هل ستنجح بكين؟

وضع الحزب الشيوعي الصيني أهدافاً غير مسبوقة كجزء من خطة أكبر، من أجل القضاء على الفقر في الصين بحلول نهاية عام 2020. وما يزال مئات الملايين من الأشخاص في الصين يعانون من انخفاض الدخل ومستويات المعيشة المتدنية.

على الرغم من أن الفقر يعدّ قضية متعددة الجوانب، إلا أنه يتم تقييمه في الغالب على وفق مستوى الدخل. ويبلغ خط الفقر الدولي المدقع حالياً 90/1 دولار أمريكي في اليوم. لقد انخفض معدل الفقر العالمي بنحو كبير منذ عام 1990، ويعود أكثر من 60 في المئة من هذا الانخفاض إلى جهود الصين. لقد أدت عقود من النمو الاقتصادي السريع إلى انتشال 5/748 مليون شخص من براثن الفقر المدقع، وأدت إلى انخفاض معدل الفقر في الصين من 3/66 في المئة إلى 3/0 في المئة فقط. إن مساهمة الصين المذهلة في تخفيض معدل نمو الفقر العالمي تعتمد مباشرةً على عدد سكانها الكبير، بينما هناك بلدان أخرى ساهمت بنحو ضئيل جداً في تخفيض معدل نمو الفقر العالمي، على الرغم من أنها كانت لديها معدلات انخفاض مماثلة للصين.

وفضلاً عن خط الفقر البالغ 9/1 دولار، يقترح البنك الدولي اعتماد خط الفقر البالغ 2/3 دولار و5/5 دولار في اليوم كأساس لتقييم الفقر في البلدان المتوسطة والمرتفعة الدخل. وتعطي مقارنة التقدم بين خطوط الفقر الدولية الثلاثة هذه فهماً أوضح لجهود البلدان الرامية لخفض معدل الفقر العالمي.

حين تم تطبيق خط الفقر البالغ 5/5 دولار على الصين كبلد ذات دخل متوسط، ظل 17 بالمئة من سكان البلاد (237 مليون نسمة) يعيشون في فقر في عام 2018. في ذلك العام، كان معدل الفقر في تركيا بلغ نسبة 5/8 في المئة، ما يعادل نصف مثيله في الصين، ووصل في إيران بنسبة 15 في المئة. ومع ذلك، ما تزال الصين تظهر تفوقاً على بعض البلدان، مثل البرازيل بنسبة 8/19 في المئة والمكسيك بنسبة 7/22 في المئة. وبطبيعة الحال، في العام نفسه، كان معدل الفقر في المناطق القروية في الصين خمسة أضعاف معدل الفقر في المناطق الحضرية. إن خط الفقر في المناطق القروية في الصين أعلى بكثير من خط الفقر المدقع العالمي (9/1 دولار في اليوم) وفي السنوات الأخيرة مال نحو الانخفاض. لقد كان الحد من الفقر على رأس أولويات الحزب الشيوعي الصيني منذ مدة طويلة، ووضعت حكومة شي جين بينغ أهدافاً مذهلة لذلك، وفي الوقت نفسه، هناك تساؤلات بشأن استدامة البرامج الحكومية. في غضون العقدين الماضيين فقط، ازداد الناتج القومي الإجمالي للصين بأكثر من عشرة أضعاف، حيث ارتفع من 940 دولاراً في عام 2000 إلى 10410 دولارات في عام 2019.

ومع ذلك، فإن النمو الاقتصادي غير متكافئ جداً، ويتركز في الغالب في المناطق الحضرية، ولذلك، اتخذت الحكومة الصينية خطوات لسد هذه الفجوة للحد من الفقر في المناطق القروية. وفي عام 1986، قامت الحكومة الصينية بوضع وتعريف خط فقر وطني وخصصت ميزانية خاصة للحد من الفقر بإنشاء مكتب مجلس حكومي لتحديد المدن الفقيرة، وبعد سبع سنوات، تم انتشال 80 مليون شخص من الفقر. لقد أنشأت السلطات المركزية آلية تعاونية للسماح لمزيد من المناطق الساحلية الأكثر تحضراً لدعم المناطق الغربية الأكثر فقراً. وكان إلغاء الرسوم التي يدفعها الطلبة في المناطق القروية من ضمن الإجراءات الأخرى للحكومة الصينية. كما قامت الصين بتوسيع برنامج (Dibao Program) ، وهو برنامج تحويل نقدي غير مشروط لأفقر مواطني الصين.

