صورة لاعب كرة السلة (كوبي براينت) على لوحة إعلانات مقابل مركز (STAPLES) في لوس أنجلوس. "استفاد العديد من نجوم الرياضة من أرباحهم المهنية لضمان استمرار وصول رواتبهم حتى عند انتهاء عملهم كرياضيين محترفين". حقوق الصورة: De Checubus

علي الصفار: مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وكالة الطاقة الدولية. وقد ركز عمله الأخير على آثار تحولات الطاقة على اقتصاديات المنتجين.

آسيا الجواسم: خبيرة اقتصادية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في قسم المراقبة الهيكلية بقسم الاقتصاد. حاصلة على درجة الدكتوراه في الاقتصاد.

أمير البديوي: اقتصادي في كلية لندن للاقتصاد. يركز عمله على استراتيجيات تنويع الصادرات، والسياسة الصناعية، وإدارة ثروة الموارد وانتقال الطاقة. حاصل على دكتوراه من جامعة كامبريدج.

أدى حظر التجوال الذي فُرض على ما يقرب من أربعة مليارات شخص في أنحاء العالم إلى تراجع حاد في الطلب على النفط بالنحو الذي لم يسبق أنه شهدته الصناعة من قبل؛ وقد أدى انخفاض الطلب -المقدر أن يصل إلى 25 مليون برميل في اليوم على أساس سنوي في نيسان- إلى تحديات كبيرة. فبالنسبة للاقتصادات المعتمدة على النفط، فإن أسعار الخام المتراجعة تضرب الإيرادات بشدة، وتمت مراجعة أرقام النمو الاقتصادي للبلدان وتخفيضها، ويتوقع الآن وجود عجز كبير في الحساب الجاري لبعض أبرز منتجي النفط. ويجري التوفيق بين المخاطر المرتبطة بالاعتماد الكبير للاقتصاد على الصادرات السلعية بنحوٍ واضح مع تقلبات السوق الناجمة عن انتشار فيروس كورونا. وهذا مقلق بنحو خاص؛ لأن العديد من البلدان قد زادت اعتمادها على المواد الاستخراجية في صادراتها في السنوات الخمس عشرة الماضية. إن الحاجة إلى التخفيف من هذه المخاطر عبر التنويع الاقتصادي واسع النطاق قد أصبحت أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.

تستوحي هذه المدونة الإلهام من قصص النجاح في عالم الرياضة لتقديم رؤى مفيدة لصانعي السياسات في الاقتصادات المعتمدة على النفط والغاز. وتقترح العديد من أوجه التشابه بين القدرات البدنية غير العادية للرياضي الخارق والموارد المستنفدة للبلد، ونجد أن هناك دروساً مهمة يمكن تعلمها من أولئك الذين نجحوا في توجيه نجاحهم الرياضي إلى مناطق أخرى لضمان طول عمرهم المالي لفترة طويلة بعد انتهاء مهنهم كرياضيين.

تعد القدرات البدنية للرياضي مورداً له تماماً مثل الوقود الأحفوري.

صورة لاعب كرة السلة (كوبي براينت) على لوحة إعلانات مقابل مركز (STAPLES) في لوس أنجلوس. “استفاد العديد من نجوم الرياضة من أرباحهم المهنية لضمان استمرار وصول رواتبهم حتى عند انتهاء عملهم كرياضيين محترفين”. حقوق الصورة: De Checubus

يمكن للشخص الذي يتمتع بقدرات بدنية فطرية أن يسخّر هذه القدرات في مهنة ناجحة في مجال الرياضة، وكذلك الموارد الطبيعية يمكن أن توفر للبلدان الأساس للازدهار. إن القدرة البدنية والموارد الطبيعية على حد سواء قابلة للاستنفاد وتتطلب الفطنة المالية والبصيرة لضمان أنه بعد استنفادها يمكن الاستمرار في تكوين الثروة. يبدو أن ما يمنع أو يتيح فرص النجاح لكل من الموهوبين جسدياً والبلدان الغنية بالموارد على المدى الطويل هو قدرتهم على تنويع مصادر عائداتهم بعيداً عن النشاط البدني (أو المورد الطبيعي).

