back to top
المزيد

    تركيا تفتقد تجربة إيران والسعودية وبراعتهما في استخدام القوات بالوكالة

    جعفر حق بناه، الخبير الإيراني في القضايا الدولية، حوار مع موقع الدبلوماسية الإيرانية.

    في أعقاب تفاقم التوتر بين قوات الجيش التركي والسوري إثر مقتل (33) جندياً تركياً جراء هجوم شنه الجيش السوري في إدلب يوم الخميس الماضي، يبدو أن الأزمة المندلعة في هذه المنطقة عادت لتتصدر مشهد التطورات السورية. وعلى الرغم من إعلان المسؤولين الأتراك أن يوم أمس الجمعة جرت مباحثات بين وفد من موسكو مع الجانب التركي في أنقرة، بالتزامن مع هذا الأمر وشهدنا توصل بوتين وأردوغان بعد إجراء اتصال هاتفي إلى اتفاق على إجراء اجتماع لكبار مسؤولي البلدين في المستقبل القريب؛ لكن يبدو أنه في ظل المتطلبات الميدانية في إدلب فإن استمرار الاشتباكات كما في السابق أمر لا يمكن تلافيه. وانطلاقاً مما سبق تثار التساؤلات: ما الآثار التي سيخلفها التوتر في إدلب على التطورات في سوريا وفي المنطقة؟ وإلى أي حد وضعت موسكو وأنقرة مفاقمة التوتر في جدول أعمالهما؟ هل بوسع الجمهورية الإسلامية الإيرانية الاضطلاع بدور مهم وجدي في تقليل التوترات والتوسط بين الجانبين في ملف إدلب؟ تواجد الولايات المتحدة الأمريكية والناتو ووجود احتمال لتدخلهما، إلى أين سيقود مسار التطورات في إدلب؟

    للوقوف على هذه التساؤلات حاور موقع الدبلوماسية الإيرانية جعفر حق بناه الخبير في القضايا التركية وأستاذ زائر للدارسات الإقليمية في جامعة طهران، تقرؤون فيه:

    يبدو أنه بعد الهدوء التدريجي الذي شهدته تطورات إدلب شهدنا خلال الـ 72 ساعة الماضية هيمنت الظروف الميدانية على هذه المنطقة في سوريا، التي بدورها جعلت إدلب تتصدر نشرات الأخبار والتطورات السياسية والدبلوماسية والعسكرية والأمنية على صعيد المنطقة والصعيد الدولي، ولاسيما بعد قيام الجيش السوري الأسبوع الفائت بشن ضربة جوية على قافلة عسكرية تركية تسببت بمقتل (33) جندياً تركياً. بناءً على ذلك، ما تقييمكم للتطورات الميدانية في إدلب وتأثيراتها على العلاقات السياسية والدبلوماسية؟

    إن تركيا في وضع تجهد فيه للحفاظ على استثماراتها الضخمة في سوريا التي عملت عليها على مدى السنوات الماضية، لتصل إلى نقطة الاستفادة المثلى من هذه الاستثمارات من عبر الاستمرار بها؛ لذلك هي مرغمة على الاستمرار بتدخلاتها وفرض نفوذها في الأراضي السورية. وبالتأكيد أن تفاقم التوتر العسكري وتصعيد الأزمة الأمنية ولاسيما في إدلب أمرٌ لا يمكن تفاديه، لكن الأمر الذي سلط الضوء إلى حد ما على التكهنات والتوقعات الماضية، هو من المرجح طبق النظرة البراغماتية التي يتحلى بها رجب طيب أردوغان والحكومة الموجودة في أنقرة، التي تؤكد ألّا تسعى تركيا لاستمرار مفاقمة التوتر في سوريا؛ وبالتالي ارتفاع التكاليف العسكرية والإنسانية والاقتصادية.

