مقدمة

يعدُّ الاقتصاد الإيراني من الاقتصاديات الأكثر تنوعاً في منطقة الشرق الأوسط. وإيران هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تصدّر كلَّ فئة من الصادرات المتنوعة على النحو المحدد لها من قبل صندوق النقد الدولي في الأعوام الأخيرة.

وإن جهود إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرامية إلى تقييد قدرة طهران على بناء ترسانة عسكرية في المنطقة قد تكون لها تداعيات ربما تعيد عن طريقها تشكيلَ ديناميات اقتصادية إقليمية، فإيران ثاني أكبر دولة في الشرق الأوسط من الناحية الجغرافية، وكذلك من حيث عدد السكان، وقد وصل ناتجها المحلي الإجمالي في العام الماضي إلى 400 مليار دولار من الإيرادات، ويعدُّ سوق الأسهم الإيرانية من أكبر أسواق الدول الخمس الناشئة في مجلس التعاون الخليجي التي يبلغ حجمها 95 مليار دولار، مع حجم تداول يومي يبلغ 100 مليون دولار[1].

ولقد اختبرت السنوات الماضية من العقوبات سعة دهاء الإيرانيين الذين اضطروا إلى إيجاد السبل والوسائل لتطوير القطاعات الاقتصادية غير النفط ومشتقاته؛ وإذا تجاوزت إيران مرحلة العقوبات الدولية، فإنها ستبدأ زيادة الإنتاج في مبيعات النفط، إذ تكسب منفذاً إلى عشرات المليارات من الدولارات، وستكون بحاجة إلى شركات أجنبية للقيام بمهمة تعزيز البيئة الاقتصادية للبلد؛ وبهذا ستكون هناك فرص ضخمة متاحة في الاقتصاد الإيراني للمستثمر الخليجي. والسؤال هنا: هل يغلب الشعور التجاري الجيد على الجغرافيا السياسية الإقليمية؟

يلقى نبأ عودة إيران إلى الأسواق المالية والنفطية العالمية مجموعة من الانتقادات والسجالات تفيد بعدم ارتياح بعض جيرانها، ومع ذلك، جاءت الهتافات المؤيدة من الاقتصاديين والمستثمرين من دول العالم ولاسيما الدول الأوروبية لإمكانية تفعيل اقتصاد إيران المنعزل منذ ما يقارب عقوداً ثلاثة؛ إذ “إن الانفتاح الإيراني سيكون من أكثر التطورات إثارة للاهتمام والإيجابية فيما يخصُّ أصول الأسواق الناشئة والحدودية منذ عدة سنوات، التي كانت تتطلع إلى رفع العقوبات عن إيران لأكثر من سنة حتى الآن”[2].

الصادرات غير النفطية الإيرانية

إن التصنيع والنقل والتجارة والسياحة هي من بين أكبر القطاعات غير النفطية المهمة في إيران، إذ تمثل مجتمعة 70% من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، وكان مصدراً مهماً للنمو غير النفطي في البلاد، لكن المعوقات التي تلازم الحكومة الإيرانية في التعامل المصرفي مع بقية العالم، وارتفاع التضخم، وزيادة معدلات البطالة -التي يقدرها البنك الدولي بنسبة 20%- كانت من بين الأسباب التي ضغطت عليها من أجل السعي إلى تخفيف العقوبات.

وتعدُّ دولة قطر -كونها الجار الأقرب إلى إيران- المستفيد الأكبر بعد الاتفاق النووي، ولاسيما أن العلاقة كانت موجودة هناك لمدة طويلة، وأصبح التعاون بين البلدين أقوى بعد اختلاف قطر مع البيت الخليجي؛ إذ بلغت قيمة صادرات إيران غير النفطية لدولة قطر خلال العام الماضي 145 مليون دولار بزيادة 148%[3]. وعلى الجانب الآخر هناك زيادة الإنفاق في مشاريع البنى التحتية والتطوير عبر أسواق الشرق الأوسط ومنطقة الخليج، وهذه تتطلب من إيران التركيز على صناعة الصلب وإنتاج الإسمنت، ويمكن أن يتم توجيه هذا أيضاً عبر دول الخليج كدولة الإمارات أو الكويت.

وإذا نظرنا إلى التجارة التأريخية بين إيران والإمارات العربية المتحدة والكويت، فنراها قائمة منذ مدة طويلة ولاسيما الجزء الجنوبي من إيران الذي يعد أقرب نقطة من دول مجلس التعاون الخليجي، إذ إن التكلفة هي أقل بالنسبة إلى الشحن الذي يوافر بعضاً من كلفة رأس المال لأنه يأخذ مدة زمنية أقصر، ومن حيث الخبرة فإن إيران تمتاز بخبرة إنتاج تفوق المئة سنة في المنطقة.