وتعهد القادة الصينيون بمعالجة مشكلتين رئيسيتين في الذكرى المئوية للحزب الشيوعي في عام 2021 وهما: الغذاء غير الكافي والملابس غير اللائقة، ويقومون أيضاً بتوفير ثلاث ضمانات: الحصول على الرعاية الصحية، والتعليم والسكن. وحتى عام 2014، حددت السلطات الصينية 6/89 مليون من الفقراء و5/29 مليون أسرة فقيرة و128 ألف قرية فقيرة. وتضاعفت الميزانية السنوية للحد من الفقر، ووصلت إلى 1/126 مليار في عام 2019.

أحد الانتقادات الموجهة لخطط الصين كان حول التغطية الشاملة لبرنامج ديباو Dibao. تأتي ميزانية ديباو من الحكومة المركزية، لكن المسؤولين المحليين يحددون كيفية إنفاقها، ولذلك، فإن الفساد هنا أمر لا مفر منه. كما أن قيمة الدفع لهذا البرنامج ليست كبيرة جداً. ويعدّ عدم وجود الدافع للعمل والسعي أحد نتائج هذا البرنامج. وبالتالي، فإذا عملت الصين من دون اتخاذ حلول أكثر استدامة، ستجعل مواطنيها الأكثر ضعفاً في فقر مدقع.

ومن بين التحديات الرئيسة التي تواجه الصين، فجوة التنمية بين المناطق القروية في الغرب والمناطق الحضرية في الشرق. إن فجوة التنمية لها تأثير كبير على نوعية الحياة. قد تكون معدلات الإصابة بالسرطان أعلى حتى في المناطق الحضرية منها في المناطق القروية، ولكن مما لا شك فيه هو أن معدل الوفيات في المناطق القروية أعلى من معدل الوفيات في المناطق الحضرية، وبالإضافة إلى ذلك، كان حوالي 8/43 في المئة من الطبقة العاملة في الصين في عام 2018 عرضة للخطر، إذ أن هذا الرقم أقل بكثير مما هو عليه في الهند (7/76 في المئة) لكن بالمقارنة مع دول البريكس الأخرى، فهي نسبة مرتفعة.

تشير التقديرات إلى أن جائحة كورونا أثرت بشدة على الفئات السكانية الضعيفة في الصين، حيث الكثير منهم من العمال المهاجرين، وفي شهر واحد فقط من الحجر الصحي، فقدت الصين ما يقرب من 100 مليار دولار لأجور العمال القرويين المهاجرين. وفي ذروة انتشار الفيروس في فبراير 2020، بلغ معدل البطالة الرسمي في البلاد 2/6 في المئة، وهذا الرقم من دون احتساب معدل بطالة العمال القرويين.

في أيار 2020، قدم رئيس الوزراء الصيني تقرير الأداء السنوي للحكومة. يذكر التقرير أن الحكومة تعتزم توفير خدمات توظيف متساوية للعمال المهاجرين في المدن التي يعملون فيها. ويمكن للعمال ذوي الدخل المنخفض سداد تكاليف الضمان الاجتماعي.

ما تزال هناك العديد من العقبات أمام الحكومة الصينية، فقد كان النمو الاقتصادي السريع والمستدام عاملاً رئيساً في انخفاض مستوى الفقر في الصين لعدة سنوات، ولكن مع تباطؤ النمو الاقتصادي، تباطأ الحد من الفقر أيضاً؛ وبالتالي، فإن تحول الصين إلى دولة متطورة وغنية وقوية، يصبح أمراً بعيد المنال.

المصدر: موقع الدبلوماسية الإيرانية  https://b2n.ir/168082