إنَّ معظم الحروب الأهلية المعاصرة ما هي اليوم إلا تكرار لحروب أهلية سابقة، وعلى خلاف  النظريات الكلاسيكية المتصلة المظالم والفرص، فإن هذه الدراسة تقدم نظرية تكرار الحرب الأهلية التي تسلط الضوء على الدور الحاسم الذي تؤديه المؤسسات السياسية والقانونية في تقييد النخب في دول ما بعد الحرب الأهلية، فمثل هذه القيود تعمل بمنزلة رقيب على السلطة التنفيذية، وتساعد النخب التي في السلطة على الالتزام بمصداقية بالإصلاح السياسي، وتفضي إلى الوضع الذي لا يحتاج فيه المتمردون الإبقاء على المليشيات بوصفها آلية لمناهظة النخب السياسية، وكل هذا يقلل من احتمالات تجدد الحرب الأهلية وباستخدام التحليل الإحصائي لسنوات ما بعد النزاع، توضح هذه الدراسة أن المؤسسات السياسية القوية لا ترتبط بنحوٍ مهم وسلبي بالحرب الأهلية فحسب، بل تعد من المحددات الأساسية إذا كانت البلدان تقع في فخ الصراع.
تكمن مشكلة الحرب الأهلية اليوم -على وجه الحصر تقريباً- في تجدُّدها، فمنذ خمسين عاماً خلت كانت معظم الحروب الأهلية هي حروب دارت رحاها للمرة الأولى، أي: إنها حروب جديدة خاضها المتمردون ولم يسبق لهم أن تحدوا الدولة، لكن بحلول العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت 90 % من جميع الحروب الأهلية هي تكرار لحروب أهلية سابقة -حروب قديمة شنها من جديد المتمردون بعد حقبة من السلام،وفي الواقع أن كل حرب أهلية بدأت منذ عام 2003 -باستثناء الحرب الأخيرة في ليبيا- كانت استمراراً لحرب أهلية سابقة، وحقيقة كون معظم الحروب الأهلية اليوم حروباً مكررة هو أمر لافت للنظر لسببين: الأول: أن الحروب الأهلية لا تتكرر في جميع البلدان وجميع المناطق، فقد شهدت السلفادور -على سبيل المثال- حرباً أهلية انتهت في العام 1992، ولم تستأنف قط؛ وبدلاً من ذلك فإن الحروب الأهلية المكررة تتركز في أفريقيا وجنوب الصحراء والشرق الأوسط في الغالب (UCDP / PRIO ACD v-4, 2009)، والآخر: أن البلدان التي شهدت حروباً أهلية متعددة، لم تشهد حروباً مختلفة عن تلك الحروب أو شنتها مجموعة مختلفة من المتمردين، فمعظمها مع مرور الوقت شهدت الحرب نفسها مع الجماعة المتمردة عينها أو مجموعة من الجماعات عينها، فنوبات الحرب الأهلية المتعددة في لبنان -على سبيل المثال- دارت رحاها بين اليمين المسيحي (الماروني) واليسار الإسلامي (الدروز)؛ الأمر الذي يؤشر إلى أنَّ التحدي الرئيس الذي يحيط بالحرب الأهلية لم يعد كيفية الحيلولة دون اندلاع حروب جديدة بل كيفية إنهاء تلك الحروب التي اندلعت بالأساس بنحوٍ دائم.
أنا لست أول من اكتشف أن الحروب الأهلية تكرر نفسها، فقد لاحظ كل من كولير وسامبانيس (عام 2002) هذا النمط وأطلقوا عليه فخ الصراع، ومنذ ذلك الحين قدم الباحثون تفسيرين رئيسين لذلك: يرى الأول منهما أن البلدان رزحت تحت وطأة العنف؛ لأن القتال أدّى إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والسياسية الكامنة وراء تحفيز المتمردين على القتال في المقام الأول (Walter 2004; Hegre and Sambanis 2006; Quinn, Mason, and Gurses 2007; Justino 2009)؛ فالحرب الأهلية تميل لأن تجعل البلدان الفقيرة أفقر، والدول الضعيفة أضعف؛ الأمر الذي يشجع على نشوب حروب إضافية مع مرور الزمن. أما الثاني فيرى أن أنواعاً معينة من الحرب الأهلية هي أكثر عرضة لأن تكرر العنف مقارنة بغيرها (Licklider 1995; Quinn, Mason, and Gurses 2007; DeRouen and Bercovitch 2008; Kreutz 2010; Toft 2010; Call 2012). فالمقاتلون غير القادرين على هزيمة بعضهم الآخر، والذين ينخرطون بمعارك طويلة ضارية، ويقاتلون على رهانات يعدوها ذات قيمة خاصة، يكونون أكثر عرضة لخوض الحرب الأهلية من جديد.
