 12 حزيران أعلن الرئيس الكيني (وليام روتو) مبادرة منظمة إيغاد التي تتضمن لقاء بين رئيس مجلس السيادة السوداني (عبد الفتاح البرهان) وقادة دول جنوب السودان وكينيا وإثيوبيا وجيبوتي، وتشمل المبادرة فتح ممرات إنسانية مع طرفي النزاع في السودان وإدارة حوار وطني بين قوى مدنية سودانية من أجل البحث في نهاية الأزمة الحالية، وقال نائب رئيس مجلس السيادة السوداني (مالك عقار) في قمة الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد): نريد إنهاء الحرب ووقف القتال، ونطالب بإيصال آمن للمساعدات الإنسانية.
اجتمع رؤساء دول وحكومات المجموعة الرباعية للإيغاد يوم 10 / تموز 2023 في أديس أبابا، لمناقشة تنفيذ خارطة طريق إيغاد للسلام في جمهورية السودان، وترأس الاجتماع رئيس جمهورية كينيا (وليام روتو) وحضر هذه القمة رئيس وزراء جمهورية إثيوبيا (آبي أحمد)، وممثلين عن دول المنظمة، فضلاً عن مفوض الاتحاد الإفريقي للشؤون السياسية والسلام والأمن، بالإضافة إلى ممثلين عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية والاتحاد الأوروبي وجمهورية مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، كما حضر الاجتماع (يوسف عزت) ممثلاً عن قوات الدعم السريع، وأعربت القوى المجتمعة عن قلقها إزاء تأثير الحرب الدائرة في جمهورية السودان التي أودت بحياة الآلاف حتى الآن وتشريد ما يقرب من (3) ملايين شخص، بما في ذلك (2,2 مليون نازح وحوالي 615 ألف لاجئ) عبروا الحدود إلى البلدان المجاورة، وكذلك تصاعد النزاع والانتهاكات المتكررة لاتفاقيات وقف إطلاق النار المختلفة وانتشار العنف خارج الخرطوم إلى أجزاء أخرى من السودان خاصة في دارفور وكردفان حيث يتخذ أبعاداً عرقية ودينية مما يهدد بتعميق الصراع الاستقطاب في البلاد.

لقراءة المزيد اضغط هنا