    بعبارة أخرى: هناك تقديرات تقول إن قضية التوسع التركي خاضعة للعلاقات بين أنقرة وموسكو بما يتعلق بالملف السوري ولن تصل إلى حد الاشتباك واندلاع حرب عسكرية مباشرة. يعني في الحقيقة تحاول أنقرة في المداولات والمساواة السياسية والدبلوماسية تحقيق أهدافها ومصالحها في الأراضي السورية. بيد أن التقديرات بشأن التطورات الحاصلة خلال الـ 72 ساعة الماضية في إدلب تشير إلى أن هذه التطورات الميدانية في هذه المنطقة السورية أرخت بظلالها على سياسة أنقرة؛ لذلك فالقضية الراهنة تكمن في أن المشروع التركي يسعى إلى فصائل مسلحة تابعة له عبر طريق سوريا في الأراضي الليبية؛ بغية تحقيق مصالح تركيا وأهدافها في هذا البلد الذي مُني بهزيمة حتى الآن؛ لأن الوقائع المستجدة خلال الأيام القليلة الماضية تشير إلى أن تركيا فشلت في تنفيذ خططها في إدلب، وهذا ما أوصل نقطة الاشتباك الروسي والسوري من جهة ضد الجيش التركي إلى جانب بعض المجموعات الإرهابية في إدلب إلى ذروتها في الوقت الراهن.

    ومع ذلك يبدو أنه في ظل التطورات الميدانية سوف تستمر هذه الظروف على حالها في إدلب خلال الأيام وحتى الأسابيع القادمة؛ لأنه يتوقع أن يستمر تقدم الجيش السوري بدعم روسي في إدلب، وفي المشهد المقابل ليست تركيا في مرحلة ترغب فيها بتثبيت أو إيقاف تحركها العسكري والميداني في الأراضي السورية، وإن هذه الأوضاع ستتسبب هذه الأوضاع في مفاقمة التوترات على نحوٍ يمكن فيه خلال الأيام المقبلة أن تنتقل حالة تفاقم التوتر في إدلب إلى منطقة شرق الفرات والأكراد السوريين أيضاً، وتؤدي إلى تشديد التحركات وتصاعد مواجهة القوات الكردية السورية والقوات النظامية التركية. لذلك خلال الأمد القصير من المستبعد جداً في الوقت الراهن التوصل إلى اتفاق والخروج من النفق المسدود في إدلب. لكن بنحو مؤكد خلال المدى المتوسط والطويل كلا الطرفين ليسا بصدد استمرار تفاقم التوترات، وبسبب النظرة أنقرة البراغماتية، لا يمكن لتركيا أن تفكر في خوض مواجهة شاملة مع روسيا. وفي الجهة المقابلة موسكو ودمشق ليسا بصدد تأزيم الوضع في إدلب أكثر؛ لأن استمرار التوتر في المنطقة يمكن أن يفرز تأثيرات مدمرة على الوضع الأمني والعسكري في عموم سورية، ولاسيما هناك احتمال لتدخل الناتو والأمريكيين بسبب إصرار تركيا في هذا الصدد؛ لذلك في ظل هذه النقاط هناك احتمال في المدى المتوسط أن تقبل روسيا وتركيا بواسطة سياسية ودبلوماسية في إدلب.

    السؤال الأهم الذي يطرح نفسه حالياً أكثر من أي وقت: إلى أي مدى ألقى تفاقم التوتر خلال الـ 72 ساعة في إدلب بظلال ثقيلة على علاقات موسكو وأنقرة ولاسيما في محور سوتشي وأستانة؟ وهل يمكن اعتبار المساعي والإنجازات التي تحققت في هذين المحورين كأنها لم تكن؟

