بعد سقوط نظام صدام حسين في العام 2003، أصدر رئيس سلطة التحالف المؤقتة في البلاد (بول بريمر) مرسوماً بحلّ الجيش العراقي الذي كان يتألف من (365) ألف جندي، واختلفت ردود الفعل حيال القرار الذي عدّه بعضهم خسارة، فيما رأى آخرون أن القرار يمثل إلغاءً للعبودية التي تمارسها المؤسسة العسكرية للنظام السابق، التي أدّت إلى خلق جيش كبير ذي معنويات ضعيفة.

أما من الناحية التأريخية، فيمكن القول إن العثمانيين هم أول من أدخل الخدمة العسكرية الإلزامية في عهد عمر باشا، ورحبت به مجتمعات بغداد، فيما رفضته القبائل العراقية الممتدة من ديالى إلى الفرات الأوسط؛ مما أدّى إلى حدوث عصيان مدني وهجمات أسفرت عن مواجهات دامية بين القبائل العراقية والقوات العثمانية. وعلى الرغم من كل ذلك، تمت المصادقة على القرار كقانون ثابت في عهد مدحت باشا.

لقد استمر قانون الخدمة العسكرية الإلزامية في العراق نافذاً حتى الحرب العالمية الأولى، ووقوع العراق تحت الانتداب البريطاني. أما إبّان النظام الملكي في العراق، الذي تأسس في عام 1921، فقد شهدت عدة محاولات من قبل الملك فيصل الأول لإقرار الخدمة العسكرية الإلزامية، وهو ما رفضته القبائل العراقية؛ لأنها لم ترد إشراك أبنائها في الجيش خشية أن تُستغل تلك المؤسسة بنحو سيّئ في السياسة.

ثم حدث أن وقع انقلاب عسكري، بعد عام واحد من تطبيق الخدمة العسكرية الإلزامية في عام 1935، بقيادة بكر صدقي الذي مثّل أول محاولة من قبل الجيش لتجاوز حدوده القانونية والدستورية، وأدّت في وقت لاحق إلى سلسلة من الاغتيالات السياسية. وتجدر الإشارة إلى أن الطموحات السياسية للجيش لم تتوقف عند هذا الحد، بل تعدته إلى البحث المستمر عن دور أكثر نشاطاً في الحكومة، وأدّى ذلك -غالباً- إلى اشتراك الجيش في الانقلابات العسكرية بالعراق.

وقد ساعد الانخراط الثابت للجيش بالسياسة العراقية في تمهيد الطريق للانقلاب الذي قاده حزب البعث، وهو حزب سياسي ذو أيديولوجية مميزة؛ ونتج عن ذلك تسييس الجيش في مقابل عسكرة السياسة التي كانت تحدث في الماضي، وتأسيس «جيش أيديولوجي». وكانت تلك سابقة خطيرة تناقض مبادئ تأسيس الجيوش الوطنية في الشرق الأوسط. ومنذ إقرار الخدمة العسكرية الإلزامية حتى سقوط نظام البعث في عام 2003، أدّت عسكرة المجتمع إلى ظهور العديد من القادة العسكريين الذين شجعهم عدد الأفراد العسكريين المتاحين للتورّط في انقلابات وحروب.

وهذا الأمر يطرح تساؤلاتٍ بشأن ما إذا كانت الخدمة العسكرية الإلزامية قد ساعدت المجتمع العراقي؟ وإلى أي مدى؟ وهل يمكنها أن تخدم المجتمع العراقي؟

لقراءة المزيد اضغط هنا