وربما لا يمكن إعطاء مثال أكثر ملاءمة من كوبي براينت الذي هيمن على عالم كرة السلة والذي فاز خمس مرات في دوري الرابطة الوطنية لكرة السلة NBA، وقد اُختير عضواً في نجوم العالم 18 مرة من أصل 20 موسماً. وفي وقت وفاته في بداية هذا العام، كان قد بدأ ما كان سيصبح “عملاً” ناجحاً آخر في مجال الأعمال والترفيه. فضلاً عن إنشاء شركة رأس مال استثماري وشركة إعلامية، وقد استثمر براينت أيضاً في شركة مشروبات رياضية، وأنشأ أكاديمية رياضية، وفي النهاية فاز بجائزة أوسكار عن قصة قصيرة ورسومات متحركة كتبها ورواها. كان من الواضح أن خطته كانت للتأكد من أن دخله سيمتدّ إلى ما بعد انتهاء مهنته الرياضية الرئيسة، ولم يكن كوبي براينت الوحيد الذي نجح خارج عالم الرياضة، فهناك نجوم رياضيون آخرون مثل: جورج فورمان، وسيرينا ويليامز، قد استفادوا من أرباحهم المهنية؛ لضمان استمرار دخولهم حتى بعد انتهاء دورهم كرياضين محترفين.

في هذه المدونة، استخلصت ثلاثة دروس رئيسة بشأن التنويع الاقتصادي للبلدان المعتمدة على الموارد:

  1. يجب أن تكون هناك استراتيجية لإدارة الإيرادات قبل استنفاد الموارد التي تولد مصدر الدخل.

من النجومية إلى الإفلاس، يتعرض كل من الرياضيين والحكومات لخطر فقدان كل شيء. فمن مايك تايسون إلى بوريس بيكر، فإن العالم الرياضي مليء بأمثلة على بعض كبار النجوم الذين تعرضوا للخراب المالي. وفي كثير من الأحيان، يقع اللوم على سوء إدارة الأرباح المهنية؛ مما يدفع الرياضيين بالوقوع في وهم أن الأوقات الجيدة ستستمر إلى الأبد. ينطبق هذا الأمر على مجموعة كبيرة من الاقتصادات التي تعتمد على الوقود الأحفوري، التي فشلت في كثير من الأحيان في الاستفادة من الفرص المتاحة في أوقات ارتفاع أسعار السلع الأساسية وعائدات الارتفاع الكبيرة. فبدلاً من اتباع سياسات لمواجهة التقلبات الدورية التي تسمح لها بزيادة مدخراتها وبناء المرونة حينما يكون النمو قوياً، ومن ثم تقديم الحوافز عندما تنخفض أسعار النفط، استجابت البلدان بدلاً من ذلك -في فترة ارتفاع أسعار النفط- إلى زيادة رواتب الموظفين، وزيادة الاستثمارات دون المستوى الذي يتناسب مع مكاسبهم.

إن التخطيط للثروة المستقبلية يجب أن يحدث في وقت مبكر؛ إذ تبدأ المشكلة لدى كل من الرياضيين الناشئين والمنتجين الناشئين عندما تُكتشف مواهبهم أو مواردهم حديثاً، وقبل أن يكون لديهم الوسائل التي تمكنهم من الوصول إلى نوع الخبرة السليمة التي تساعدهم في التخطيط لثرواتهم المستقبلية. فما يخص نجوم الرياضة، قد يؤدي هذا إلى شروط الرعاية، أما ما يخص البلدان، فإن عدم اتساق المعلومات بين المنتجين الناشئين وشركات النفط الدولية ذات الخبرة العميقة والموارد الهائلة الموجودة تحت تصرفهم، أدت إلى موافقة المنتجين الناشئين على شروط تجارية دون المستوى الأمثل للتطوير والبيع لمواردهم.

وفي هذا الصدد، يتعرض كل من الرياضيين والدول لخطر “لعنة ما قبل الموارد”. إن ثقل توقعات الدولة بعد اكتشاف الموارد الطبيعية يمكن أن يضغط على الحكومات (كما هو الحال في غانا، أو لبنان، أو منغوليا، أو سيراليون) للشروع في الاقتراض المحفوف بالمخاطر المستند إلى التوقعات المفرطة في التفاؤل؛ مما يؤدي إلى حدوث خيبة أمل في النمو. في حالة الرياضيين، فإن التوقعات العالية بعد اكتشاف المواهب الشابة يمكن أن تكون أكبر من أن يتحملها الرياضيين الناشئين؛ ولحسن الحظ، فإن “لعنة ما قبل الموارد” يمكن تجنبها. ويعدُّ كل من تنزانيا والرياضي كيليان مبابي مثالين رئيسيين في القدرة على التأقلم مع التوقعات المجتمعية من أجل الحفاظ على أداء مستقر.

ولسوء الحظ، على عكس عالم الرياضة حيث توجد قائمة طويلة من نجوم الرياضة الذين نجحوا في ضمان دخلهم المستقبلي قبل تقاعدهم، فإن قائمة البلدان التي تمكنت من الاستفادة من مواردها الطبيعية نحو اقتصاد أوسع نطاقاً قصيرة جداً.

