فيصل عبداللطيف ياسين/ باحث
يُعدُّ التضخُّم السكاني والزيادة المضطردة في عدد الولادات من أصعب التحديات التي قد تواجه أي بلد من بلدان العالم خاصة في البلدان النامية، والتي تعاني –غالباً- من مشاكل بنوية سياسية، وأمنية، واقتصادية يرافقها عجز مؤسساتي عن صوغ سياسات عامة، وإستراتيجات تنموية واقتصادية من شأنها استيعاب متطلبات الكتلة البشرية المتنامية فيها وضغوطها.
يُعدُّ العراق أحد هذه الدول التي تواجه تحدياً وخطراً حقيقياً آنياً وعلى المدى المتوسط والبعيد؛ ناتج من ارتفاع معدَّلات الإنجاب والخصوبة بين سكانه، إذ يضغط نمو السكان متسارع الوتيرة في العراق على البنى التحتية المتداعية، وعلى الموارد الطبيعية المتناقصة.
ويُعنى الأمن الإنساني بتأمين الحياة الكريمة، والحاجات الاقتصادية، والاجتماعية، والصحية، والبيئية، والغذائية الأساسية للفرد؛ ولارتباطه بالتنمية البشرية، والنمو الاقتصادي، والاستقرار السياسي، إذ يُعدُّ التضخُّم السكاني في العراق أحد أبرز التحديات التي يواجهها الأمن الإنساني في العراق في الوقت الراهن، وفي المستقبل القريب.
ولا تنبع مخاطر التضخُّم السكاني من الزيادة في أعداد السكان وحدها، إذ تفاقم مشكلة زيادة نسبة الفئة العمرية الشابة التي تتراوح أعمارها بين الخمس عشرة والأربع وعشرين سنة، وانعدام سبل استيعابهم في منظومة الإنتاج الاقتصادية المشوهة أصلاً، والاستجابة إلى تطلعاتهم، تناقش هذه الورقة أبعاد التضخُّم السكَّاني في العراق وآثاره، وكيفية إسهام زيادة أعداد الفئات العمرية الشابة تحديداً في خلق تحديات اقتصادية ومجتمعية جديدة، ومفاقمتها وتفاعلها مع التحديات والاعتلالات القائمة.
أولاً: واقع التركيبة السكَّانية والتحوُّلات الديمغرافية في العراق
يبلغ عدد نفوس سكَّان العراق حالياً ما يقارب الواحد وأربعون مليون نسمة، وتُشير التقديرات إلى احتمال أن يصل عدد سكان العراق إلى حدود الخمسين مليون نسمة بحلول سنة 2030. إذ يزداد النمو السكاني في العراق بنسبة بلغت (2.55) سنوياً، وطبقاً لهذه النسبة فإنَّه من المتوقَّع أن يتضاعف عدد سكان العراق في السبعة وعشرين سنة المقبلة؛ ليتخطَّى عتبة الثمانين مليون نسمة مع حلول العام 2050، فمعدلات الخصوبة في العراق تقدَّر بـ(3.6) طفل لكل امرأة وَفْق أرقام البنك الدولي وهي نسبة عالية إذا ما قُورِنت بمثيلاتها في من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي تبلغ نسبة الولادات فيها (2.5) طفل لكلِّ امرأة وَفْق تقديرات سنة 2019، فيما يبلغ معدل الخصوبة اللازم للإحلال السكاني على مستوى العالم، أي: نسبة الولادات اللازمة للإبقاء على نمو سكاني ثابت هو (2.1) ولادة حية لكل امرأة قادرة على الإنجاب.
أمَّا بقدر تعلُّق الأمر بالتركيبة السكانية لسكان العراق من حيث الجنس، فأعداد الذكور والإناث تقف متقاربة بزيادة طفيفة للذكور وَفْق تقديرات سنة 2021، في حين تسجِّل التركيبة السكانية من حيث الفئات العمرية تفوقاً مطلقاً للفئة من عمر (5-29) سنة، والتي يتجاوز مجموع أعدادها العشرين مليون نسمة، أي: نصف نفوس العراق تقريباً، ممَّا يجعل العراق أحد أكثر المجتمعات الفتية في المنطقة والعالم.
فيما يبين المؤشِّر السكاني من حيث البيئة والتوزيع الجغرافي أنَّ غالبيَّة سكان العراق يقطنون المناطق الحضرية بنسبة تصل إلى (70%)، يقابلها حوالي (30%) من السكان يتوزَّعون على المناطق الريفية في عموم العراق. تحتلُّ بغداد المقدمة من ناحية الكثافة السكانية؛ إذ يتركَّز فيها غالبية الثقل السكاني بواقع ثمانية ملايين وسبعمئة وثمانين ألف نسمة، ثم محافظة نينوى والتي يبلغ عدد سكانها حوالي أربع ملايين نسمة.

لقراءة المزيد اضغط هنا