بعد مرور نحو مئة عام على الاتفاقية العالمية في منع الإدمان على المخدِّرات والسيطرة عليها، استطاعت بلدان العالم أن تمتلك تجارب نافعة في هذا المجال، وكانت النتيجة الأهم التي أفرزتها الدراسات هي أنّ جميع بلدان العالم تقريباً لم تصل إلى الهدف الأساس الذي رسمته، وهو (حياة دون مخدِّرات)، فهي لم تستطع أن تكافح بنحوٍ مؤثرٍ المخدِّرات الطبيعية، كالكوكائين والهيروئين والحشيشة، والمخدِّرات الصناعيّة كعقار النشوة (الإكستازي) وعقاقير الأمفيتامينات، وعقار ثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك (LSD).

وربما تساعد دراسةُ التجارب المتراكمة التي أفرِزت في هذا الإطار الباحثين على اتخاذ القرار الصحيح في المستقبل، وتوظيف أساليب مؤثرة في هذا المضمار. وكانت هناك عدّة أسئلة راودت أذهان الباحثين بعد تنفيذ برامج مكافحة المخدِّرات في بلدان العالم، وكان من أهمّها السؤال الذي شكك في معرفة المنهج الأكثر تأثيراً في مكافحة المخدرات، هل هو منهج المرونة أو الشِّدّة؟

ويتمحور منهج الشِّدة على المجرمين، بصورة أساسية في التركيز على العقوبة، والغرامات، والعقوبات الشاقة؛ وذلك لمنع تعاطي المخدِّرات من قبل الآخرين في المستقبل.

وأمّا المنهج المرن فيشمل البرامج الاجتماعية، والتعليم، وتنمية التوعية التي تُمثّل العقائد الدينية والمعتقدات الفردية والاجتماعية دوراً أساساً فيه.

وما يلفت الانتباه أنّ الباحثين بعد أن قضوا أوقات طويلة من دراسة مجالات منع المخدِّرات لم يتمكنوا حتى الآن من اقتراح إجابة واضحة عن السؤال المطروح في المنهج الأكثر تأثيراً من بين هذين المنهجين المذكورين آنفاً؟

وبنحوٍ عام فإن مكافحة المخدِّرات وتعاطيها تشمل ثلاثة موضوعات أساسية، سنحاول أن نسلط الضوء على دراسة تجارب بعض البلدان في كل واحدٍ منها.

مكافحة البيع بالجملة:

يؤكد كثير من مسؤولي بلدان العالم، على هذا الأسلوب الذي استُفيد منه طيلة القرن الماضي تقريباً، بيدَ أنّه لا يخلو من العيوب التي من أهمّها ضرورة وجود ميزانية باهضة جداً؛ لمواجهة العصابات المسلحة التي تهرّب المخدِّرات من بلدٍ إلى آخر.

وأشارت الدراسات التي قامت بناءً على تجارب البلدان التي استخدمت هذه الطريقة إلى أنّها فشلت في السيطرة على المخدرات وايصال العالم إلى المستوى المطلوب في هذا المجال.

وفي الحقيقة إنّ سوق تهريب المخدِّرات -كالهيروئين والكوكائين والحشيشة- باتت واسعة وكبيرةً بحيث لا يمكن مكافحته من خلال إبرام العقود والاتفاقيات الدولية.

وعلى الرغم من أنّ تعاطي المخدِّرات في البلدان الصناعية أصبح في مستويات مستقرة تقريباً، إلا أنّ الدلائل تشير إلى أنّ سوق المخدرات في البلدان النامية باتت تتوسّع بنحوٍ سريع.

والحقيقة أنّ الطرق التي استُخدِمت في تقليص إنتاج وبيع المخدِّرات في نطاق واسع، لم تكن سوى مدعاةٍ إلى نقل إنتاجها وتوزيعها إلى بقاع وأماكن أخرى من العالم؛ إذ إن الطُرق التي استخدمها المجرمون والمهربون في هذا الشأن أشدَّ تعقيداً وأكثرَ كُلفةً.

وكانت المساعي التي بُذلت من أجل السيطرة على المخدرات والحد منها خلال العقود الماضية في تايلاند وميانمار ولاوس مؤثرةً، إلا أنّها تسببت في نقل مصدر إنتاجها إلى أفغانستان. ومنذ عام 2000 صُرف في أمريكا وحدها ما يقارب من ٧.٣ مليار دولار؛ لأجل السيطرة على المخدِّرات في كولومبيا، لكنّ جميع البرامج والتدخلات العسكرية أصبحت عامل نقل أراضياً لزراعة تلك المخدِّرات إلى بلدان أخرى، وهي: بيرو وبوليفيا وإلى حدود كولومبيا، ولم يُلحظ في هذا الأمر أيُّ تقليصٍ من حجم إنتاجها، بل لم يكن هناك أيُّ تأثيرٍ يُلحظ في أسعار البيع بالجملة أو البيع بالتجزئة أو في معدل وصولها إلى الأسواق.

