د. مروان سالم العلي: استاذ في كلية العلوم السياسية بجامعة الموصل، ومختص في الشؤون الإستراتيجية
مقدمة
بدأت تداعيات انهيار بنك وادي السيليكون  (SVB)أو ما يُسمَّى «سيليكون فالي» بالانتِشار في جميع أنحاء العالم، وهو أكبر مصرف يتعرض للانهيار منذُ الأزمة المالية العالمية في عام2008، ممَّا أثار مخاوف من حدوث أزمة مصرفية في جميع أنحاء العالم.
وحدث انهيار البنك بعد أن فشل في التعامُل مع عمليات السحب الهائلة لمودعيه، وخصوصاً شركات التكنولوجيا، ولم تنجح محاولاته الأخيرة لجمع أموال جديدة، وتضرر المصرف بشدة من التراجع في أسهم التكنولوجيا، في العام 2022، وزيادة أسعار الفائدة لمكافحة التضخُّم؛ ممَّا أدَّى إلى عرقلة الأحوال المالية في قطاع الشرِكات الناشئة خصوصاً أنَّ القيمة السوقية لعديد من أصول البنك المرتبطة بالرهن العقاري قد فقدت قيمتها مع ارتفاع أسعار الفائدة بمعدلات كبيرة. وعلى وقع ذلك، بدأ عملاء البنك ومُعظمهم من شركات التكنولوجيا في سحب ودائعهم في ضوء احتياج الشركات إلى السيولة؛ للحصول على التمويل؛ ممَّا دفع البنك إلى بيع السندات، مع عدم تحقيق أي مكسب، وبالخسارة؛ لتغطية عمليات السحب من الزبائن.
وبدأت تتردَّد أصداء فشل البنك عبر الأسواق، كما تداعت الأسهم في جميع أنحاء العالم، وهبط الدولار، وتسارُع السلطات الأمريكية إلى تعزيز الثقة في النظام المصرفي ومنع انتشار العدوى، وتردَّد صدى هذا الانهيار في الأسواق المالية العالمية التي بدأت وكأنَّ أزمةً جديدة تُحاصرها على غِرار تِلك الأزمة التي شهدها العالم قبل (15) عاماً.
ولا ريب أنَّ الأزمة الجديدة ألقت بكثير من الأسئلة على منصات عالم المال والأعمال في مختلف أنحاء العالم، وعلى رأس تلك التساؤَلات ما يتعلق بالأسباب الاقتصادية والمالية التي دفعت بنك «سيليكون فالي» إلى الانهيار سريعاً، وبصورة لم تسبق لها مثيل، فضلاً عن بروز تساؤل مُهِم مفادهُ، فيما إذا كان ما حدث للبنك حالة فريدة أم ستكون له تداعيات عالمية؟
ما هو بنك «سيليكون فالي»؟ وما أسباب انهياره؟
في جائحة فيروس كورونا (COVID-19)، شهد قطاع التكنولوجيا فترة من النمو، وقبل انهياره، لم يكن بنك وادي السيليكون  (SVB)أو ما يُسمَّى «سيليكون فالي» ذا شهرة كبيرة بين الجمهور العادي، لكنَّه كان أحد المصارف الرئيسة التي تُقدِّم قروضاً للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا في الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها، وكان له روابط قوية مع شركات رأس المال الاستثماري وفي نهاية العام2022، احتل بنك سيليكون فالي، ومقره سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا، المركز (16) بين أكبر البنوك الأمريكية بأصول قيمتها (209) مليارات دولار، وقيمة ودائع تتجاوز الـ(175,4) مليار دولار، وكان بنك وادي السيليكون قد اشترى سندات الخزانة الأمريكية طويلة الأجل بالاستفادة من الزيادة في الودائع في عام2021، وجرى استثمار مُعظم هذه الودائع في سندات تلك الخزانة، ساعياً إلى تحقيق عائد أعلى على الاستِثمار ممَّا كان متاحاً على السندات قصيرة الأجل.
ولكن تعرَّض البنك لضربة كبيرة عقب انخفاض قيمة السندات طويلة الأجل مع ارتفاع أسعار الفائدة بمعدلات كبيرة من الفيدرالي الأمريكي في زيادة التضخم في 2021 – 2023، وكان لدى البنك خسائر غير مُحققة في المُحاسبة على أساس السوق تجاوزت (15) مليار دولار للأوراق المالية المُحتفظ بِها حتى تاريخ الاستحقاق، ممَّا أدَّى إلى عرقلة الأحوال المالية في قطاع الشرِكات الناشئة، خصوصاً أنَّ القيمة السوقية لعديد من أصول البنك المُرتبطة بالرهن العقاري قد فقدت قيمتها مع ارتفاع أسعار الفائدة.
وعلى وقع ذلك، بدأ عملاء البنك ومُعظمهم من شركات التكنولوجيا الناشئة في سحب ودائعهم في ضوء احتياجها إلى السيولة للحصول على التمويل؛ ممَّا دفع البنك لتعويض خسائره إلى بيع السندات، مع عدم تحقيق أي مكسب وبالخسار؛ لتغطية عمليات السحب من الزبائن، إذ أعلن في 8 أذار/مارس2023 أنَّهُ باع استِثمارات بقيمة (21) مليار دولار أمريكي، واقترض (15) مليار دولار، وسيقوم ببيع طارئ لأسهمه لجمع (2,25) مليار دولار أمريكي، تسبَّب الإعلان في سحب العملاء أموالاً بلغ مجموعها (42) مليار دولار أمريكي في اليوم التالي، مُحققاً خسارة حوالي (1,8) مليار دولار، وهو ما ترك فجوة حاول سدها بزيادة رأس المال لكنَّه فشل في ذلك.

لقراءة المزيد اضغط هنا