د. علاء عبد الحسن عطية/ رئيس جهاز الاشراف والتقويم العلمي السابق

د. احمد كنعان الجعفري/ متخصص في الادارة والسياسات التعليمية

العولمة هي نظام عالمي قائم على العقل الالكتروني والثورة المعلوماتيّة التي تقوم بدورها على الإبداع التقني اللامحدود دون وضع ايّ اعتبار للأنظمة والقيم والثقافات والحدود الجغرافيّة والسياسيّة في العالم وهي بذلك تعتبر حجر الزاوية في النظام الاقتصادي الجديد. وستجلب العولمة تهديدات جديدة خاصة للدول النامية مثل العراق، ففي عالم بلا حدود وحيثما يصل عصر المعلومات وحيثما يسود السوق الحر، سوف تخضع كل مقومات حياتنا ومرافقها شيء بعد شيء لمعايير عالمية عاجلا ام اجلا.

من هذا المنطلق، وبما ان الجامعات تمثل حجر الزاوية في الانفتاح والتقدم العلمي لذا يجب علينا ان نفكر جيدا في هل باستطاعة جامعاتنا ان تنافس غيرها في مطابقتها للمعايير العالمية في زمن العولمة؟ وهل تحقق برامجنا المعايير العالمية؟ هذه بعض من الهواجس التي ينبغي ان نقلق بشأنها ونتطرق اليها وبعض من مخاطر العولمة التي ينبغي ان نحولها الى فرص للنجاح.

ويوما بعد يوم سوف يزداد حجم التحدي مع بروز استثمارات جديدة في مجال التعليم العالمي الرصين ودخول جامعات عالمية او فروع لجامعات عالمية وبذلك سيواجه صناع القرار في التعليم العالي تحديا في المحافظة على وجود جامعات وطنية ربما في يوم من الايام. لذلك علينا ان نخطط لجامعاتنا فلا يمكن ان نتنبأ بالمستقبل دون التخطيط لذلك يجب ان تنطلق جامعاتنا لتكتب خططها الاستراتيجية للسنوات القادمة لكي تتحول جامعاتنا من محلية الى عالمية.

ولا بد للقائمين على قيادة الجامعات ان يفهموا اولا ماذا تعني كلمة جامعة عالمية إذ هي جامعة تمتلك مجموعة من الخصائص والمميزات و تقوم بمجموعة من الفعاليات التي تخرجها من المستوى الوطني  او المحلي الى مستوى عالمي و هذا التحول يجب ان يكون مقترنا بمجموعة من الظروف والأوضاع التي تمتزج بتاريخ الجامعة العلمي. ومن الجدير بالذكر ان هناك أقل من 600  جامعة يمكن ان يطلق عليها جامعات عالمية رائدة في كل العالم وهذه الجامعات ينتمي نصفها الى رابطة الجامعات الامريكية التي تسمى(Association of American Universities)  وتضم هذه الرابطة مجموعة من الجامعات الخاصة مثل ييل وهارفارد وجامعة جنوب كاليفورنيا وجامعة شيكاغو وجامعات حكومية مثل جامعة ميشغان وجامعة كاليفورنيا في بيركلي والتي يمكن إيجاز انجازاتها  بأنها حصلت على 4407 براءة اختراع في عام واحد، فضلا عن إعطاء 3600 رخصة تقنية، والّف باحثيها 56 ألف كتاب في عام 2016، فضلا عن نشرها 2.3 مليون بحث بين عامي 2016 و2011 .

وتلتحق بجامعات الصف الاول في امريكا جامعات من دول اخرى مثل جامعات طوكيو واكسفورد وكامبريدج وموسكو والسوربون في فرنسا. وهناك جامعات لها سمعة عالمية في بعض التخصصات مثل جامعة ستانفورد حيث ان لها سمعة عالمية في تمويل القطاع الخاص للبحث والتطوير، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ذو السمعة العالمية في مجال التقنيات وقدرته في دمج البحث والتطوير والاستشارات مع القطاع الخاص فضلا عن معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا والذي يعد رائدا في مجال دعم تكنولوجيا الاتصال والاجهزة الالكترونية وكلية البوليتكنيك في باريس التي لها برامج دمج متميزة مع القطاع الخاص. وتضم جامعة ويسكنسون بماديسون أكبر عدد من الطلبة الأجانب على مستوى الولايات المتحدة وهي مشهورة بالبحث العلمي على مستوى العالم، حيث حصل أعضاء هيئة التدريس فيها على أعلى الجوائز مثل جائزة نوبل وجائزة بوليتسر والميدالية الوطنية في العلوم على مستوى امريكا ولديها إمكانيات ومرافق بحثية واسعة وشاملة وأكثر من 30 مكتبة و23 مجموعة متخصصة ومتحفين.

ويتجلى امر مثير في هذه الجامعات العالمية وهو اهمية الابتكار وقيمة الشراكة مع المؤسسات والشركات، على سبيل المثال فقد تصدرت جامعة سيؤول الوطنية في كوريا الجنوبية جدول الجامعات المشاركة في تطوير منتجات شركة سامسونك بـ 1204 عمل مشترك. في حين تصدرت كلية امبريال اللندنية قائمة الشراكة مع شركة كلاسكو-سميث للأدوية وذلك من خلال 459 عمل ابتكاري.