    يبدو أن التطورات الميدانية في إدلب سلطت الضوء بنحو واضح على مسار سوتشي، لذا يتعين أخذ مسألة أن هذا المحور كان مبايناً للمناخ السياسي والدبلوماسي العام بالحسبان، إذ يحاول رصد التطورات السياسية والدبلوماسية الحاصلة في منطقة غرب آسيا (الشرق الأوسط) تحت زعامة الولايات المتحدة الأمريكية؛ لذلك فإن الترتيبات الجديدة المنبثقة من قلب محور سوتشي وأستانة لحل الأزمة السورية دون إيلاء اهتمام لوزن أمريكا ودورها لا يتطابق بأي شكل من الأشكال مع مسار إقامة الأنظمة السياسية والدبلوماسية والأمنية التي ترغب بها واشنطن. لذلك فإن محور سوتشي لم يصب في سياق مصالح الولايات المتحدة الأمريكية فحسب بل وقف في مواجهة استراتيجيات البيت الأبيض المتبعة في منطقة غرب آسيا.

    إن وجود القوات العسكرية الأمريكية في منطقة شرق الفرات جاء لدعم الأكراد السوريين أيضاً كونهم أحد المحاور التي تحظى بحساسية من قبل؛ وذلك بهدف إضعاف محور سوتشي.

    حالياً يبدو أن هذا البرنامج يتصدر جدول الأعمال، يعني أمريكا وحلف الناتو سيفكرون بتقديم دعم أكبر لتركيا بما يخص التطورات في سوريا حتى يتمكنا من إحداث صدع في علاقات موسكو وأنقرة؛ وبالتالي تقويض محور سوتشي. انطلاقاً من هذا الأمر من المحتمل أن تتبدد فرصة إعادة الاعتبار لمحور سوتشي واستمراره  في المستقبل. على نحوٍ أفضى في الوقت الراهن إلى توقف بعض الاتفاقيات المهمة بين روسيا وتركيا.

    فضلاً عن أن تركيا حالياً بالتزامن مع مساعيها لجعل تدخل أمريكا والناتو على نطاق أوسع في إدلب. تحاول دفع الدول الأوروبية للاضطلاع بدور في القضية السورية؛ حتى تتمكن من إحداث توازن سياسي ودبلوماسي وحتى عسكري لمواجهة الجيش الروسي والسوري.

    بالتزامن مع تفاقم التوتر في إدلب، يوم أمس الجمعة أصدرت وزارة الخارجية الإيرانية بياناً طالبت فيه بتخفيض حدة التوتر في هذه المنطقة من سورية وضرورة تحلي الجانبين بضبط النفس. وسط هذا هل يمكن أن تؤدي الجمهورية الإسلامية الإيرانية دور الوسيط لخفض حدة التوتر في إدلب، على الرغم من أن طهران تعدّ حلقة مهمة جداً لدمشق وموسكو، لكن في الطرف المقابل لم تنظر أنقرة بإيجابية كبيرة إلى تحركات إيران ورؤية طهران النهائية في التطورات في سوريا طوال هذه السنوات؟

    على الرغم من وجود اختلاف في وجهات النظر تجاه التطورات السورية بين تركيا والجمهورية الإسلامية الإيرانية، لكن بطبيعة الحال تحظى متابعة العلاقات الثنائية بين طهران وأنقرة واستمرارها بأهمية بالغة من الجانبين. في المحصلة أعتقد أن التطورات في إدلب لا تحظى بأهمية استراتيجية كبيرة للجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ لذلك من المرجح أن تقتصر التحركات السياسية والدبلوماسية الإيرانية على إصدار بيان وبذل مساع لإجراء مشاورات دورية لتخفيض حدة التوتر؛ لأن التطورات في هذه المنطقة من سوريا لا تحظى بجدية كبيرة للجمهورية الإسلامية حتى تنخرط طهران بها مباشرةً. في الوقت الراهن أن الطرف المقابل في هذه الاشتباكات هو تركيا والمحافظة على العلاقات مع تركيا يحظى بأهمية بالغة للجمهورية الإسلامية الإيرانية. وبناءً عليه تفضل طهران أن تؤدي دوراً يحاكي آلية حل الأزمة والمساعي الدبلوماسية الدولية لتخفيض حدة التصعيد في إدلب، على الرغم من أن التطورات الجارية في إدلب سلباً أو إيجاباً كانت لا ترتبط جدياً بمصالح إيران في سوريا.

