تتزايد أهمية التربية والتعليم في العالم المعاصر مع الارتباط الوثيق لهذه العملية بمنظومة التنمية الشاملة في بلدان العالم. ومع التقدم التكنولوجي وانتشار أنماط حديثة في التعليم الافتراضي، يبدو أن العراق مطالب بالإيفاء بوعد مؤجل يخص هذا القطاع. فتشير البيانات إلى أن معدلات الالتحاق في المدارس الابتدائية والمتوسطة والإعدادية (93%، 55%، 29%) على التوالي على وفق الأرقام الرسمية. وتتبع هذه الأرقام المفزعة من التسرب الدراسي في المراحل المختلفة أرقامٌ أخرى تخص المنشآت المدرسية التي يعاني العراق من نقص فادح فيها يبلغ 10 آلاف مدرسة بحسب التصريحات الرسمية أيضاً. ولم تنته مشكلة التربية والتعليم في العراق عند هذا الحد، إذ تتباين مستويات التعليم وتوزيع المنشآت التربوية مكانياً بين المحافظات، وبين الأرياف والمناطق الحضرية، فضلاً عن التباين بين الذكور والإناث، وتوزيع الملاكات التدريسية، وغيرها.

إن المشكلات البنيوية التي تعاني منها التربية والتعليم في العراق بحاجة إلى استراتيجية شاملة للحاق بركب المستويات المقبولة من الاهتمام بهذا القطاع في العالم. وهذه الاستراتيجية تشمل إصلاحاً لعشرات القوانين ضمن المنظومة التشريعية التي تستند إليها التربية والتعليم، ووضع خطة لسد النقص في البنى التحتية المدرسية، ووضع معايير للتقويم وضمان جودة التعليم، والحوكمة، وتنمية الموارد المالية، وتطوير المناهج، والتعليم والتدريب المهني، وبرامج تخص محو الأمية، ورياض الأطفال، والتعليم الأهلي، والأجنبي وغيرها.

إن العراق يقف اليوم وهو بين يدي تركة ثقيلة من اكثر من أربعين عاماً من الإهمال والتراجع على المستويات كافة، وما قطاع التربية والتعليم سوى أحد هذه المستويات. وتشير التقارير الحكومية والدولية إلى أن مفتاح التحريك الشامل لملفات الاقتصاد والسياسة والمجتمع والثقافة هو التعليم، فهو مال لا ينضب، وأساس لا مناص منه لتخريج جيل مبدع وخلاق، وواع بالأخلاق العامة، وفن التعامل، ومتذوق للجمال، ومنخرط بالتنمية المجتمعية الشاملة.

وليس من نافلة القول الحديث عن أن التعليم هو مفتاح الاستقرار الدائم، والسلام المجتمعي، ووحدة الأمة ضمن هوية وطنية مشتركة، فضلاً عن النمو الاقتصادي المستدام الضامن لردم هوة الفقر واللامساواة.

هذا الكتاب هو نتاج الاهتمام المتواصل لمركز البيان للدراسات والتخطيط بالتربية والتعليم بوصفهما المؤشر الأبرز وفي الوقت نفسه الدافع الأساس للتنمية في البلاد. لقد حرصت الإدارة الماليزية المائزة بأدائها التنموي بالتركيز على التربية والتعليم ضمن استراتيجيات واسعة النطاق، إيماناً منها بأنه لا يمكن ضمان استمرار النمو الاقتصادي والاستقرار السياسي ووحدة الأمة الماليزية من دون مستويات عالية من النجاح في التربية والتعليم.

وضمن خطة كبيرة طالت خمسة عشر شهراً، وبالاستعانة بالمختصين من بلدان العالم والمنظمات الدولية ذات الصلة، وضع الخبراء الماليزيون استراتيجية كبيرة قمنا في مركز البيان للدراسات والتخطيط بترجمتها للغة العربية ضمن الكتاب الذي بين يدي القارئ الكريم.

تتمن هذه الاستراتيجية مراجعة شاملة لواقع التربية والتعليم في ماليزيا، ونقاط القوة والضعف فيه، فضلاً عن طرح الأسئلة الصعبة عمّا تريده ماليزيا أمةً وشعباً من النظام التعليمي ضمن الآفاق المتوسطة والبعيدة. ووضعت الاستراتيجية الخاصة بالتعليم ضمن معايير علمية قابلة للقياس والتقويم تخص أداء الطلبة في المواد الأساسية دولياً، وحجم الانفاق على التعليم للناتج المحلي الإجمالي للبلاد، والمعايير الدولية ذات الصلة بقياس نجاح البلدان في هذا المجال.

ونأمل من خلال هذا الكتاب تسليط الضوء على هذه التجربة المهمة والرائدة، عسى أن تكون نافعة لصناع القرار والباحثين والمختصين والمعنيين لوضع خطط استراتيجية مماثلة في العراق.

تحميل الكتاب (الجزء الاول )

تحميل الكتاب (الجزء الثاني)