ماركوس ووكر، أنطون ترونسكوفيسكي

تشعر الأحزاب الرئيسة في أوروبا بالضغط من السياسيين الشعبويين، وستساعد انتخابات العام المقبل -في عدد من الدول الأوروبية الأساسية- بتحديد مصير الحدود المفتوحة للقارة وعملة اليورو.

تتراوح مطالب المجموعات الشعبوية الأوروبية من إقامة سياج حدودي إلى تفكيك اليورو، إذ تريد بعض الأطراف المتمردة فسحة مالية أكبر من أوروبا، ويريد آخرون أخذ أموالهم من الدول المجاورة، إلا أنهما يشتركان في شيء واحد هو أن أفكارهم تعمل على تدمير مشروع التكامل الأوروبي الذي استمر 60 عاماً، لكن على هذه الجماعات المتنوعة الحصول على السلطة في أي بلد من البلدان الأساسية للاتحاد الأوروبي، وتزيد هذه الجماعات من الضغوط على الأحزاب الرئيسة في القارة وتسحب دول الاتحاد الأوروبي في اتجاهات مختلفة، مع محاولة الحكومات لتهدئة القناعة العامة المتزايد بأن أوروبا ليست كما كانت سابقاً.

هناك مجموعة من الانتخابات التي ستجرى في عام 2017 لاختبار ما إذا كانت الجماعات الشعبوية قادرة على الفوز على الأحزاب السائدة، وستنتقل الثورة السياسية ضد الوضع الراهن في أوروبا -التي بدأت في اليونان والمملكة المتحدة- إلى فرنسا، وألمانيا، وهولندا، وربما إيطاليا، ويمكن للنتائج في نهاية المطاف -إن لم يكن على الفور- تحديد مصير الاتحاد الأوروبي والحدود الداخلية المفتوحة والعملة الموحدة.

في قلب السؤال عن أوروبا الجديدة، تظهر خيبة الأمل حول أعباء الحياة في ظل اليورو والغضب بشأن الخسائر المفترضة من عدم السيطرة على الهجرة، إذ يوحي استفتاء حول التعديلات الدستورية في إيطاليا والانتخابات الرئاسية في النمسا أن الأوروبيين مقسمون بين أولئك الذين يرفضون الاتحاد الأوروبي وما يمثله، وأولئك الذين يعتقدون أن أوروبا بحاجة إلى التغيير من أجل البقاء.

وقالت النائب عن حزب النجوم الخمس الإيطالية، كاترينا بيفانو إن “الشيء الأساس والنهائي الذي يوحد أوروبا في هذا الوقت هو عدم الرضا”.

وتشمل مطالب حزب النجوم الخمس إجراء استفتاء غير ملزم بشأن حفاظ إيطاليا على اليورو، إذ ذكرت بيفانو أن القيام بمثل هذه الخطوة قد يروع الأسواق المالية ويزعزع استقرار النظام المصرفي الهش في إيطاليا، “وأن الهدف من وراء ذلك -كما تضيف- هو للضغط على أوروبا لكي تفهم أن هناك مشكلة، وهي ليست مقتصرة على إيطاليا أو فرنسا، بل المشكلة هي أن أوروبا هذه لا يمكن أن تستمر”.

تريد بعض الحركات الشعبوية الأخرى أن تذهب أبعد من ذلك، إذ ترغب الجبهة الوطنية في فرنسا بالعودة إلى العملات الوطنية، وتدعو إلى القيام بذلك من خلال عملية منظمة بالتنسيق مع دول أخرى في الاتحاد الأوروبي بقيادة ألمانية – فرنسية لإنهاء تجربة اليورو، لكنهم لم يوضحوا كيفية القيام بهذه العملية، ولا كيفية إحياء الفرنك الفرنسي إذا لم تتعاون ألمانيا.

وتريد الجبهة الوطنية إعادة التفاوض على معاهدات المؤسسين للاتحاد الأوروبي، وليس مجرد تركها، وتطالب بالتغيير، بما في ذلك عودة مساهمة فرنسا بصافيها المالي في ميزانية الاتحاد الأوروبي، والقيود المفروضة على الهجرة داخل الاتحاد الأوروبي، وهذا من شأنه أن يقوض السياسات الرئيسة للاتحاد الأوروبي.