 و بإنجازات مثل هذه يحق للجامعة ان تطلق على نفسها جامعة ذات مستوى عالمي.

فمن المهم ان تسعى جامعاتنا الى العالمية وان تضع لنفسها ايضا رؤية تبين ما سيكون عليه وضعها العالمي بعد عدة سنوات. اذ يجب ان تضع كل جامعة أولوياتها التي تركز عليها ولا تنتظر ايعازا بضرورة التطور وحتميته من الوزارة فمثلا تطوير تدريسيين على مستوى عال من الاداء، تطوير المجتمع المحيط بالجامعة من خلال تلبية حاجاته العلمية والثقافية، أبحاث على مستوى عال، ادارة على مستوى عال من المسؤولية، بيئة تعليمية مزدهرة ومستوى عالي وملتزم من الحريات الاكاديمية، بنية تحتية تمتاز بالحداثة، مصادر وموارد على مستوى عال من الجودة.

 وفي ضوء التحديات التي يمر بها بلدنا ماذا ستفعل او يجب ان تفعل جامعاتنا لتجعل من نفسها جامعات ذات مستوى عالمي؟ وكيف يمكن ان تحقق اي جامعة مكانة عالمية؟ وماهي الممارسات التي ينبغي ان تقوم بها؟ من الواضح جدا ان كل جامعة من الجامعات العالمية تتفرد بمواصفاتها ولا تقلد احدا وهي تستند بذلك الى تاريخ مليء بالإنجازات العلمية الرصينة وعلينا ان نعلم ايضا ان العالم الأكاديمي هو الذي يقيس عالمية الجامعة كما ان هناك منظمات وهيئات تعمل على ذلك وهذه الهيئات تقوم بتصنيف الجامعات وترتيبها على نطاق دولي. اذا ماهي أولويات الجامعات العالمية:-

  1.  ان المهمة الثلاثية للجامعات هي (التعليم- خدمة المجتمع-البحث العلمي) ولابد لجامعة ما ان تركز على مهمة واحدة على الأقل لكي تتميز، وهنا لابد من توصيف جامعاتنا بناءً على هذه المهام مثلا جامعة بحثية واخرى خدمية من أجل التركيز على العمل.
  2. من اولى اولويات جميع الجامعات الرائدة هي التعليم لجميع الفئات بدءا من برامج البكالوريوس الى الدراسات العليا ويتحقق ذلك من خلال تشكيلة واسعة من البرامج الاكاديمية والمهنية والصفية ذات الجودة العالية.
  3.   التميز في البحث العلمي ودمجه مع التدريس وذلك من اجل النهوض بالمادة التعليمية وتحفيز الطلاب للتعرف على اهمية المواد المدروسة.
  4. تختار اعضاء الهيئات التدريسية بعناية شديدة وايضا موظفيها ضمن نظام اختيار شفاف ودقيق وتنحصر هذه الخيارات بالأشخاص الذين لديهم تحصيل علمي استثنائي وملفت للنظر بحيث تكون لديهم القدرة على ان يكونوا مصدر إلهام للطلبة.
  5. العمل على استقطاب الطلبة المتميزين الى الجامعة وهؤلاء الطلبة يجب ان يكونوا روادا في القيادة والتعليم والأنشطة اللاصفية.
  6. الشراكة الذكية مع الصناعة.
  7.  توافر افضل الامكانات والدعم للأساتذة.
  8.  العمل على توفير المصادر المالية المتعددة من خلال الاستثمار العلمي لموارد الجامعة.

8.تضع الجامعات المتطلبات الاساسية بتنمية الابتكار والمبادرة وذلك من خلال تعزيز النمو الفكري والمعرفي عن طريق المناهج الدراسية وكذلك تحفيز طلبتها واعضاء هيئة التدريس فيها ضرورة الإسهام في تنمية المجتمع المحلي من خلال الخدمات والمشاريع.

9.اعادة برمجة فلسفة وثقافة ونظم الجامعات بما يضمن تحريكها وفقا لمنطق الابتكار والذي سيساعد على ازدهار المجتمعات المحيطة.

  1. حماية وادارة الحقوق الفكرية للتدريسيين والطلبة ومن ثم العمل على تسويقها وذلك من خلال انشاء نوافذ علمية وادارية تعمل على ذلك.

11.إنشاء مراكز ابتكار وشبكات علمية تعمل تقدم عروض التدريب على الابتكار والمبادرة وتقديم أنشطة توعوية للباحثين والطلبة والتي تساهم في تحقيق النمو المعرفي والفكري وتقديم الزمالات للباحثين الخارجيين.

12.إنشاء برامج أكاديمية تمنح شهادات متقدمة في الريادة والابتكار وكذلك توفير مقررات دراسية تروج أفكار الابتكار والمبادرة وعلى مستوى البكالوريوس.

  1. وضع مبادئ لتوظيف الباحثين بما يتناسب مع دعم الابتكار والمبادرة بدلا من التوظيف من أجل ملئ العمل.

وفي ضوء هذه الاولويات نستطيع ان نتصور اين سيكون مكان جامعاتنا خلال العقد القادم من هذا القرن ونتوقف عن القلق حيال دفع جامعات العراق لتبني هذه الأولويات.