تعد قضية خروج القوات الأجنبية وعلى رأسها القوات الأمريكية من الأراضي العراقية من أهم القضايا التي باتت تتصدر قائمة الاهتمامات السياسية الداخلية في الآونة الأخيرة. وباتت تشكل قضية خروج قوات التحالف الدولي عامل ضغط على الحكومة العراقية منذ مقتل قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال (قاسم سليماني) ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي (أبو مهدي المهندس) بضربة جوية أمريكية عام 2020. ولم تكتف المطالب العراقية بالوسائل السياسية والدبلوماسية لحل الأمر، فتحول الأمر إلى تبني عمليات عسكرية مناوئة تبنتها فصائل المقاومة العراقية تستهدف قواعد قوات التحالف الدولي في بغداد وأربيل وصحراء الأنبار، الأمر الذي أثار حفيظة الولايات المتحدة والدول المشاركة في التحالف من طبيعة تعاطي الحكومة العراقية مع هذا الملف. كثيراً ما اتخذت العلاقة حالة النزاع الدائم، بين الفصائل وقوات التحالف، وصل الحال إلى تبادل ضربات الاستراتيجية دقيقة الهدف بين الطرفين، كان آخرها توجيه ضربة جوية على موقع (اللواء 12) في هيئة الحشد الشعبي الذي أسفرت عن مقتل «مشتاق طالب السعيدي» المُلقب بـ «أبو تقوى» والقيادي بحركة النجباء. وفي هذا السياق، كان إعلان رئيس الوزراء العراقي «محمد شياع السوداني» في 5 يناير 2024 أن الحكومة بصدد تشكيل لجنة ثنائية لجدولة انسحاب قوات التحالف الدولي ضد داعش من العراق بصورة نهائية، وأنه لن يكون هناك تفريط بكل ما من شأنه استكمال السيادة الوطنية.
التحليل الاستراتيجي
ارتفعت الأصوات العراقية ضد وُجود التحالف الدولي في ظل فترة ساخنة جداً تشهدها منطقة الشرق الأوسط نتيجة تداعيات الحرب في غزة وجسامة الجرائم المرتكبة من الكيان الصهيوني بحق الفلسطينيين، وكذلك إعلان النفير العام من قبل فصائل المقاومة العراقية بالتنسيق مع جهات المقاومة اللبنانية واليمنية، لاستهداف المصالح والقواعد الأمريكية في المنطقة، ولاسيما العراق وسوريا التي تعد من المناطق الرخوة بالنسبة للتحالف الدولي.
وعلى الرغم من تصويت البرلمان العراقي قرارا بإنهاء الوجود العسكري الأمريكي في 2020، وتصريح الحكومة منتصف أغسطس 2023 وعلى لسان رئيس الوزراء «محمد شياع السوداني» أن العراق لم يعد بحاجة إلى قوات أجنبية على أراضيه، إلا أن الدعوات الأخيرة المُطالبة برحيل القوات الأمريكية تأتي في سياق إقليمي مُغاير؛ إذ تأتي في إطار تصاعد الاشتباكات العسكرية بين القوات الأمريكية في المنطقة وفصائل المقاومة على خلفية الحرب في غزة، إذ تعرّضت القواعد العسكرية التي تستضيف قوات التحالف الدولي في العراق لعشرات الهجمات بطائرات بدون طيار وصواريخ، رداً على دعم واشنطن لإسرائيل في حربها على قطاع غزة. وفي المُقابل ردّت الولايات المتحدة بقصفها مواقع في العراق، وأخرى مُرتبطة بإيران في سوريا، وقامت كذلك بإدراج قادة في كتائب «حزب الله» العراقي وكتائب «سيد الشهداء» على لائحتها الخاصة بالإرهاب.
 وبالتزامن مع التصعيد الميداني تصاعدت دعوات القوى السياسية بالضغط ضد مصالح الدول الداعمة للكيان الصهيوني، وفي مُقدمتها الولايات المتحدة، وعليه، يُمكن فهم أبعاد إعلان العراق عن تشكيل لجنة ثنائية لترتيب والتسريع إنهاء مهام قوات التحالف الدولي ضد داعش، في ضوء الضغوط الداخلية التي تتعرض لها حكومة «السوداني» للتخلص من القوات الأجنبية، وعجزها عن خفض حالة التصعيد الجاري – بعد هدوء نسبي استمر نحو عام بعد تشكيل الحكومة– وإقامة معادلة متوازنة، فمن ناحية لا تستطيع الحكومة العراقية منع هذه الفصائل من مهاجمة القواعد الأمريكية وقواعدها العسكرية في سوريا والعراق، ومن ناحية أخرى، لا تستطيع منع واشنطن من الرد على تلك الهجمات في إطار ما تُسميه (حقّها في الدفاع عن النفس) وحماية مصالحها في المنطقة.

لقراءة المزيد اضغط هنا