تعد زعيمة الحزب مارين لوبان إحدى أبرز المنافسين في الانتخابات الرئاسية العام المقبل في فرنسا، وإن لم تكن المفضلة، يمكن لفوزها أن يكون الطريق الأسرع إلى تفكك الاتحاد الأوروبي من خلال وضع مسار تصادمي بين فرنسا وألمانيا، حيث لا تزال المدافعة عن الاتحاد الأوروبي أنجيلا ميركل هي الأوفر حظاً للفوز بولاية رابعة في منصب المستشارية في خريف عام 2017.

في معظم بلدان القارة لا تزال الغالبية تدعم عضوية الاتحاد الأوروبي وعملتها، فعلى وفق مسح أجراه للاتحاد الأوروبي في شهر آيار الماضي تشير الإحصائيات إلى أن 54٪ من الإيطاليين و69٪ من النمساويين و73٪ من الألمان يريدون الحفاظ على اليورو، إلَّا أن واحداً فقط تقريباً من كل ثلاثة أشخاص كانت لديهم صورة إيجابية عن الاتحاد الأوروبي.

إن الخطر الأكبر على استقرار الاتحاد الأوروبي على المدى الطويل يمكن أن يكون في إيطاليا، التي فشلت في النمو أو التعافي من الأزمة المالية الاقتصادية منذ انضمامها إلى منطقة اليورو. وقد رفض الإيطاليون -نهاية الأسبوع الماضي- التغييرات الدستورية التي اقترحها رئيس الوزراء ماتيو رينزيلا-الذي استقال من منصبه يوم الاثنين الماضي- رفضاً قاطعاً، وضمت خطته التي فشلت تنظيم الحياة السياسية الإيطالية لفتح التغيُّرات الاقتصادية التي ترى السلطات الأوروبية أنها أمر حيوي لبقاء إيطاليا في منطقة اليورو.

تريد حركة النجوم الخمس الإيطالية أن تهز الاتحاد الأوروبي، وأن تتخلص من الأغلال المالية التي ترعاها ألمانيا، إلا أن جبهة الشمال -حزب إيطالي- المعادية للمهاجرين في إيطاليا، تقف على النقيض من ذلك، إذ تريد الانفصال عن الاتحاد الأوروبي.

وقال السياسي في جبهة الشمال كارلو فيتوري من بولزانو في المناطق الجبلية شمال إيطاليا: كان ينظر أوروبا على أنها أنموذج للحكم الرشيد في إيطاليا- أما في هذه الأيام، فهي تحكم من قبل طائفة نخبوية وجماعات تربطها المصالح، ويضيف فيتوري أن “أوروبا أصبحت أشبه بإيطاليا، بدلاً من أن تصبح إيطاليا أشبه بأوروبا”. وقد فكانت هذه المنطقة من جبال الألب ساحة معركة في انتخابات يوم الأحد الماضي التي دارت رحاها على العديد من المحاور التي ستشكل الانتخابات في أوروبا بالعام 2017، وفي شمال بولزانو يمثل ممر برينر الذي يربط إيطاليا والنمسا رمزاً لكل من الانفتاح في أوروبا وما يهددها بالتفكك.

أشارت الألعاب النارية، والرقص، والمقطوعة التاسعة لبيتهوفن -التي عزفت على ارتفاع 4495 قدماً فوق مستوى سطح البحر- إلى سقوط الحدود الداخلية في أوروبا عام 1998، وبعد ذلك بوقت قصير، ألغى اليورو أكشاك صرف العملات بعد اعتباره كالعملة الموحدة للعديد من البلدان الأوروبية.

أما الآن فيقف الشعبويون على جانبي الممر ويقولون إن تكاليف المال العام وعدم وجود حدود مرتفعة جداً، إذ تعد إيطاليا حالياً أكبر موطئ دخول أوروبي للمهاجرين الأفارقة وأولئك الذين يهاجرون من الشرق الأوسط، ويعبر كثيرٌ من هؤلاء هذا الممر في العبور سيراً على الأقدام.

يعارض جيرهارد ماير -وهو صاحب فندق محلي- انفتاح أوروبا الذي حوله إلى رجل مشهور، إذ كان الشخص الأول الذي يعبر من ألمانيا الشرقية إلى الغربية حينما فتحت المجر حدودها مع النمسا عام 1989، واستقر في وقت لاحق في القرية النمساوية ستيناخ أم برينر، حيث يستقبل الفندق الذي يديره المسافرين الذين يتدفقون عبر جبال الألب، ويقول ماير: “بالنسبة لي، كان فتح الحدود في أوروبا مثل جنة عدن”.

