صحيفة تابناك الايرانية

أعلنت مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة (نيكي هيلي) عن نية الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) عقد اجتماع في مجلس الأمن في السادس والعشرين من أيلول الحالي، وستكون إيران محور الاجتماع؛ ومن المحتمل جداً أن يترأس الرئيس ترامب نفسه هذا الاجتماع نظراً إلى أن الولايات المتحدة ستترأس مجلس الأمن الدولي في شهر أيلول دورياً.

وبحسب ما صرحت به (نيكي هيلي) فسيكون موضوع هذا الاجتماع هو «خرق إيران للقوانين الدولية»، و«زعزعة الثبات والاستقرار في الشرق الأوسط كله بسبب سياسات إيران»، وكذلك مطالبات قادة بعض الدول من أجل «منهج أكثر صراحة تجاه إيران». ومن المحتمل أن يحضر روحاني أو وزير خارجية إيران في اجتماع مجلس الأمن الدولي الذي سيبحث موضوع إيران. وحتى الآن لم يصدر تصريح أكثر حول عقد هذا الاجتماع، ولم تتخذ إيران أي موقف رسمي بعد حوله. ولكن نظراً إلى التحسّن الملموس في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، فيمكننا أن نخمّن عدة أمور بشأن هذا الاجتماع.

السبب الأول الذي يمكننا الإشارة إليه فيما يخص مبادرة فريق ترامب في عقد اجتماع بمجلس الأمن الدولي حول القضية الإيرانية، ربما هي أن الحكومة الأمريكية تقلد تصرف إيران في اللجوء إلى المؤسسات الدولية، من ناحية مختلفة. وبما أن النزاعات القضائية بين إيران والولايات المتحدة في محكمة العدل الدولية قد بدأت قبل أسبوع تقريباً، فقد انحرف الاهتمام الدولي من العقوبات الأمريكية إلى هذه النزاعات بنحو كبير.

ويُعد لجوء إيران إلى مصدر حقوقي -في موضوع له جوانب سياسية وسلطة القوة- خطة ناجحة أربك نظم اللعبة الأمريكية في منافستها ضد إيران. وإن أهم إنجازات هذه المبادرة ونتائجها، ليس قرار المحكمة لصالح إيران، فاحتمال صدور قرار لصالح إيران بعيد جداً، وإن صدور مثل هذا القرار سيأخذ وقتاً طويلاً ربما ستكون بعد عدة أشهر أو عدة سنوات ولن يكون ذا نفع، بل من أهم نتائج هذه الخطوة التغيير المفاجئ والجذري لتصرف إيران حيث لم تكن الولايات المتحدة تتوقعه.

إن الضغوط على الاتحاد الأوروبي قبل خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وبعده، وكذلك تغيير أعضاء الحكومة وإعطاء صلاحيات أكبر للمحافظين كي يستعرضوا إعلامياً ضد إيران، وعودة العقوبات السابقة إضافة إلى فرض عقوبات جديدة (السيناريو الذي لم يفكر فيه محللو قناة فضائية مثل بي بي سي حتى)، والعمل على تشديد الضغوط الداخلية عن طريق الإعلام والدعايات حول انهيار اقتصاد إيران، وازدياد نشاط الجماعات المعارضة للجمهورية الإسلامية في إيران في داخل البلاد وخارجها، وأيضاً استعراض ترامب في سنغافورة بعد لقائه (بكيم جونغ أون)، كل هذه الأمور تعد نقاط اتصال شبكة، كان ترامب وفريقه يعملون عليها من أجل جرّ إيران إلى طاولة المفاوضات.

وتنوي الولايات المتحدة من طريق هذه الشبكة خداع إيران بأن التكلفة ستكون غالية وأنها ستخسر؛ مما يجعل إيران تقدم على المغامرة. وبما أن ترامب قد جرب حظوظه برفعه كل الشروط المسبقة، لذلك إن كانت هذه المغامرة جاءت في سياق المفاوضات، فإنه قد وصل إلى مبتغاه. ولكن إن كانت المغامرة نابعة عن تصرف عدواني ومرتبك، كاتخاذ خطوة جادة لبدء حرب عسكرية فإن ترامب قد وصل إلى غايته الأخرى أيضاً.

ولكن لجوء إيران إلى محكمة العدل الدولية، قلب الطاولة على خطط هذه اللعبة بنحو مفاجئ وغير متوقع لفريق ترامب. وتعود أهمية لجوء إيران لمرجع حقوقي إلى تبيين ماهية تصرف إيران في تعاملها مع الضغوط السياسية؛ فالتصرف الإيراني كان هادئاً ومسيطراً وبعيداً عن الارتباك. ولا يمكننا أن نجزم إن كانت غرفة القرار في السياسة الخارجية الإيرانية قد فكرت بهذا الخيار سابقاً أو أنها اختارته بسبب الاضطرار، بيد أن هذه الخطوة قد أثرت بنحو عميق جداً على محاسبات الولايات المتحدة تجاه إيران.

ومن جهة أخرى، لم تعد الولايات المتحدة قادرة على فرض مزيد من العقوبات ضد إيران، مع هذا -وبسبب الشبكة الاقتصادية الفاشلة في البلاد، وتجذر الفساد في شرائح مختلفة من المجتمع الإيراني، وكذلك عدم وجود الأطر الأساسية لاقتصاد إيران، وأيضاً تنامي المحسوبية- فقد أثرت هذه العقوبات على أجزاء من النسيج المجتمعي ولاسيما الفقراء، وبالتأكيد سنرى لاحقاً تبعات العقوبات على اقتصاد إيران بزيادة التضخم في الأسعار.

