تُعَدُّ مدينة شاتودان -التي تقع في منطقة غير حضرية بمحاذاة نهر لوير (Loir)- من المدن الفرنسية الأنموذجية، إذ تضم هذه المدينة قلعةً تعود إلى القرن الخامس عشر، ويبلغ معدل البطالة فيها نسبة 10%، ويسكنها نحو 13 ألف نسمة، ولها تأريخ في التصويت يتماشى مع آراء الأغلبية في بقية المدن في فرنسا، إذ دعم السكان المحليون الفائز نيكولا ساركوزي من حزب اليمين في عام 2007، وفي عام 2012 صوتوا لصالح الفائز فرانسوا هولاند من حزب اليسار، ومع اقتراب الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية لهذا العام في 23 من شهر نيسان الحالي، يبدو أن الناخبين في هذه المدينة سيعكسون الاتجاه الوطني في البلاد مرة أخرى.

يقول برتراند -وهو رجل متقاعد أُجري حوار معه في أثناء تسوقه من الساحة الرئيسة-: “إنني في حيرة من أمري بشأن من سأصوت له”؛ إذ يعتقد السيد برتراند الذي صوّت لصالح السيد ساركوزي في عام 2012 بأن فرنسوا فيون -المرشح عن حزب اليمين الوسط- هو الشخص المناسب ذو الخبرة الجيدة إلا أن التحقيق الحالي بسبب إساءة استعمال الأموال يعد أمراً مخزياً جداً بالنسبة لبرتراند، وفي حين صوتت جينفييف -زوجة برتراند- لصالح السيد هولاند في الانتخابات الأخيرة، إلّا أنها صرفت النظر عن التصويت لصالح المرشح الاشتراكي بنوا هامون إذ يعد في نظرها شخصاً خياليَ النزعة، وتقول إنها تميل إلى التصويت لصالح جان لوك ميلينشون -الذي يبلغ 65 عاماً- المدعوم من الشيوعية، الذي تعهد بتحقيق “ثورة المواطنين”، وإخراج فرنسا من حلف شمال الأطلسي، وفرض أعلى معدل ضريبة للدخل بنسبة 100%.

استولى المرشحون الذين يَعِدون بتغيير النظام على أصوات أغلبية الناخبين؛ إذ قال ديدييه رينارد -وهو عامل بناء متقاعد- بلا تردد إنه سيصوت لصالح مارين لوبان المرشحة عن الجبهة الوطنية المعارضة للمهاجرين، إذ يقول السيد رينارد في لقاء مع الكاتب: “إنها الشخص الوحيد الذي سيساعد أناس بسطاء مثلنا”، وتقول امرأة تدير محلاً للخضار والفاكهة: “لا أحد يحترم المرشحين، فقد ضاق الشعب ذرعاً بسبب أعمالهم السيئة”، ويرى السيد آلان فينوت -عمدة مدينة شاتودان وأحد أعضاء حزب يمين الوسط- بأنه عادة ما يكون لديه شعور جيد حول نتائج التصويت في بلاده، إلّا أن النتائج في الانتخابات الرئاسية القادمة تعد غامضة بالنسبة إليه.

97865

تَقدَم السيد ميلينشون -الذي يمتلك حساباً في اليوتيوب ويقوم بجذب الناخبين من خلال تسجيل فيديو خاص به يعرض على الهواء مباشرة- في بعض استطلاعات الرأي من المركز الخامس إلى المركز الثالث، متجاوزاً بذلك السيد فيون، ولا يبتعد عن السيدة لوبان والسيد إيمانويل ماكرون سوى ببضع النقاط، ويعد السيد ميلينشون شخصاً ليبرالياً مؤيداً للاتحاد الأوروبي.

تُظهِرُ الاحتمالات وجود منافسة بين السيدة لوبان والسيد ماكرون؛ إذ فرض ماكرون -الذي كان وزيراً للاقتصاد في عهد السيد هولاند- نفسه كزعيم للتمرد، وقدم وعوداً بإنهاء الانقسامات القديمة بين اليسار واليمين واتباع أسلوب جديد في السياسة، تقول صوفي زيوجين -وهي سيدة أعمال ومتطوعة في حزب الوسط- إن العديد من السكان يرون ماكرون -المرشح البالغ من العمر 39 عاماً- شخصاً لطيفاً، وقد يقول بعضهم إنه قد يكون “انتهازياً”، وتتراوح آراء الناخبين في فرنسا بين مؤيد لصالح السيد ماكرون أو السيدة لوبان.

قد يكون من المبكر القول الآن إن السيد ماكرون سيحتفظ بتصدره في الجولة الثانية للانتخابات، إلّا أنه سيواجه منافسته السيدة لوبان وسيحاول التغلب عليها في جميع الحالات. وتعد هذه الانتخابات وكأنها سباق بين أربع جهات حيث لا يمكن استبعاد أي سيناريو، وهذا يشمل إمكانية تراجع السيد فيون، وذلك من خلال تغيُّر رأي الناخبين يوم الاقتراع الذين ادعوا سابقاً بأنهم سيصوتون له؛ وبالعودة إلى الوراء، نجح السيد جان لوبان -والد السيدة لوبان- في عام 2002 من الوصول إلى الجولة ثانية بفارق نصف نقطة عن المرشح في المركز الثالث.

كان لدى الفرنسيين مفاجآت انتخابية سابقاً؛ إذ صوتوا ضد مشروع الدستور الأوروبي عام 2005، وفي الانتخابات التمهيدية الرئاسية الأخيرة قاموا بطرد الشخصيات المفضلة لهم من الانتخابات -الرئيس السابق (نيكولا ساركوزي) واثنان من رؤساء الوزراء السابقين (آلان جوبيه ومانويل فالز)-، وهذه المرة قد يقوم معظم الناخبين الفرنسيين بدعم مرشح لا ينتمي لحزب اليمين ولا اليسار -الحزبان اللذان أدارا فرنسا على مدى الستين عاماً الماضية-، فستكون هذه الانتخابات الأكثر غرابة في تأريخ فرنسا منذ أي وقت مضى، ولكن قد تحدث هناك تحولات غير متوقعة في الأيام القادمة.


 

المصدر:

http://www.economist.com/news/europe/21720667-worst-case-scenario-run-between-marine-le-pen-and-communist-backed-firebrand-frances