 وهذه الدراسة ترى أن العامل الرئيس الذي لم يؤخذ في الحسابات المطروحة هو دور المؤسسات السياسية والقانونية في الحيلولة دون تكرار اندلاع العنف، إذ إن الحروب الأهلية أكثر عرضة لأن تتكرر في البلدان التي تكون فيها النخب الحكومية غير خاضعة للمساءلة أمام الجمهور، حيث لا يشارك الرأي العام في الحياة السياسية، وحيث تفتقر المعلومات للشفافية. إن إضفاء الطابع المؤسسي (المأسسة) بنحوٍ أكبر يعمل على تحقيق أربعة أغراض: أولاً: من سمات تلك المأسسة أنها تعمل على إخضاع السلطة التنفيذية للرقابة التي من شأنها أن تجعل الحكومة تلبي مصالح شريحة أوسع من السكان؛ وهذا يعمل أيضاً على تقليل دوافع المتمردين من العودة إلى الحرب. ثانياً: أنها تعمل على إيجاد سبلٍ متعددة غير عنيفة للتأثير على الحكومة؛ مما يجعل من تجدد العنف أقل أهمية بوصفه وسيلة من وسائل التغيير.ثالثاً: تساعد المؤسسات السياسية والقانونية القوية النخبَ الموجودة في السلطة على الالتزام بمصداقية بالشروط السياسية للتسوية السياسية، الأمر الذي يزيد من احتمال تحقيق مساومات دائمة.رابعاً: إن الرقابة على السلطة التنفيذية تفضي إلى وضع لا يحتاج فيه المتمردون إلى الاحتفاظ بالمليشيات والتهديد بالعنف لمحاسبة النخب السياسية؛ والنتيجة ستفضي إلى الوضع الذي يكون فيه المقاتلون في وضع أسهل لحل الخلافات الأساسية ودعم الوقف الدائم للقتال.
وتنقسم الدراسة خمسة أقسام، يوضح القسم الأول الحجة الرئيسة المتصلة بأهمية بالحكم الرشيد والمسؤول في الحد من تكرار الحرب الأهلية؛ فالزعماء السياسيون الذين هم في بيئات مؤسساتية ضعيفة للغاية سيواجهون صعوبة في الالتزام والعمل مع المقاتلين السابقين، ومن ثم سيكونون أكثر عرضة للانزلاق صوب تكرار العنف. ويعرض القسم الثاني ثلاث مجموعات إضافية من العوامل التي من المحتمل أن تساهم في تكرار الحرب الأهلية، ويركز هذا القسم على المظالم الأساسية التي تقف وراء المتمردين وقدرتهم على مواصلة التمرد ومشكلات المساومات التي تقف في طريق التسوية طويلة الأمد. أما القسم الثالث فيقدم مجموعة البيانات المتصلة بجميع الحروب الأهلية بين الأعوام 1945 و2009 وتوضح الكيفية التي تم فيها اختبار فرضيات مختلفة. فيما يعرض القسم الرابع النتائج، وهي أن الحروب الأهلية أكثر احتمالاً لأن تكرر نفسها في البلدان التي فيها قيود قانونية وسياسية محدودة على الحكومة، ومن المرجح أيضاً أن تتكرر في البلدان التي لم تشهد تحسناً ملحوظاً في المساءلة أو الشفافية، وأثبتت هذه الضوابط المؤسساتية أهمية أكبر من أي فاعل آخر -بما في ذلك دخل الفرد- في الحد من تكرار الحرب الأهلية. أما القسم الخامس فيناقش ما يعنيه هذا للباحثين الذين يحاولون سبر أغوار العنف المستمر، ولصانعي السياسات الذين يكافحون من أجل حلَّ الصراعات التي طال أمدها في الدول الأكثر هشاشة في العالم.

لقراءة المزيد اضغط هنا