إحسان كياني: طالب دكتوراه في قسم دراسات غرب آسيا

معهد التبيين للدراسات الاستراتيجية

نظراً لإعلان بايدن وأعضاء فريق وزارة الخارجية الأمريكية العودة إلى الاتفاق النووي، يتبادر السؤال التالي: هل عودة أمريكا لتبني سياسات عهد أوباما حيال الاتفاق النووي، ستضمن تحقيق المصالح الإيرانية التي تتوقعها طهران؟ في الحقيقة يتجاوز الأمر ما يعتقده بعض مسؤولي إدارة بايدن إزاء أخذ الاتفاق النووي كرهينة والرفع البطيء والجزئي للعقوبات، لكن هل عودة أمريكا بشكل كامل إلى الاتفاق النووي تحمل في جعبتها مكاسب وإنجازات هامّة للاقتصاد الإيراني؟ يبدو أن العقوبات الأمريكية الكثيرة التي تم فرضها بعد الاتفاق النووي على إيران بذرائع مختلفة حالت دون قيام استثمار خارجي في إيران وحتى أوقفت التبادل المصرفي الذي كان معتاداً بالنسبة للبلاد.

يهدف هذا المقال إلى تقييم تأثير العقوبات الأمريكية التي تم فرضها على إيران بعد الاتفاق النووي على تحقيق توقعات طهران من هذا الاتفاق.

توقعات إيران من الاتفاق النووي

لقد كانت رؤية الجمهورية الإسلامية تجاه الاتفاق النووي بمثابة اتفاقية مقايضة، حيث مقابل المعطيات المقدمة إلى الغرب في إطار التزامات البرنامج النووي، يتم الحصول على مكاسب في المجال الاقتصادي وبعض المكاسب الدبلوماسية.

ربما يمكن اعتبار إخراج ملف البرنامج النووي الإيراني من مجلس الأمن الدولي إنجازاً على صعيد العلاقات الدولية. لاحقاً لذلك، فإن إنهاء ملف «الأبعاد العسكرية المحتملة[1]» في الوكالة الدولية للطاقة الذرية يحظى بأهمية نسبية فيما يتعلق بالوضع القانوني لإيران في الوكالة أيضاً، ولكن مطالب إيران الاقتصادية في الاتفاق النووي الهادفة لتجاوز التحديات الاقتصادية تحظى بأهمية كبيرة. ومن هذا المنطلق، فقد شكل رفع العقوبات الثانوية عن بيع النفط، (سويفت SWIFT )، التأمين، الشحن، استخدام الدولار في تبادل العملات، الذهب والمعادن الثمينة وكذلك العقوبات المرتبطة ببعض القطع والمعدات الداخلة في مجال صناعة السيارات وقطاع النقل مثل السكك الحديدية والنقل الجوي، أهمية كبيرة بالنسبة لإيران[2]. إن رفع وفي بعض الحالات إلغاء العقوبات السالفة شكل أقل المطالب التي تسعى إيران لتحقيقها من خلال الاتفاق النووي. لكن مطالب إيران القصوى التي وضعها المسؤولين البارزين في إيران نصب أعينهم تحت عنوان التزام أمريكا «بروح الاتفاق النووي» تسعى لتحطيم بنية العقوبات، بمعنى ألا يتم تجديد العقوبات الأنفة تحت هذه الذريعة أو أية ذرائع أخرى[3]. وكذلك انعدام ثقة الشركات والمؤسسات الأجنبية حيال الاستثمار في إيران أظهر أن الإدارة الأمريكية تسعى لإبقاء بنية العقوبات بهدف إرغام إيران على إجراء مفاوضات حول جوانب أخرى تطمح إليها أمريكا.

عقوبات أخرى غير عقوبات الاتفاق النووي

يمكن تصنيف أهم العقوبات المفروضة بعد الاتفاق النووي والتي تحولت عملياً إلى عقبة أمام تحقيق مصالح اقتصادية تنجم عن هذا الاتفاق إلى صنفين:

قانون العقوبات الإيراني(ISA): قيام الكونغرس بتمديد قانون «لائحة العقوبات على إيران[4]» المعروف بداماتو دون الحاجة إلى فيتو حكومة أوباما في شهر ديسمبر كانون الأول 2016 شكل أول إجراء من نوعه. وهذا القانون الذي تم إقراره من قبل حكومة كلينتون بهدف الحؤول دون قيام استثمار يناهز 20 مليون دولار في صناعة النفط والغاز الإيرانية، شمل مع مرور الوقت المشاركة في استخراج اليورانيوم، بيع البنزين ونقل النفط الخام أيضاً[5]. وتمديد هذه العقوبات جعل الشركات متعددة الجنسيات والدولية الناشطة في قطاع النفط والغاز التي كانت بالتزامن مع إبرام الاتفاق النووي بصدد استئناف جزء من تعاونها السابق قبل فرض عقوبات مجلس الأمن الدولي، تتردد حول مواصلة هذا التعاون، وبسبب وجود مخاوف تدور حول التزام الحكومة الأمريكية المقبلة برئاسة ترامب التي كانت قد تسلمت زمام السلطة حديثاً في ذلك الوقت، فقد كان ثمة تردد جدي حيال ذلك.