ولكن الكلام الذي يتفق عليه الجميع هو أن جُلَّ المحللين في الداخل والخارج يعتقدون أن العقوبات الأميركية الجديدة تختلف كثيراً عن العقوبات الدولية في فترة أوباما؛ وأن الفرق يكمن في عدم تأثير العقوبات لعدم انسجام المجتمع الدولي، وعدم تأييد أوروبا لهذه العقوبات بسبب التصرف الأحادي الجانب من قبل الولايات المتحدة. وقد ذكرت صحيفة بلومبيرغ قبل عدة أيام، هذا التحليل نقلاً عن بعض المحللين الاقتصاديين؛ وبالتالي، فإن الولايات المتحدة كانت تمتلك أوراقاً رابحة لتفرض العقوبات، وقد لعبت ورقتها الآن وبينت آثار عقوباتها على الاقتصاد الإيراني.

وفي مثل هذه الظروف، فإن لجوء إيران إلى محكمة العدل الدولية يعد بمنزلة صفعة بأن ترامب لم يكن يتوقع مثل هذه الخطة. ولو صدر قرار محكمة العدل الدولية لصالح إيران (حتى لو كان احتماله واحداً بالمئة) سيكون أثره النفسي شديداً بحيث ستواجه إدارة ترامب هزيمة كبيرة؛ لأن الأثر السياسي والحقيقي لرأي المحكمة يبدو أنه ليس لصالح إيران. وفي مثل هذه الظروف تحتاج الولايات المتحدة إلى خطوة مغايرة وجديدة كي تعيد تكرار لعبتها أمام إيران؛ وأن جرّ إيران إلى مجلس الأمن الدولي يعد أفضل خيار لترامب.

وقد اختار ترامب يوم 26 أيلول موعداً لهذا الاجتماع لأن اهتمام الجميع سيكون مركزاً على الجمعية العامة للأمم المتحدة. وموعد هذا اللقاء سيكون بعد خطاب إيران، وأن خطاب ترامب في هذا الاجتماع سيكون حول شكواه ضد إيران لما يسمّيه «خرقها القوانين الدولية».

ويمكن أن ندرك بسهولة أن مبادرة ترامب هذه هي في الدرجة الأولى هجوم مضاد رداً على الشكوى الإيرانية في محكمة العدل الدولية، ويريد ترامب أن يخطف الانتباه الدولي في شهر أيلول لصالحه كي يلفق قصة لطيفة: كيف تستطيع أكبر دولة تخرق القوانين الدولية أن تشتكي لدى مرجع قضائي دولي من الدول الأخرى؟ وسنرى في هذا الاجتماع استعراضات كلامية وإعلامية وربما من وحي الخيال -تشابه تلك التي قامت فيها هيلي باستعراض أجزاء من صاروخ- للنيل من إيران والتشكيك في أحقيتها من الناحية القانونية.

والسبب الآخر يكمن في أن ترامب ينوي تقليد تصرفات إيران ومواقفها في مرجع آخر أي مرجع السلطة. فمحكمة العدل الدولية ومجلس الأمن الدولي يعدان من المؤسسات الدولية المهمة جداً، إلا أن أحدهما يمتلك الشرعية القانونية ولا يمتلك الضمان السياسي للتنفيذ، في حين أن الآخر لا يمتلك السلطة القانونية إلا أن لديه آليات قوية للتنفيذ.

ومع جرّ إيران إلى مجلس الأمن الدولي، قلدت حكومة ترامب منهج إيران من زاوية مختلفة؛ وعطفاً على الرموز الموجودة في هاتين المؤسستين الدوليين اللتين تحتكم إليها الدولتان، يمكننا أن نجد لغة الولايات المتحدة في مبادرتها الأخيرة استعراضاً مختلفاً للقوة في إطار مشابه؛ ولأن ترامب والولايات المتحدة لا يهتمان لإيران ولا لمحكمة العدل الدولية فإنهما لا يهتمان أصلاً لنتائج هذا الاجتماع في مجلس الأمن الدولي أيضاً. ونظراً إلى حضور الدول المعارضة لخروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، فمن المستبعد أن تصدر هذه الدول بياناً تدين فيه إيران. بل يمكن أن تذكرنا ماهية التصرف الأميركي بخطتها الرئيسة من أجل اللعب مع إيران.

والسبب الثالث يكمن في تحليل شخصية ترامب؛ فبإمكان الولايات المتحدة أن تعقد اجتماعاً في مجلس الأمن الدولي حول قضية إيران في أي تاريخ تريده، إلا أن هذا التوقيت يمكنه أن يذكرنا بالأحداث التي وقعت في السنة الماضية بين ترامب وروحاني.

وقبل مدة كشف عن أن ترامب طلب ثماني مرات لقاء حسن روحاني خلال قمة الرؤساء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقد رفض روحاني في كل مرة طلب اللقاء. ومن المفترض في اجتماع الجمعية العامة لهذه السنة أن يحيل ترامب قضية إيران إلى مجلس الأمن الدولي، ومن الطريف أنهم أعلنوا أنه يمكن لإيران أن تشارك في هذا الاجتماع وتقدم خطاباً أيضاً. ويبدو أن ترامب يريد أن يأخذ بثأره في هذا الاجتماع عما بدر من الجانب الإيراني الذي رفض اللقاء به.


المصدر:

http://www.tabnak.ir/fa/news/831184