والآن وكمواطن نمساوي يريد السيد ماير أن يسيطر على الحدود في ممر برينر؛ للحد من خطر الإرهاب ومنع المهاجرين واصفاً إياهم “بالسياح الذين يسعون إلى الرفاهية والمال”، ومثل الكثيرين في هذه المنطقة، صوت السيد ماير لمرشح حزب الحرية اليميني لرئاسة الجمهورية النمساوية في الانتخابات يوم الأحد الماضي، وعلى الرغم من خسارة حزبه إلا أن حصل على أعلى نسبه تصويت انتخابية على الإطلاق في تأريخه.

أما بالنسبة إلى رجل أعمال إيطالي محلي وهو ستيفان بان، فإنَّ هذا النوع الحدود الذي يطالب به السيد ماير وحزب الحرية سيكون كارثياً “مثل إعادة جدار برلين”.

مهاجرون إثيوبيون يركبون قطاراً يمرُّ عبر إيطاليا وصولاً إلى ممر برينر على الحدود النمساوية في تموز عام 2015. تصوير: أليكساندر كويرنير / غيتي.
مهاجرون إثيوبيون يركبون قطاراً يمرُّ عبر إيطاليا وصولاً إلى ممر برينر على الحدود النمساوية في تموز عام 2015. تصوير: أليكساندر كويرنير / غيتي.

جنوب جبال الألب حيث يعد الألم الاقتصادي الذي استمر منذ عام 2008 أحد أكبر مصادر خيبة الأمل تجاه الاتحاد الأوروبي، إذْ إن السياسات المطلوبة من قبل البنك المركزي الأوروبي لدعم سوق السندات الهش في إيطاليا قد تترك الإيطاليين يعانون في منطقة اليورو، التي يرون أنها مهيمنٌ عليها من قبل المصالح والقيود الألمانية.

سعى رئيس الوزراء الإيطالي رينزي للضغط على الاتحاد الأوروبي لإعطاء بلاده مساحة أكبر للتنفس، في حين دفع أيضاً بقانون العمل وغيرها من التغييرات التي حثت عليها ألمانيا والبنك المركزي الأوروبي لجعل إيطاليا أكثر قدرة على المنافسة، إلَّا أن قاد حركة النجوم الخمس وقفوا ضد خطته هذه.

وقال رجل الأعمال والسياسي في حركة الخمس نجوم في بولزانو بول كولنسبيرجير إن: “أوروبا ووزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله هم من أرادوا هذه الإصلاحات؛ لأن من شأنها مساعدة الدائنين في إيطاليا على الدفع من خلال تدابير اقتصادية لا تحظى بشعبية وتؤدي إلى التقشف”.

في ممر برينر، يوجد طلاء أخضر على الأسفلت كعلامة للحدود بين النمسا وإيطاليا، مع شقق مهجورة كانت تضم فيما مضى مسؤولي الجمارك الإيطاليين في مواجهة مركز تجاري جديد، وفي داخل المدينة، يملأ الناس من جميع أنحاء أوروبا معرضاً لصور من الماضي: جنود، ومدن، وعلم نازي.

في ليلة الأحد بدا على مؤيدي الاتحاد الأوروبي النمساويين ارتياح واضح بعد تفوق مرشح يسار الوسط لمنصب الرئيس ألكسندر فان دير بيلين، على مرشح حزب الحرية نوربرت هوفر، لكن حتى مؤيدي فان دير بيلين الذين تجمعوا في المركز الثقافي في انسبروك قالوا إن أوروبا بحاجة إلى إعادة النظر فيما يحدث للقارة.

وقالت إحدى النساء المتقاعدات إن الاتحاد الأوروبي مهيمن عليه من قبل “رجال الأعمال وكبرى الشركات العالمية”، مرددة الخطاب المستخدم من قبل الشعبويين، وقالت إن الحل يكمن في إصلاح الاتحاد الأوروبي، وليس إسقاطه، وأضافت أن “الاتحاد الأوروبي يشبه الديمقراطية؛ فلذلك نحن بحاجة إليه، ولا يوجد شيء أفضل منه، ولكن يجب علينا أن نعمل على تحسينه”.


ماركوس ووكر، مراسل في صحيفة وول ستريت جورنال.

أنطون ترونسكوفيسكي، صحفي مختص بشؤون ألمانيا السياسية والاقتصادية لصحيفة وول ستريت جورنال.


ملاحظة :
هذه الترجمة طبقاً للمقال الأصلي الموجود في المصدر ادناه ، والمركز غير مسؤول عن المحتوى ، بما فيها المسميات والمصطلحات المذكوره في المتن .

 

المصدر:

http://www.wsj.com/articles/for-europes-unity-2017-will-be-a-year-of-reckoning-1480982271