قانون مكافحة أعداء أمريكا (كاتسا): يعد قيام الكونغرس بإقرار قانون «مكافحة أعداء أمريكا عن طريق فرض عقوبات[6]» في أغسطس أب 2017 وتوقيع ترامب عليه، خطوة أخرى فرضت تأثيرها على المصالح النسبية المترتبة على الاتفاق النووي. لقد تم وضع هذا القانون ضد إيران وروسيا وكوريا الشمالية، وبما يتعلق بإيران فقد تم فرض عقوبات لأول مرة على الحرس الثوري بتهمة «رعاية الإرهاب» كما يتعرض أي شخص أو كيان يتعاون في هذا الشأن لمصادرة أصوله وأمواله. وسيتم فرض عقوبات بحق أي شخص أو كيان تعتبره أمريكا راعياً مالياً أو فنياً أو يقدم خدمات للبرنامج الصاروخي الإيراني بما في ذلك الصواريخ القصيرة المدى أو المتوسطة المدى وإجراء أي عملية نقل للأسلحة حتى التقليدية إلى إيران[7]. وتم فرض عقوبات كاتسا على إيران قبل انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، وفضلاً عن فرض قيود مالية وتجارية على الحرس الثوري، تستهدف هذه العقوبات عملياً أي عمليات تبادل مالي تجري بين البنوك الإيرانية وحتى البنك المركزي مع الحرس الثوري الإيراني تحت مسمى “تمويل الإرهاب”.

في الحقيقة قانون كاتسا الذي انتهج رسم سياسات تتضمن فرض عقوبات على أي عملية تبادل مالي وخدماتي تجري مع الحرس الثوري، فرض نوعاً من العقوبات الذاتية على بعض الكيانات والمراكز المالية والتجارية الداخلية بهدف تسعير الانقسامات الداخلية وتأجيجها.

وبما يتعلق بمسألة العقوبات النفطية وبناءً على هذا القانون فبإمكان أمريكا منع الحصول على أي أموال تنجم عن بيع النفط عن طريق البنوك الإيرانية بذريعة التعامل مع الحرس الثوري. بعبارة أخرى، عملياً يمكن اعتبار قانون كاتسا انتهاكاً للقانون وليس لروح الاتفاق النووي فحسب. فبعد مرور عام على انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، ومن خلال إدراج الحرس الثوري في قائمة وزارة الخارجية «للمنظمات الإرهابية»، عملياً فُرضت عقوبات شديدة على الشركات والمجموعات الأجنبية التي تتعامل مع هذا الكيان الرسمي، وحرمت المؤسسات الحكومية الإيرانية بذريعة تأمين ميزانية الحرس الثوري والكثير من الشركات والمؤسسات المالية والتجارية في إيران بدليل امتلاك أدنى تعامل حتى عبر واسطات عدة، حرمتها من إقامة علاقات اقتصادية خارجية مواتية. لأن قانون كاتسا وفق القانون النافذ رقم 13244 الصادر عن بوش الابن عام 2001، فرض عقوبات ثانوية مصرفية وغير مصرفية واسعة النطاق على المنظمات الإرهابية أو الراعية للإرهاب. والفرق هنا هو إذا كان ثمة منظمة «راعية للإرهاب»، فسوف يتم إدراجها ببساطة في «قائمة الأفراد الذين تم تحديدهم وحظرهم[8]». لكن إذا كان ثمة «منظمة إرهابية» فسوف تشمل هذا القائمة كافة المتعاملين معها وداعميها سياسياً واقتصادياً وفنياً حتى إشعار آخر، وسيتسبب هذا الأمر بمرور الوقت بفرض سلسلة من العقوبات الهرمية المصرح بها، لتطال الأفراد والكيانات المتعاملة مع الداعمين والمتعاونين مع هذه المنظمة أيضاً[9]. الأمر الذي يشرع الأبواب لأمريكا لفرض المزيد من العقوبات ويوماً بعد يوم.