مكافحة البيع بالتجزئة

واجهت الجهود المبذولة للحؤول دون انتقال المخدّرات من خط الإنتاج إلى سوق البيع بالتجزئة مشكلات كثيرة جداً، حتى أنّ أكبر عمليات مواجهة توزيع المخدِّرات بين المستهلكين لم تؤثر تأثيراً مستداماً في مستوى أسعارها ولا في معدل وصولها إليهم.

وتُشير تجارب البلدان التي مارست هذه الطريقة في المكافحة إلى أنّ أكثر من 60% من المخدِّرات الواردة إلى البلد يكتشفها المسؤولون وتُحتجز في أثناء التوزيع؛ وذلك في حالة مجابهة سوق البيع بالتجزئة؛ إذ إن لهذه الطريقة تأثيراً إيجابيّاً في خفض مستوى استهلاك المخدِّرات ومنع إدمان الأفراد.

ونرى على سبيل المثال أنّ بريطانيا -وبعد إجراء دراسات في هذا الصدد- وصلت إلى نتيجة مفادها أنّه في حال وصول البلاد إلى عتبة اكتشاف 60 إلى 80% من المخدِّرات المستوردة إليها، والقيام بحجز هذه الكمية؛ فيمكن حينها أن تُعقد الآمال على تأثير هذا الأسلوب في مستوى أسعار المخدِّرات وفي معدل سهولة وصولها إلى المتعاطين. في حين أنّ نسبة 20% فقط على أفضل الأحوال هي التي تخرج عن سيطرة الدولة في أثناء التوزيع؛ وتأسيساً على هذا فإنّ بريطانيا استطاعت أن تقوم بثورة داخلية في مجال مكافحة سوق الاتجار بالهيروئين، وما زال هذا البلد في صدد دراسة أساليب أفضل لمكافحة الاتّجار بالمخدِّرات.

وقبل بضع سنين استطاعت أستراليا بجهودها الحثيثة والمكثّفة أن تخفض نسبة توزيع الهيروئين الذي يدخل البلد إلى مستويات متدنية جدّاً؛ وكان هذا العمل -وبنحوٍ ملحوظٍ- موجباً لتضاؤل نسبة عدد مدمني المخدِّرات بالحُقن ونسبة عدد حالات الوفاة الحاصلة جرّاء تعاطي المخدّرات بصورة مفرطة. لكن المدمنين لهذا النوع من المخدِّرات اتجهوا إلى تعاطي أنواع أخرى، مثل: الكوكائين والأمفيتامينات، بدلاً من التوجه نحو العزوف عن الإدمان ومعالجة أنفسهم من هذا المرض؛ وبذا فإن مكافحة الهيروئين في أستراليا أدى الى زيادة أعداد المرضى النفسيين، وتضاعف مستوى حوادث العنف في الشارع.

تخفيض نسبة الطلب:

هناك أسلوب آخر اهتمّت به الدول إلى جانب الطرق المذكورة آنفاً في معالجة مشكلة المخدرات، تتمثّل بأمرين: الأول: آلية تدريب الناس، والآخر: التهديد والتخويف، وكلاهما له تأثيرٌ محدود في خفض مستوى تعاطي المخدِّرات في المجتمع.

وقد جُرِّبت طريقة التعليم في نطاق واسع وإقامة برامج منع المخدِّرات في كثيرٍ من بلدان العالم. ويعتقد واضعو هذا الأسلوب أنّ احتمال توجه الأفراد نحو المخدِّرات يبقى احتمالاً ضئيلاً؛ لأنَّهم قد حُذِّروا سابقاً من مغبّة الخطر الفردي والاجتماعي الذي ينجم عن تناولها.

وكان الجهد الذي بذلته بلدان العالم في كثير من الحملات الواسعة التي أقيمت في هذا الشأن ينصبُّ على التهويل من مخاطر المخدِّرات؛ حتى يكون له التأثير الرادع على الأفراد إلى أقصى حدٍّ ممكن، بيدَ أنَّ دراسة تجارب البلدان التي مارست هذه الطريفة تشير إلى أن مثل هذه البرامج كان لها تأثير هامشي ذا أمدٍ قصير ومحدود.

ويبدأ الأفراد في تعاطي المخدِّرات بنحوٍ عام في سنِّ المراهقة والشباب؛ إذ إنَّ أغلب هؤلاء يتمتّعون برغبة عالية في المخاطرة، ثمّ إنّهم حينما يحصلون على معلومات رسميّة أو صادرة من الدولة فعادةً يهملونها ولا يولونها أيّة أهميّة. وإنّ أفضل النتائج في تطبيق هذا الأسلوب من مكافحة المخدرات هي حين تطبيقه على المجموعات الخاصة وعلى الذين ينتمون إلى جماعات صغرى، فعلى سبيل المثال تطبيقه على الأطفال الذين في رعاية غير الأبوين أو الأطفال المتنمرين في المدارس، إلا أن تطبيق هذا الأسلوب على نطاق واسع لم يحظَّ حتى الآن بنتائج مثمرة وملموسة.

المصدر: الموقع الإلكتروني لمركز مكافحة المخدرات (ستاد مبارزه با مواد مخدر).