    دعنا نغوص في تفاصيل أحد النقاط المهمة التي طرحتها حول شرق الفرات واحتمال حدوث مواجهة أكثر بروزاً بين الأكراد السوريين والجيش التركي في حال استمر التوتر في إدلب. برأيك هل استمرار التوتر وتصعيد الاشتباكات بين الجيش السوري والروسي ضد الجنود الأتراك في إدلب، بإمكانه أن يساعد في تصاعد حدة الاشتباك والمواجهة بين القوات الكردية السورية والقوات العسكرية التركية في منطقة شرق الفرات؟

    إن الأمر المسلم به هو أن حجم الخلاف السياسي والدبلوماسي والاشتباك العسكري مع الجيش التركي في شرق الفرات أشد وضوحاً من بقية المناطق في سورية، لهذا السبب فإن المجموعات والقوات العسكرية الكردية السورية تتحين الفرص لبدء مواجهة شاملة ضد نفوذ واعتداءات الجيش التركي.

    ومن جهة أخرى يبدو أن تجارت التطورات في سوريا خلال السنوات الماضية تظهر بوضوح أن لعبة القوى العظمى في سوريا هيأت هذه الفرص للأكراد السوريين لخوض مواجهة جدية مع الجنود الأتراك؛ وبناءً عليه لا أستبعد في حال تفاقم التوتر في إدلب أن يطرأ تغيير على شرق الفرات والأكراد السوريين وستواجه تركيا مشكلات جدية هناك.

    عطفاً على ما ذكرت برأيك إلى أي مدى يرغب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالمضي قدماً في جنون قوته، ولاسيما أنك أشرت إلى مسألة هامة حيث أن تركيا الآن منخرطة في التطورات والصراع في ليبيا؟ طبق هذه الإيضاحات فما هو مستقبل تركيا في ضوء مواصلة أنقرة لسياستها “العثمانية الجديدة”؟

    على الرغم من أن الكثير من التحليلات السياسية والإعلامية تتداول العبارة الاستراتيجية “العثمانية الجديدة” لحكومة أردوغان، لكن رسمياً هذه المسألة لا مكان لها في السياسة الخارجية التركية، ولا يستخدم المسؤولين في أنقرة هذه العبارة على الإطلاق، ومع ذلك وبنظرة جامعة يمكن القول إن السياسة التي ينتهجها المسؤولين والزعماء الأتراك تسعى لاعتبار المناطق التي كانت خاضعة للحكم العثماني في الماضي كركيزة رئيسية لمصالح تركيا وأمنها القومي؛ وبالتالي العمل على إعادة إحيائها. لكن النقطة التي يتم تجاهلها تكمن في أن هذه السياسة والاستراتيجية لا تنسجمان، ولا تتطابق اليوم مع الإمكانيات الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية وحتى الثقافية لتركيا، وبناءً عليه مواصلة هذه الاستراتيجية (العثمانية الجديدة) من قبل زعماء أنقرة وضع أحمالاً ثقيلة على عاتق هذه الدولة على كافة الصعد. وفي هذا السياق فإن نفوذ تركيا واعتداءاتها في الأزمة السورية خلق حتى الآن مشكلات اقتصادية وسياسية وأمنية جدية لحكومة أردوغان، فضلاً عن رغبة تركيا في توسيع نفوذها فضلاً عن سوريا في دول أخرى مثل ليبيا، بالتأكيد ستتكبد عدة تكاليف.