الموارد الطبيعية الإيرانية والاستثمار الأجنبي

لطالما نظرت طهران بقلق إزاء مواردها الطبيعية كونها تُستنزف بواسطة الدول المجاورة والمنتجة للطاقة مثل العراق وقطر -كما يقول الإيرانيون-، وتقع بعض حقول النفط والغاز الإيرانية تحت حدود مشتركة. والحقيقة أن إيران تحتاج إلى مستثمرين أجانب لتطوير الصناعة الهيدروكربونية البحرية، وإعادة تجهيز القطاع النفطي؛ لذلك لم يُستَفَدْ من هذه الموارد المشتركة فعلياً، حيث عكست زيارات ظريف ما بعد الاتفاق النووي أيضاً، وهذا الإلحاح من إيران يأتي للاستفادة من النفط واحتياطات الغاز، التي تحتل المرتبة الأولي عالمياً من حيث احتياطي الطاقة الأحفورية، ومن المتوقع أن يؤدي افتتاح أسواق إيران إلى عائدات مربحة لاقتصادها.

وإلى جانب هذا هناك أيضاً قطاع جذاب آخر وغير مستغل نسبياً في إيران هو التعدين.؛ فالتعدين الإيراني -ولاسيما في الزنك والنحاس- ضخم، وقد عَرَفَ استثماراً وتدخلاً أجنبياً قليلاً جداً على مدى العقد الماضي في إيران، وتسيطر الدولة على 90% على هذا القطاع، وتعمل جاهدة على تحديد الأولويات؛ لجذب مزيدٍ من الشركات وتشجيعها على الاستثمار، لكن ما تزال هناك عوائق في جذب الاستثمار الأجنبي وتوظيفه في هذا المجال؛ إذ لم تكن الاستثمارات الأجنبية المباشرة في إيران في العام الماضي كافية، إذا ماثلناها مع دول مجلس التعاون الخليجي.

قطاع الإنترنت والتجارة الإلكترونية في إيران

إن أهم مؤشرات قياس الوصول إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصال هو مؤشر عدد مستخدمي الإنترنت، الذي يعكس مدى جاهزية الدول للاقتصاد الرقمي، ويعد الإنترنت والتجارة الإلكترونية قطاعاً ساخناً آخر للاستثمار في إيران، إذ تشير الإحصائيات إلى أن عدد مستخدمي الإنترنت لعام 2017م بلغ أكثر من 65%، وتعد إيران الرقم 17 بين دول العالم في استخدام الإنترنت[4]. وإن تجار التجزئة المحليين على الإنترنت مثل Digikala ECommerce company  التي لديها حصة كبيرة في السوق الإيرانية ما يقارب من 85%، قد تمكنت أخيراً من الحصول على تمويل دولي. وعلى الرغم من استبعاد إيران من نظام المدفوعات الدولي، فإن نظم البنية التحتية والدفع الرقمي في إيران متقدّمة جيداً، إذ يطلق على نظام المدفوعات اسم شتابShetab  Interbank Network وهو نظام متقدم جداً من الناحية التقنية وآمن، وكثير من الناس لديه حق الوصول إليه، وتُدفع غالبية عمليات الشراء عبر الإنترنت، ولكن -كوسيلة لتشجيع الثقة- هناك بعض من مواقع التجارة الإلكترونية لديه خيار الدفع نقداً عند التسليم.

المحصلة

إن عودة إيران إلى الحلبة الاقتصادية العالمية قد تزعج بعض دول المنطقة، ومن المؤكد أن التوترات الجيوسياسية سوف تمنع نمو العلاقات الاقتصادية والتجارية بين إيران وبعض دول مجلس التعاون الخليجي؛ إذ تفرض معطيات العوامل الجيوسياسية في المنطقة على دول الخليج، وكذلك على إيران بلورة منهج لإدارة علاقاتهما السياسية والاقتصادية في المستقبل، وبقدر التزام دول الخليج في علاقاتها مع إيران -كما مع سائر بلدان العالم- بقواعد القانون الدولي ولاسيما ما يتصل بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، بقدر ما تتطلب منها فنون لإدارة السياسة الدولية بعيداً عن العنف والحرب، وقد يكون من الأوفق ارتكاز عملية إعادة هيكلة هذه السياسية المستقبلية على حسب الوضع الراهن.


المصادر

[1] -Thoughts from a Renaissance man Iran – the next 10 years https://goo.gl/7bgmwd

[2] -افزایش 148درصدی صادرات از بوشهر به قطر- http://www.irna.ir/fa/News/82750472

[3]– ایران چند کاربر اینترنت دارد؟ – http://www.asriran.com/fa/news/531797/