مثلما يتعرض الرياضيون للإصابات التي تنهي حياتهم المهنية، تحتاج البلدان المعتمدة على الموارد للاستعداد للصدمات الخارجية والتغيُّرات الهيكلية التي يمكن أن تجعلهم غير قادرين على جني الفوائد من ثروتهم من الوقود الأحفوري. تمكن الرياضيون الناجحون الذين نعرفهم اليوم من توليد دخل من الأنشطة التي لا علاقة لها بنشاطهم الرياضي، ولا تعتمد على مواهبهم البدنية. واصل بعضهم الانخراط في مشاريع تجارية داخل صناعة الرياضة، بناءً على خبرتهم وسمعتهم واتصالاتهم ومعارفهم، في حين تحرك آخرون خارج صناعة الرياضة.

لدى الدول المعتمدة على الموارد الكثير لتتعلمه من مسارات هؤلاء الرياضيين نحو التنويع الاقتصادي. ويمكن أن تُعزى نجاحات الرياضيين في تأمين تدفقات الإيرادات لمستقبلهم في الغالب إلى الطريقة التي مارسوا بها نفوذهم كنجوم مميزين. عند بلوغهم الذروة في حياتهم المهنية، استخدم الرياضيون الخارقون الناجحون علامتهم التجارية ذات القيمة العالية لبدء مشاريع تجارية، وبدء رحلتهم نحو الاستقلال المالي.

وبالمثل، فإن البلدان التي تعتمد على الوقود الأحفوري في وضع أفضل لشق طريقها نحو التنويع حينما تكون الأسعار مرتفعة وجيوبها ممتلئة. ولكن بالنظر إلى تقلب أسعار النفط، لا ينبغي أن تمنع تقلبات السوق الالتزام بالتنوع الاقتصادي؛ يجب أن يبقون الجائزة نصب أعينهم. من خلال البناء التدريجي للمخازن الاحتياطية اللازمة التي تضمن عائدات البلاد من التقلبات قصيرة الأجل في الأسواق والتغيرات الهيكلية طويلة الأجل في اتجاهات العرض والطلب العالمية -كما هو الحال في النرويج- يمكن للبلدان الغنية بالموارد أن تشق طريقها نحو اقتصاد أكبر وأكثر مرونة.

  1. نادراً ما يكون التنويع المالي كافياً

قد تكون بعض البلدان الغنية بالموارد قادرة على تحمل الاستمرار من دون وجود وارد من الاستثمارات المالية بلا تنويع إنتاجي؛ بسبب تراكم الثروة في المحفظة المالية. ويمكن للبلدان التي لديها إمكانية الوصول إلى ثروة كبيرة من الوقود الأحفوري نسبة إلى حجم سكانها أن تعتمد على عائدات أصولها المالية دون الحاجة إلى القلق بشأن خلق وظائف لسكانها الأصليين. لكن مثل هذه الحالات استثنائية جداً، وقد تفشل في القضاء على جميع مخاطر الاعتماد على الموارد والحفاظ على نمو الدخل والإنتاجية على المدى الطويل. ولا تمتلك معظم البلدان الغنية بالموارد ثروة كافية للحفاظ على النمو السكاني السريع. في الواقع، لدى الكثير منهم شرائح كبيرة من الشباب العاطلين عن العمل الذين أصبحوا أكثر إحباطاً؛ بسبب الافتقار إلى فرص العمل وفرصة للحصول على حياة جيدة.

في حين يمكن للرياضيين المحترفين تحقيق إيرادات كافية طوال حياتهم المهنية بالحفاظ على أنماط حياتهم دون بذل جهود إضافية، فما يزال يتعيّن على الجانب الأكبر من الرياضيين إيجاد طرق منتجة لتغطية نفقاتهم. وبالطريقة نفسها، تحتاج معظم البلدان الغنية بالموارد إلى البحث عن طرق بديلة لتوليد الدخل عبر توسيع قدراتها الإنتاجية خارج القطاع الاستخراج وتسخير إمكانات رأس المال البشري.

  1. الانتقال إلى قطاعات جديدة بالاستفادة من القدرات الموجودة مسبقاً

بقي الرياضيون الذين انتقلوا نحو وظائف جديدة إما في صناعة الرياضة من خلال الاستفادة من اتصالاتهم ومعرفتهم بالمجال -على سبيل المثال كمستشارين رياضيين أو مدربين للفرق-، وإما بإنشاء أكاديميات كرة القدم، تماماً مثل (جورج وياه) الذي يعمل حالياً رئيساً لليبيريا، وإما الدخول في قطاعات جديدة خارج مجال الرياضة، مثل مجال الملابس، وإما إنتاج الأفلام، فعلى سبيل المثال: تعاون مايكل جوردان مع شركة Nike لتأسيس العلامة التجارية الناجحة (جوردان). بدأ كوبي براينت نشاطاً تجارياً لإنتاج الأفلام بعد تقاعده من كرة السلة. في حين بدأت كل من سيرينا ويليامز (طالبة أزياء سابقة) وأختها فينوس العمل في خطوط الملابس. يعدّ هؤلاء الرياضيون أنموذجاً لكيفية بناء “الفوائد النسبية” الجديدة واستغلالها على الرغم من الوظائف التي كانت مخصصة في البداية للرياضيين المحترفين.