    ومع ذلك أعتقد -ولأسباب كثيرة خلال المدى المتوسط- ستستمر بتدخلها في شؤون الشرق الأوسط على الرغم من تكبد أعباء مالية باهظة وقلة الإنجازات المحققة. لكن طبق رؤية المنطق الواقعي والعلاقة بين “التكلفة والفائدة” وأجواء مواصلة سياسة العثمانية الجديدة فإنه هذا الأمر عملياً غير متاح أمام تركيا في المدى المتوسط والبعيد. لاسيما أنه حتى الآن أيقنت تركيا قياساً بقوى الشرق الأوسط يعني الجمهورية الإسلامية الإيرانية والعربية السعودية أنها لا تمتلك الخبرة والبراعة في استخدام المجموعات والقوات بالوكالة في تطورات الشرق الأوسط؛ لتحقيق أهدافها، ومصالحها، ونفوذها.

    عطفاً على ما سبق -وفي ضوء استمرار هذه الظروف- ما الوضع السياسي الذي سيستجد أمام حكومة أردوغان وبعض الأحزاب التي تدعمها ولاسيما الأحزاب القومية التركية وعلى رأسها (دولت بهجلي) زعيم حزب الحركة القومية في الداخل التركي؟

    خلال هذه المدة سعت بعض الأحزاب الداعمة لحكومة رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية مستندة إلى أفكار القومية التركية بزعامة حزب الحركة القومية و”دولت بهجلي” إلى الاستفادة من الوضع في سوريا؛ لتعزيز موقع حكومة أنقرة وسط الرأي العام التركي. لذلك شهدنا تبلور أجواء قومية شديدة الوضوح في بعض المدن والمحافظات التركية. ولأن حكومة رجب طيب أردوغان لديها بعض الميول الشعبوية، فضلاً عن أنها تسيطر على وسائل الإعلام التركية كافة، فبإمكانها خلال المدى المتوسط جعل الأوساط السياسة والاجتماعية والثقافية والإعلامية التركية تواكب تحركاتها في سوريا.

    لكن أعتقد أنه في المدى المتوسط والبعيد يفتقد حزب العدالة والتنمية والأحزاب القومية الأخرى مثل: حزب الحركة القومية، ودولت بهجلي، وكذلك حكومة أروغان أيضاً لهذه المقدرة حتى يرغب في جعل تركيا تنخرط أكثر من الحد في هذه القضايا والملف المعقد في سوريا.

    في هذا السياق شاهدنا كيف وظفت تركيا خلال السنوات الماضية كل طاقاتها وإمكانياتها حتى تتمكن من إدارة الملف السوري، لكن بكل تأكيد في المستقبل هناك احتمال لتنشغل تركيا بأزمات اجتماعية، واقتصادي، ة وسياسية داخلية تنجم على إثر انتهاج هذا النوع من الاعتداءات والتدخلات في الدول الأخرى؛ لأن هذه النوع من السياسة كلف تركيا ويكلفها نفقات، وتكاليف مادية، وبشرية كبيرة.

    في السياق نفسه فالكثير من الدول العربية في المنطقة عارضت وجود تركيا في سوريا منذ الأيام الأولى لاندلاع الأزمة في هذا البلد وما تزال حتى الآن. هذه الدول العربية وبالمناسبة عددها ليس قليل تعهدت تقليدياً بدعم حزب الشعب الجمهوري الذي يتزعم المعارضة السياسة ضد حكومة أردوغان، وهذا الدعم تسبب في أن يكسب كمال كليجدار أوغلو سلطة سياسية نسبية مقابل حكومة أردوغان.