وفضلاً عن الحالتين المهمتين أنفاً، فقد فرضت إدارة ترامب عبر إصدار قوانين تنفيذية عديدة، عقوبات طالت قطاعات صناعة الحديد والألمنيوم، والصناعات البتروكيماوية والنسيجية، ووجهت إلى هذه القطاعات تهم غير مرتبطة بالملف النووي مثل «الإرهاب» وانتهاك «حقوق الانسان» أيضاً، إذ تتنافى هذه العقوبات بحد ذاتها مع مطالب الاتفاق النووي الاقتصادية من قبيل تسهيل التبادلات المالية والمصرفية وكذلك الحصول على قطع ومعدات فنية وصناعية.

فخ آلية الزناد

 فضلاً عن البعد الاقتصادي لالتزامات الاتفاق النووي، يبدو أنه من الناحية القانونية أفضت تجربة ممارسة «الضغوطات القصوى» في عهد ترامب، إلى وضع مطالب تفوق التقيد بالتزامات الاتفاق النووي من قبل إيران. إن إحدى الحالات التي توجد حساسية بالغة نحوها هي بقاء آلية الزناد. وعلى الرغم من أن تفعيل آلية الزناد عملية تحتاج إلى إجراء دراسات فنية من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية واللجنة المشتركة للدول الأعضاء حول التزامات إيران، بيد أن الحكومة الأمريكية في شهر سبتمبر أيلول 2020 سعت لتطبيقها ضاربة بعرض الحائط كل القواعد.

 ربما يتم طرح هذه المسألة أنه لا يمكن للولايات المتحدة تفعيل هذه الآلية أو لن تكون محط إجماع في حال إلتزام إيران الكامل، لكن الحقيقة هي أن موقف طرفي الاتفاقية لا ينبغي أن يقوم على الثقة بل على توازن القوى. وأظهرت تجربة عدم التزام أمريكا والدول الأوروبية المتكرر أنه من الممكن كيل اتهامات وسوق مزاعم لا أساس لها تستند إلى معطيات مضللة (مثل المزاعم القائمة على قيام إيران بانتهاك الاتفاق النووي بسبب تطوير البرنامج الصاروخي) أو معطيات مزيفة بالكامل (مثل الوثائق المزورة التي طرحها الكيان الصهيوني حول الأبعاد العسكرية للبرنامج النووي الإيراني) والتي تفضي بدورها إلى تفعيل آلية الزناد.

بناءً على ذلك يمكن اعتبار استبعاد هذه الإمكانية أحد مطالب إيران الجدية للحفاظ على هذا الاتفاق.

النتيجة

يمكن لحكومة بايدن أن تلغي العقوبات التي تم فرضها على إيران استناداً للقرارات التنفيذية التي أصدرها ترامب دون الحاجة إلى موافقة الكونغرس. وفيما يتعلق بالحالات الأخرى وفي ضوء حصول الحزب الديمقراطي على الغالبية في مجلس الشيوخ، فإن المزاعم بعدم مواكبة الكونغرس لحكومة بادين لن يكون أمراً وارداً ومقبولاً.

وفي الوقت الراهن يتعين التنبه إلى هذه النقطة حيث أن كلا القانونين ايسا وكاتسا تم إقراراهما بأغلبية ساحقة من قبل الجمهوريين والديمقراطيين معاً وهذا يدل على أن التمييز بين هذين الحزبين في رسم السياسات ضد إيران لا ينبغي أن يشكل سبباً لتجاهل تضافر مساعيهما في فرض أي ضغوطات على البلاد.

المصادر:

1- Possible Military Dimensions (PMD)

– 2  مهسا مجدهي، ما هي العقوبات التي ألغتها حكومة روحاني؛ وما هي العقوبات التي أحياها ترامب؟، خبر أونلاين، 19 سبتمبر 2020، رابط المقال: www.khabaronline.ir/news/1434113

-3  رسالة مرشد الثورة إلى رئيس الجمهورية حول التزامات الاتفاق النووي،21 أكتوبر 2015، الرابط: www.farsi.khamenei.ir/message-content?id=31168

4- Iran Sanctions Act ‎(ISA)

-5 مركز استطلاع الرأي، دراسة تأثير تمديد عقوبات ايسا على صناعة النفط في إيران،2018، الرابط:www.ararc.ir/fa/content/9719

6- Countering America’s Adversaries Through Sanctions Act (CAATSA)

 -7 وكالة مهر للأنباء، قيود كاتسا أكثر من القرار 2231، 1 نوفمبر 2017، الرابط:

www.mehrnews.com/xK6LC

8- Specially Designated Nationals and Blocked Persons List (SDN)

 -9  وكالة تسنيم للأنباء، وصف الحرس الثوري بالإرهابي يعتبر المرحلة الثالثة من أم العقوبات، 11 أبريل 2019، الرابط:

www.tasnimnews.com/fa/news/1398/01/20/1984453


المصدر: معهد التبيين للدراسات الاستراتيجية http://tabyincenter.ir/40942