ومع ذلك، بدا أن هؤلاء الرياضيين قد تنوعوا في أنشطة مهنية جديدة عبر الاستفادة من القدرات التي اكتسبوها سابقاً في حياتهم الرياضية، بدلاً من البدء من نقطة الصفر. فيلم (كوبي براينت) الحائز على جائزة أوسكار كان متعلقاً بعقود من خبرته في كرة السلة، بينما تراكمت المعرفة والخبرة الواسعة لمايكل جوردان في الملابس الرياضية خلال مسيرته في كرة السلة. وعلى غرار الرياضيين، يمكن للبلدان التي تعتمد على الموارد الطبيعية أن تغامر في الصناعات التحويلية باستغلال مواردها الأساسية (مثل إنتاج البتروكيماويات في المملكة العربية السعودية، أو تكنولوجيا استخراج النفط في النرويج، أو تكنولوجيا التعدين في فنلندا، وأستراليا)، وكذلك المغامرة خارج الصناعات المباشرة المرتبطة بمواردها الطبيعية (الإلكترونيات في ماليزيا الغنية بالنفط، والسياحة الفاخرة والخدمات المالية في الإمارات العربية المتحدة، أو زراعة سمك السلمون، والنبيذ، والفاكهة في تشيلي الغنية بالنحاس). إن معظم تجارب التنويع الناجحة (كما ذكر آنفاً) لم تحدث من طريق قوى السوق وحدها، بل ساعدتها تدخلات الدولة الاستراتيجية.

فضلاً عن ذلك، حتى في الصناعات التي لا علاقة لها بمواردها، يمكن للبلدان الاعتماد على الدراية الفنية والمدخلات التي تم تطويرها. فعلى سبيل المثال: يمكن تطبيق المهارات الإدارية والتكنولوجية المكتسبة في استغلال الموارد، وكذلك البنية التحتية (مثل الموانئ، والطرق، واللوجستيات التجارية)، وسلاسل التوريد لتطوير قطاعات أخرى. في تشيلي الغنية بالنحاس -مثلاً- وُجّهت 50% من مبيعات موردي التعدين المحليين إلى الصناعات غير التعدينية؛ مما يكشف عن قدرة الموردين على الاستفادة من قدراتهم العرضية لبيع منتجاتهم وخدماتهم في مختلف القطاعات، كجزء من جهود التنويع. وبالمثل في ماليزيا، تراكمت لدى العديد من الموردين في صناعة النفط قدرات هندسية عرضية دعمت بعد ذلك تطوير قطاعات أخرى. وقد ثبت أن هذا التحويل العرضي مفيد بعد انهيار أسعار النفط في عام 2014؛ مما يحفّز الموردين المحليين التخفيف من اعتمادهم على هذا القطاع.

من طريق مسارات التنويع الأفقي في الموارد البديلة، والتنويع العمودي في المنتجات، يمكن للبلدان الغنية بالموارد الطبيعية بناء اقتصاد قابل للحياة ومرن لسكانها. في حين أن الاستفادة من القدرات الحالية للانتقال إلى قطاع جديد هي خطوة أولى نحو التنويع، فقد تحتاج البلدان المعتمدة على الموارد الطبيعية إلى تجاوز ذلك عبر استكشاف القطاعات والأنشطة التي يمكنها بناء ميزة تنافسية فيها مع مرور الوقت. إن كل من ظروف السوق الملائمة التي تشجع على التنويع التصاعدي والالتزام الحكومي أمران ضروريان للتغيير طويل الأمد. وإلى جانب قوى السوق، سيتطلب التنويع الاقتصادي سياسة صناعية ذكية تعتمد على مزيج مثالي من البراغماتية والجرأة والإبداع. وفي الواقع، بالنسبة للرياضيين والدول على حد سواء، فإن التنويع الاقتصادي يأتي على وجه التحديد عبر تنفيذ الرؤية الإبداعية. إن هذه الرؤية الإبداعية -إلى جانب السياسة الصناعية بنحوٍ عام- لا تأتي من دون مخاطر؛ لكن مخاطر الحفاظ على الوضع الراهن أكبر بكثير.

المصدر:

https://blogs.lse.ac.uk