    على الرغم من أن الاقتصاد التركي في الوقت الراهن يدخل مرحلة الازدهار والنمو المقبول، لكن هذه الأوضاع في البلاد هشة جداً،  ومن الممكن في المستقبل مع تصاعد تبعات وجود تركيا في سوريا ظهور تحديات اقتصادية ستواجهها تركيا، ولاسيما أنه ليس فقط سوريا بل منطقة الشرق الأوسط برمتها تمر بأوضاع حساسة و متوترة، وبهذا الشأن يكفي أن أشير إلى الآثار والتبعات الاقتصادية والنفسية لمرض كورونا الذي يفرض تأثيره في الوقت الراهن على تركيا إلى حد ما، وبإمكانه جعل صناعة السياحة والطائرات التركية المزدهرة تواجه تراجعاً. وإذا تضافرت هذه العوامل جنباً إلى جنب من الممكن أن تخلق مشكلات جدية لرجب طيب أردوغان والأحزاب الداعمة له. ولاسيما أننا شهدنا خلال هذه السنوات هبوطاً مستمراً للمخطط البياني للسلطة السياسية للرئيس التركي.

    في ظل تطورات الـ 72 ساعة الماضية في إدلب هناك سؤال مهم آخر يتبادر إلى الذهن؛ ما العوامل التي أدت إلى تبدل لهجة الجيش السوري وقيام حكومة الرئيس بشار الأسد بمواجهة اعتداءات الجيش التركي من موقع القوة؟ فهل فرض سيطرة الجيش السوري على أكثر من 80% من مساحة هذا البلد تسبب في تغير لهجة دمشق ضد أنقرة أو أن الجيش السوري ركن إلى دعم الكرملين، أو أن كلا العاملين جنباً إلى جنب العوامل الأخرى أفضى إلى أن ترد سوريا بشكل أكثر جدية على تحركات واعتداءات الجيش التركي على أراضيها؟

    أشرت إلى نقطة مهمة يتعين تسليط الضوء عليها وبحثها، فلا ينبغي اعتبار ارتفاع خسائر القوات العسكرية التركية ناجماً عن تغير لهجة الحكومة المركزية في دمشق أو مواجهة حكومة الرئيس بشار الأسد من موقع القوة لاعتداءات أنقرة؛ لأن ارتفاع أعداد قتلى جنود الجيش التركي يرجع مرده إلى انتشار الجنود الأتراك ميدانياً واندماجهم مع الجماعات الإرهابية في إدلب، بهدف تقديم الدعم لها، ولعدم وجود فصل بينها، ارتفع عدد قتلى الجيش التركي في أثناء الهجمات السورية، وفيما سوى ذلك أستبعد جداً أن تشعر الحكومة السورية على الرغم من الدعم الروسي الحاسم والواسع النطاق بوجود فائض قوة لديها حتى ترغب بإلحاق خسائر كبيرة في الجيش التركي خلال هجماتها العسكرية.

    انطلاقاً مما تقدم أستبعدُ وجود رغبة لدى الجيش السوري مرة أخرى لاتخاذ إجراءات تتسبب في رفع حجم خسائر جنود الجيش التركي، ولاسيما أنه في أعقاب الهجوم الجوي للجيش السوري تلقى الأخير رداً حاسماً عليها.

    وعليه فإن التوتر القائم بين دمشق وأنقرة ناجم عن المتطلبات الميدانية، مع أنه في الواقع جزء من حزب البعث السوري لديه طموحات وكراهية وشعور بالانتقام من وجود تركيا كاحتلال في الأراضي السورية. لكن في المحصلة هذا الجزء من حزب البعث السوري يعتقد أن هذه الأوضاع في المدى المتوسط والبعيد لن تستمر. حيث إن الجيش السوري لم يتمكن من الاحتفاظ بالسيطرة على مدينة “سراقب” الواقعة في ريف إدلب التي كان قد استعاد السيطرة عليها، حيث تمكن المعارضون السوريون -بدعم أنقرة مرة أخرى- من فرض سيطرتهم على مدينة سراقب القريبة من إدلب وشكل هذا الأمر حدثاً مهماً استدعى تدخلاً عسكرياً روسياً؛ لذلك يتعين الانتظار لحين تحديد مصير إدلب من قبل روسيا.


    المصدر:

    موقع الدبلوماسية الإيرانية https://b2n.ir/954413